سبع سنوات من النزاع المسلح في ليبيا تركت الليبيين نهبًا لمعاناة دونما سبيل لمواجهتها، فقد أصبحت حياة الليبيين اليومية شاقة، في ظل الأزمة التي تعيشها البلاد منذ سنوات والتي أثرت بشكل كبير على الخدمات وخاصة الصحية التي تعاني تدنيا كبيرا بسبب الصراعات والانقسامات بين الفرقاء الليبيين. 

ويشكل توفير الرعاية الصحية اللازمة للمواطنين أكبر التحديات التي تعترض السلطات الليبية، وقد زادت الاضطرابات الأمنية التي تشهدها البلاد الوضع سوءا، حيث تشهد مستشفيات عديدة في ليبيا نقصا حادا في الأدوية والمستلزمات الطبية والكوادر العاملة، ولم يعد أكثرها قادرا على تقديم خدماته للمرضى.

نقص الخدمات

وتدفع اللجنة الدولية للصليب الأحمر بكميات من الأدوية والمواد اللازمة لمواجهة بعض ما تعانيه المستشفيات في ليبيا من نقص في الإمدادات الطبية، مع زيادة في أعداد المرضى والجرحى،ومن بين الأمراض المتعددة التي تنتشر في ليبيا، تظل أمراض الأورام تلقي بثقلها على كاهل المواطن الليبي.

وكشف مصدر طبي بمركز مصراتة لعلاج الأورام أن توافد المرضى على المؤسسة دفعهم إلى قبول التبرعات من المواطنين والجمعيات الخيرية، مشيراً إلى أن العلاج الكيماوي ناقص في المركز.ونقلت صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية،عن المصدر الذي رفض ذكر اسمه لأنه غير مخول له الحديث للإعلام،قوله إن ثمن الجرعة الواحدة للمريض يتراوح ما بين 3 آلاف و4 آلاف دينار، لافتاً إلى أن العلاج يكون بمعدل مرة أو مرتين في الشهر.

بدورها، قالت قالت وزيرة الصحة السابقة فاطمة الحمروش في حديثها لـ"الشرق الأوسط"، إن "العلاج المقدم لليبيين محدود في الداخل، ومتوفر في الخارج لأسباب، أبرزها الاستنفاع الشخصي للسماسرة، الذين ليسوا فقط متعاقدين مع المستشفيات للعلاج، بل من بينهم (المتعالجون) أنفسهم".وبينت الحمروش أن عدداً من الليبيين يستخدمون حجة العلاج للاسترزاق وذلك بتسلم الأموال المخصصة لعلاجهم من الدول التي يتم إيفادهم إليها باتفاق مع المسؤولين عن تسليم هذه الأموال للمصحات العلاجية وذلك بنسبة متفق عليها بين جميع الأطراف.

وأكدت الوزيرة السابقة أن انعدام المحاسبة الفاعلة والرادعة وانتشار الجريمة والسلاح يعيق الإصلاح والتغيير ويوفر بيئة خصبة للمزيد من الاحتيال والاستغلال ومزيداً من البؤس والشقاء والتردّي بين العامة وما لجوء مركز الأورام للتبرعات إلا نتيجة متوقعة لما ذكرت.

ودفع نقص الأدوية وتراجع الخدامات الصحية بشكل عام فائز السراج، رئيس المجلس الرئاسي، للتعبير هو الآخر عن استيائه من جودة الخدمات الصحية المقدمة، وعدم توفير الأدوية، وذلك خلال اجتماع سابق ضم جميع المسؤولين عن القطاع الصحي في غرب البلاد، وطالب بتشكيل لجنة مركزية، تتولى مراجعة جميع محاضر العطاءات الخاصة بتوريد الدواء لأمراض الكلى والأورام والتطعيمات.

ولا يتوقف قصور أداء المؤسسات الصحية على نقص الأدوية فحسب،حيث تعاني أيضا من نقص في الكوادر الطبية الأجنبية،التي بدأت في مغادرة المستشفيات مع بروز الانقسام السياسي في ليبيا عام 2014، وما تبعه من أزمات أمنية واقتصادية، فلم تعد هذه الكوادر قادرة على الحصول على مرتباتها أو تحويلها إلى الخارج بعد توقف الحوالات المصرفية، ما اضطرها إلى المغادرة.

وذكرت منظمة الصحة العالمية أن الوضع الصحي في ليبيا، التي تعاني من نزاعات مسلحة، قد أصبح حرجا للغاية، وذلك نتيجة نقص الإمدادات الطبية والتمويل المالي على مستوى كافة الجهات المسؤولة في البلاد.وتفيد المنظمة بأنّ أربعة مستشفيات فقط من بين نحو 95 مستشفى تعمل، وبقدرة تراوح بين 75 في المائة و85 في المائة. وفي المسح نفسه الذي أعدّته المنظمة، تبيّن أنّ 45 في المائة من المستشفيات جرى إغلاقها، بينما تعمل 40 في المائة بنصف طاقتها. وأشارت المنظمة إلى أنّ الحرب والفوضى الأمنية تُعدّان سبباً مباشراً في الأزمة الصحية.

اعتداءات

ولم تسلم المستشفيات من الاعتداءات، كغيرها من مؤسسات الدولة، سواء على مبانيها أم العاملين بها وخاصة في الجنوب الذي يعاني صراعات متكررة،وفي 11 أكتوبر الجاري،كشف مدير إدارة المشروعات بوزارة الصحة بحكومة الوفاق محمد العزومي، أمس الخميس عن انعدام الخدمات الصحية في المرافق الصحية بمدينة الكفرة. 

وأوضح العزومي خلال زيارة قام بها رفقة وفد من الوزارة إلى الكفرة بأن " 90% من مباني المرافق الصحية تضررت جراء الحروب التي شهدتها المدينة على مدى السنوات الماضية".وأكد العزومي على " عجز المرافق عن تقديم خدمات صحية هامة كالنساء والولادة والكلى والأسنان والطوارئ والإسعاف نظراً لـتهالك  المباني وحاجة بعض الأقسام فيها إلى عمليات صيانة جذرية و شاملة إلى جانب نقص التجهيزات والأمصال والمعدات والأدوية.

وأضاف بأن " الزيارة جاءت للوقوف على حجم الأضرار التي لحقت بالمرافق الصحية وحصر الإحتياجات من تجهيزات ومعدات  تمهيداً للبدء في أعمال صيانة عاجلة ستنفذ قبل نهاية العام الحالي ،وأعمال صيانة أخرى شاملة ستنفذ خلال العام القادم

وفي مايو الماضي، قالت مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة فى تقرير مشترك مع بعثة الأمم المتحدة للدعم فى ليبيا صدر فى جنيف، إن العنف فى ليبيا لا يزال يؤثر تأثيرا مدمرا على الرعاية الصحية فى البلاد حيث تتعرض المستشفيات والمرافق الطبية الأخرى إلى التفجير والقصف والنهب.وكما يتم استهداف العاملين فى المجال الطبى أو الاعتداء عليهم أو حتى أخذهم كرهائن أو احتجازهم تعسفيا ،أشار التقرير إلى انه فى بعض الأحيان يتم حرمان المرضى من الرعاية العاجلة لإنقاذ حياتهم أو الاعتداء عليهم أثناء تلقيهم العلاج.

وقال التقرير إنه فى الفترة بين 1 مايو 2017 و1 مايو 2018 سجلت الأمم المتحدة 36 اعتداء على المرافق الطبية أو العاملين فى المجال الطبى أو المرضى ونوه التقرير إلى أنه من المرجح أن يكون العدد الفعلى أعلى من ذلك بكثير.وذكر التقرير أن المجموعات المسلحة بما فيها تلك التى اندمجت رسميا فى الوزارات قامت بالاعتداء على العاملين فى الرعاية الصحية وتهديدهم وحتى حرمانهم من حريتهم بصورة غير قانونية.

تحركات حكومية

وفي ظل الوضع الصعب لقطاع الصحة،تتواصل المساعي لتحسين هذا القطاع الحساس والذى يمس المواطن بصفة كبيرة.وأكد وكيل وزارة الصحة بحكومة الوفاق محمد هيثم،عقب زيارة أجراها لمستشفى طرابلس المركزي، أن الوزارة تقوم بمساعي ٍ لاستعادة تشغيل أقسام الحوادث بالمستشفيات العامة بكامل قدرتها الاستيعابية. 

وتعتبر هذه الزيارة الثانية التي يجريها وكيل الوزارة لمستشفى طرابلس المركزي منذ إعلانه عن " تنفيذ خطة دعم عاجلة " للمستشفيات والمراكز التخصصية العامة من خلال تزويدها بالمستلزمات والأجهزة اللازمة وافتتاح أقسام جديدة داخلها وهدفت الزيارة إلى الإطلاع على سير عمل الأقسام والوقوف على احتياجات المستشفى.بحسب المكتب الإعلامي لوزارة الصحة.

والثلاثاء الماضي،تعهدت صحة الوفاق بتوفير احتياجات مستشفى بني وليد والمراكز الصحية بالمدينة،وجاء ذلك خلال إجتماع عقده وزير الصحة المكلف بحكومة الوفاق الوطني محمد هيثم بمقر مستشفى بني وليد مع رئيس المجلس المحلي بني وليد علي النقراط ومدير مستشفي بني وليد العام ومدير ادارة الخدمات الصحية بالمدينة وعدد من مديري الادارات و الاقسام في الوزارة و المستشفي. 

وتم خلال الاجتماع الاتفاق على  جلب عدد من الأجهزة لمستشفى بني وليد العام واستكمال بناء مستشفى النساء والولادة بالمدينة وتذليل الصعاب امام الحالات المرضية الحرجة من خلال اللجنة الطبية وتوفير بعض الاحتياجات الضرورية بالمراكز الصحية بالمدينة،كما تم افتتاح الصيدلية المركزية التي تهدف لتوفير بعض الأدوية مجانا.

ومطلع أكتوبر الجاري،أشار رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فائز السراج،في كلمته أمام المؤتمر السنوي للمركز الوطني لتطوير النظام الصحي،إلى التحديات الحالية والمستقبلية التي يواجهها النظام الصحي، والتي وصفها بأنها تحديات معقدة، مؤكداً ثقته في كفاءة الخبرات الليبية، وقال "نحن على ثقة بإننا وبجهد جماعي قادرون على تطوير النظام الصحي وضمان جودة مخرجاته.

وأوضح السراج، بأن وضع الخطط هو مرحلة هامة، لكن لا معنى لها، إذا لم يتبعها التنفيذ، الذي له متطلبات من بينها التمويل، والعمل جماعي إضافة للوقت الذي يستغرقه إعادة تأهيل المؤسسات الصحية، وقبل ذلك وبعده أن يستتب الأمن.واستعرض السراج بعض تلك الخطوات الي قال إن من بينها "العمل على تطوير وتحسين الخدمات، ورفع كفاءة الأداء، وبحث إمكانية توطين العلاج بالداخل، من خلال قدوم فرق طبية متخصصة لإجراء عمليات وتدريب الطواقم الطبية، وإنشاء صندوق التأمين الصحي الذي أعلن خلال المؤتمر عن إشهار خدمة صحتي التابعة له، إضافة لاعتماد برنامج التأمين الصحي للمعلمين".

وتناول في كلمته العلاقة بين القطاعين العام والخاص في المجال الصحي، التي تم معالجتها وتنظيمها، وأشار إلى أن "الخطة العلاجية التي اعتمدت في شهر يوليو الماضي أوضحت جوانب من علاقة التعاون بين القطاعين".وتنص الخطة على التزام وزارة الصحة بتوفير الخدمات الطبية غير المتوفرة بالمستشفيات والمرافق الصحية العامة من خلال شراء الخدمات الطبية من القطاع الخاص بالداخل او المؤسسات العلاجية بالخارج.

ومع تزايد المترددين على الخارج للعلاج على نفقة الدولة، اعتمد السراج نهاية يوليو (تموز) الماضي خطة علاجية، تشمل الإجراءات الخاصة بالعلاج في الداخل والخارج. وأوضح المكتب الإعلامي لرئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق أن "السراج أصدر تعليماته بالشروع الفوري في تنفيذ الخطة العلاجية، التي تشمل علاج جميع الليبيين بمختلف أنحاء ليبيا، وضمان الشفافية في الإنفاق، وفقاً للتشريعات النافذة".

ويشتكي الليبيون منذ سنوات من ضعف الخدمات الصحية في بلادهم ما يجعلهم يسافرون إلى الدول المجاورة لتلقي العلاج والرعاية الصحية التي يستحقونها وهو ما يرفع تكاليف التغطية الصحية ويعرض حياة وسلامة الكثيرين للخطر خاصة بالنسبة للحالات الصحية المستعجلة والإصابات بسبب الظروف الأمنية المتردية.