واجهت حوار الفرقاء الليبيين في مدينة غدامس (540 كيلومتراً جنوب غرب العاصمة طرابلس)، على الحدود الجزائرية، بداية متعثرة سرعان ما تبددت مساءً، مع اتفاق المجتمعين على وقف إطلاق النار، وفتح المطارات وعلاج جرحى طرفي الاقتتال، أي قوات فجر ليبيا، والقوات المحسوبة على عملية "الكرامة" بقيادة اللواء خليفة حفتر. كما اقترح وفد مجلس النواب (الذي يتخذ طبرق مقراً له) انسحاب قوات الزنتان من منطقة بئر الغنم جنوب غرب طرابلس، شرط عدم دخول قوات فجر ليبيا للزنتان.

وبدأ يوم أمس متعثّراً مع تأخر الوفود في الوصول إلى المدينة الحدودية، في ظل بعض الانتقادات لمكان انعقاد الحوار ذاته، إذ تقع غدامس تحت سيطرة الكتائب الموالية لقائد "عملية الكرامة"، اللواء حفتر، وهو ما عبّر عنه عضو مجلس النواب المنعقد في طبرق، الذي يرفض المشاركة في اجتماعاته، عبد الرؤوف المناعي، في تصريحات نشرتها "العربي الجديد"، قائلاً إن ذلك "يمثل رسالة من المبعوث الخاص للأمم المتحدة، برناردينو ليون، باعتبار مكان عقد الحوار ضمن المدن التابعة لمجلس النواب وللانقلابيين"، على حد قوله.

ولم تقتصر الانتقادات على الأطراف السياسية، إذ دعا المكتب الإعلامي لعملية "فجر ليبيا"، في بيان، أنصاره إلى التظاهر أمام مقر بعثة الأمم المتحدة في طرابلس، تعبيراً عن الرفض التام للحوار الأممي الساعي إلى إحياء روح "المهزومين السياسيين والعسكريين"، ومعتبراً أنه حوار مجهول الأطراف والبنود. وسبقت البداية المتعثرة حالة من "التشنّج" السياسي، عقب الخطاب الذي ألقاه رئيس مجلس النواب المنعقد بطبرق، عقيلة صالح، في الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي رأى نواب يرفضون انعقاد المجلس، أنه وضع الشعب الليبي كلّه في خانة "الإرهاب"، ما يعني التمهيد لاستدراج التدخل الدولي.

في المحصلة، لم تمنع السجالات السياسية من بدء جلسات الحوار في غدامس، بحضور أعضاء مجلس النواب المجتمعين في طبرق والنواب المقاطعين لجلساته. وكان الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، ومندوبون دوليون، فضلاً عن ممثلين عن الجزائر وتونس ومصر، قد وصلوا، أمس الاثنين، لحضور جلسة الحوار التي ستُناقش إيجاد مخرج سياسي للأزمة. وأشاد ليون، لدى افتتاح الاجتماع، بما قال إنه "يوم تاريخي لليبيا وللعالم"، مؤكدا أن الاجتماع "المدعوم من المجتمع الدولي، يوجه رسالة وحدة قوية لليبيين". وقال أحد أعضاء بعثة الأمم المتحدة لوكالة "فرانس برس"، إن أعضاء المعسكرين "أعطوا انطباعا جيدا وقدموا بنوايا حسنة. وهذا بحد ذاته أمر إيجابي جداً".

ويُنظر إلى "لقاء غدامس" باعتباره محطة حوارية أولى، قبل الانتقال إلى المحطة الثانية في الجزائر المقررة في 13 أكتوبر/تشرين الأول المقبل.

ويقول مصدر دبلوماسي ليبي في الجزائر، إن "لقاء غدامس يهدف إلى إنهاء الصراع الحاصل بين البرلمانين الليبيين، وحسم الازدواجية البرلمانية والحكومية التي زادت من تعقيد الأوضاع والأزمة الداخلية".

ويضيف المصدر أن "حوار غدامس يهدف إلى إنهاء الانقسام السياسي، وحسم مسألة تسليم العهدة التشريعية". ويلفت إلى وجود أطراف تودّ انتظار حكم المحكمة الدستورية الذي سيُعلن في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، بشأن أحقية البرلمان والحكومة الجديدة في السلطة التنفيذية والتشريعية، مثل حزب "العدالة والبناء" (الإخوان المسلمين)، الذي قال رئيسه محمد صوان، إن حزبه "يؤيد انطلاق الحوار، على أن يتم إرجاء القضايا المعروضة إلى ما بعد صدور الحكم من الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا".

في المقابل، يؤكد عضو "المؤتمر الوطني العام" (البرلمان السابق)، حسين الأنصاري، أن "بلاده بحاجة إلى حوار يجنب البلاد الانزلاق إلى حافة الحرب الأهلية". ويعتبر أن "ما ينقص الليبيين هو الجلوس إلى طاولة الحوار وتغليب لغة الحوار على لغة السلاح، وهذه القناعة وصلها جميع الليبيين إلا بعض من لا يزال متشنجاً في مواقفه".

وفي سياق استعدادات الجزائر لاحتضان الطاولة المستديرة للحوار الليبي، يقول مسؤول رفيع في الخارجية الجزائرية، إن "الجزائر سترسل وفداً دبلوماسياً الى طرابلس وبنغازي مباشرة بعد عيد الأضحى لتسليم دعوات إلى كافة الأطراف الليبية، للمباشرة بحوار الجزائر".

ويكشف المسؤول الجزائري عن اقتراح بأن "يجري الحوار في الفترة بين 18 إلى 27 أكتوبر/تشرين الأول المقبل"، رغم أن الموعد المعلَن هو 13 أكتوبر. وأوضح أن "عدداً من الأحزاب والقوى السياسية الليبية توجهت بخطاب إلى الحكومة الجزائرية، قبل تسليمها الدعوة، لتشجيع جهود الجزائر، وإعلان المشاركة والمساهمة في الحوار".
ويكشف الدبلوماسي الجزائري أن طرفاً تونسياً، لم يسمه، يساهم بفعالية في دفع الفرقاء الليبيين إلى دعم المبادرة الجزائرية.

ويرجح أن يكون زعيم "حركة النهضة" التونسية، راشد الغنوشي، هو الطرف التونسي المقصود، إذ كان الأخير قد أعلن عن وجود مسعى تونسي جزائري في اتجاه حل الأزمة السياسية الليبية عبر الحوار.

المسعى التونسي الجزائري، تُوّج بدعم إفريقي، إذ أصدر الاتحاد الإفريقي بياناً دعا فيه إلى إجراء حوار شامل بين جميع الأطراف السياسية في ليبيا، وأكد الاتحاد على أنّ "التدخل العسكري لن يحلّ الأزمة، بل سيعقّدها ويفاقم من آثارها الإقليميّة والدوليّة". وجدّد الاتحاد تأكيده دعم جهود الحوار وضرورة دعم العملية الديمقراطية، واحترام الإعلان الدستوري بما في ذلك دعوة أطراف تمثل النظام السابق للمشاركة في الحوار، وهو الأمر الذي قوبل بمواقف متحفظة من دعوة أركان النظام السابق إلى حوار الجزائر، خشية من إعادة إنتاج نظام العقيد الراحل، معمر القذافي.

وفي السياق، يقول رئيس حزب "العدالة والبناء"، إن "دعوة أركان نظام القذافي إلى حوار الجزائر لن يكون مجدياً، ولن يساهم في إنجاحه". ويضيف أن "الحوار ينبغي أن يكون أولاً بين شركاء ثورة 17 فبراير مهما كان الاختلاف بينهم". ويلفت القيادي الحزبي، إلى أن "الحوار لا غنى عنه لحل الأزمة السياسية في ليبيا"، لكنه يشير إلى أن حزبه "لم يتلق بعد دعوة للحوار في الجزائر، مع تقدير دور الجزائر الشقيقة وحرصها على رأب الصدع بين الليبيين ورفض التدخل الخارجي".