يقدم الباحث والدكتور المختص في الشأن الثقافي في الجزائر، عمار كساب، عبر هذا الحوار الذي خص به "بوابة إفريقيا الإخبارية" عرضا ملخصا وشاملا للواقع الثقافي في الجزائر. وهو واقع مهزوز ومحزن تسبب فيه تعنت المؤسسة الرسمية في عدم اعتماد أي سياسة ثقافية واضحة في الجزائر، خوفا من أن يخرج المثقف الجزائري من قوقعة الحياد إلى ساحة الفعل ونقد الواقع، ومن ثمة فتح الباب لهذا الأخير ليكون رقما مهما في معادلة يفضل أن يلغى منها..
بوابة إفريقيا الإخبارية: في البداية وقبل التطرق الى السياسة الثقافية في الجزائر, ما هو المنظور الذي تحدد وفقه وجود من عدم وجود سياسة ثقافية في أي بلد؟
د. عمار كساب: المنظور الذي تحدد وفقه الهيئات الدولية كاليونسكو وجود من عدم وجود سياسة ثقافية في أي بلد هو وجود نص قانوني مصادق علية من طرف الحكومة يعرف الثقافة الوطنية، يحدد أهداف الفعل الثقافي و الوسائل المتاحة لتحقيق هذه الأهداف. للتذكير فإن السياسة الثقافية هي تعريف و تجسيد مفهوم الثقافة حسب ما تمليه الحركة الثقافية الوطنية، من طرف الدولة، بما يخدم المواطنين، ويحترم حقوق المبدعين. هي مجموعة الوسائل التقنية التي تسمح بتجسيد مفهوم الثقافة الوطنية و تحقيق أهداف الدولة في المجال الثقافي بما يمليه المجتمع المدني بهدف تنشيط القطاع الثقافي.
بوابة إفريقيا الإخبارية: اعتمادا على ذلك، هل يتحقق هذا المنظور في الجزائر؟
د. عمار كساب: للأسف لا لأنه لا يوجد أي نص رسمي يعطي تعريف صريح للثقافة في الجزائر و حتى الأهداف التي تقام من أجلها الفعاليات الثقافية و الفنية الرسمية. هذه الوضعية مقصودة لأن النظام في الجزائر يعرف جيدا أهمية السياسة الثقافية و وضع سياسية ثقافية للبلاد "تورطه" أولا في الإعتراف الرسمي بالتنوع الثقافي في الجزائر و كذلك في وضع معايير دقيقة لتحقيق أهداف تتطلب التدقيق في المال العام.
بوابة إفريقيا الإخبارية: بكل موضوعية ومن دون اية رغبة في تصفية أي حساب,ما هي المطبات التي وقعت فيها خليدة تومي وهي وزيرة ثقافة؟
د. عمار كساب: ليس لدي أي حساب لأصفيه مع أحد لأنني لم أتعامل إطلاقا مع هذه الوزيرة أو الوزارة التي بقيت على رأسها لمدة ١٢ سنة كاملة. أما المطبات التي وقعت فيها فكثيرة، وربما أخطرها كانت تقييد حرية الإبداع الفني و حرية العمل الثقافي من خلال إستراتيجية هيمنة إعتمدت خاصة على التشريع في المجال الثقافي. ففي مدة "حكمها" نشر مالا يقل على ١٥٠٠ نص تشريعي و تنظيمي يصب معظمها في وضع أطر إدارية بيروقراطية للحصول على رخص لتصوير الأفلام و نشر الكتب و تنظيم العروض الفنية و المهرجانات، إلخ، قتلت بها المبادرات المستقلة. لا يفوتني ذكر كذلك حملات التشوية و المضايقات التي تعرض لها حاملو المشاريع المستقلة.
بوابة إفريقيا الإخبارية: لو اردنا وضع ترتيب لجدوى سياستنا الثقافية، أي مرتبة ستحتل في المغرب العربي اولا، افريقيا والوطن العربي؟
د. عمار كساب: الترتيب صعب خاصة و أنه كما قلت لك أن الجزائر تفتقد لسياسة ثقافية. الآن إذا أردنا المقارنة مع دول أخرى مغاربية أو عربية أو إفريقية فيما يخص حرية و نوعية الفعل الثقافي و قوة إستقطابه للجماهير، يمكن أن أقول لك أن الجزائر بعيدة جدا على تونس التي أقيم فيها منذ ثلاث سنوات أو على دولتي البنين أو مالي اللاتي أعرفهما جيدا. الجزائر تقترب في فقر ساحتها الثقافية الذي تطغى عليها صفة الرسمية من الساحة الثقافية السودانية أو الساحة الثقافية لدولة زيمبابوي التي يحكمها الديكتاتور روبرت موقابي. الفرق الوحيد مع هذه الدول هو أن الجزائر لها أكبر ميزانية ثقافة في إفريقيا و المنطقة العربية بمعدل ٣٠٠ مليون دولار سنويا، أي حوالي ثلث ميزانية دولة كدولة مالي مثلا.
بوابة إفريقيا الإخبارية: ما الذي يجب ان تعمله الوزيرة الحالية لإنعاش القطاع؟
د. عمار كساب: بإختصار شديد، يجب عليها عدم مواصلة إستراتيجية الوزيرة السابقة، تحرير القطاع الثقافي المستقل و رسم سياسة ثقافية واضحة. المهة لن تكون سهلة !
بوابة إفريقيا الإخبارية: ما هي اهم تطلعاتك كمهتم بالشأن الثقافي في الجزائر؟
د. عمار كساب: أؤمن أن الثقافة لن تقوم لها قائمة في الجزائر إلا إذا رفعت الدولة يدها عن القطاع واقصرت على الدور المخول لها بقوة القانون، وهو تنظيم القطاع الثقافي و الكف عن لعب دور المنشط. أحلم بساحة ثقافية تعج بالجمعيات الثقافية التي تنظم الملتقيات الفكرية و الشعرية و المهرجانات الموسيقية و المسرحية و المعارض التشكيلية بعيدا عن أي وصاية أو رعاية رسمية. أتطلع إلى غد مشرق تسطع في سماءه شمس ثقافتنا و تمطر "إبداعا" يصفي القلوب للنهوض ببلدنا الغالي.
عمار كساب في سطور:
من مواليد سنة ١٩٦٩ بالجزائر العاصمة، خريج جامعة الجزائر و السربون و متحصل على شهادة الدكتوراه في علوم التسيير من المدرسة العليا للتجارة بمونتريال (كندا). يعمل كخبير في السياسات الثقافية لعدة هيئات دولية و إقليمية كاليونسكو و المرصد الإفريقي للسياسات الثقافية. ناشط في المجال الثقافي في الجزائر و إفريقيا و المنطقة العربية. عضو في الجمعية العمومية لمؤسَّسة المورد الثقافي والجمعية الدولية للإدارة العامة، وعضو مؤسَّس لمجموعة العمل حول السياسة الثقافية بالجزائر. تحصل في٢٠٠٩ على جائزة "الثقافة و التنمية بإفريقيا". له عدة دراسات و بحوث في ميادين السياسات الثقافية، التسيير الثقافي و الثقافة و التنمية. صدرت له مؤخرا "دراسة مقارنة حول السياسات الثقافية في الجزائر و تونس و المغرب و مصر" و "التشريع و التنظيم الثقافي في الجزائر" عن دار مؤسسة المورد بالقاهرة.