منذ سقوط نظامه خريف العام 2011، يغادر رفاق القذافي الذين شاركوا في حركته السياسية التي أطاحت بالنظام الملكي في العام 1969 واحداً تلو الاخر، بعضهم في المنفى وأكثرهم في السجون. أخر المغادرين، اللواء مصطفى الخروبي، فقد أُعلن عن وفاته أمس الخميس إثر تدهور حالته الصحية بعد اصابته بمرض عضال غير أن جهات حقوقية تشكك في رواية الوفاة وتصفها بــ"الغامضة"، وكان رهن الإعتقال بسجن الكلية العسكرية بالعاصمة بطرابلس الذي تسيطر عليه مجموعة متشددة، وفق ما نقلت مصادر متطابقة.

 رافق الخروبي معمر القذافي منذ سبتمبر 1969 تاريخ وصوله الى السلطة وحتى سقوط نظامه وكان من القلة القليلة من رفاقه الذين بقوا معه حتى أخر الطريق، لا يشاركه في ذلك سواء الفريق أبو بكر جابر يونس الذي قضى خلال قصف لحلف الناتو والخويلدي الحميدي الذي مازال يعيش في المنفى. ولد مصطفى الخروبي في مدينة الزاوية غرب ليبيا وبها قضى ردحاً من طفولته ودرس المراحل الابتدائية، لينتسب لاحقاً للكلية العسكرية ويتخرج ضابطاً في سلاح الإشارة في العام 1965.

إنتمى الخروبي مبكراً لخلايا العمل السري التابعة لحركة القوميين العرب ثم لخلايا الحركة الوطنية السرية التي أنشأها الضابط في الجيش الليبي يومذاك، معمر القذافي، والتي كانت تنادي بتحرير ليبيا من الوجود العسكري الأجنبي وإلغاء النظام الملكي متأثرةً بالزخم القومي والثوري في العالم العربي وخاصة بالثورتين المصرية والجزائرية. ثم تطور عمله ليكون من المجموعة الضيقة من الحركة والتي سيؤكل إليها تنفيذ حركة التغير الجذري ليلة الأول من سبتمبر 1969 والتي اختلفت التقييمات السياسية حولها فيما بعد بين من يسميها ثورة ومن يسميها انقلاباً عسكرياً.

تقلد الخروبي خلال أربعين عاماً من وجوده في هرم النظام العديد من المناصب السياسية والأمنية والعسكرية. عضواً لمجلس قيادة الثورة ثم مديراً للاستخبارات الليبية فرئيساً لأركان القوات المسلحة ثم مفتشاً عاماً للقوات المسلحة وفي السنوات الأخيرة كان ضمن الدائرة المقربة من القذافي، اذ نراه مشاركاً دائماً في إستقبال الوفود رفيعة المستوى ومرافقاً له في رحلاته الخارجية دون أن يظهر كثيرا في الاعلام كمسؤول رسمي. بعد اندلاع الازمة الليبية في 17 فبراير 2011 كان الخروبي من بين الذين وقفوا إلى جانب القذافي حتى أخر الطريق إلى حدود أواخر شهر أغسطس 2011 تاريخ إعتقاله من طرف مسلحين في العاصمة طرابلس ونقله إلى بنغازي للتحقيق معه، وفي هذا السياق تشير تقارير حقوقية إلى أن الخروبي ورفاقه تعضوا الى التعذيب وسوء المعاملة.

وفاة الخروبي أعادت إلى الواجهة الملف الحقوقي الدامي في ليبيا ما بعد 17 فبراير وما يتعرض له قيادات وأنصار النظام السابق من تعذيب في سجون "الثورة". فاللجنة الليبية لحقوق الانسان قالت:" إن الخروبي توفي في ظروف غامضة بسجن الكلية العسكرية بطرابلس الوقع تحت سيطرة مجموعة مسلحة تنتمي لجماعة دينية متشددة." وطالبت اللجنة في بيان لها " قسم حقوق الإنسان وسيادة القانون ببعثة الأمم المتحدة لدعم بليبيا والوكالة الدولية لحقوق الإنسان هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية ومكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، بفتح تحقيق شامل حيال وفاة المعتقل مصطفي الخروبي."

وأرجعت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا مسؤولية وفاة المعتقل “مصطفي الخروبي” فضلا عن العديد من حالات الوفاء للمعتقلين، نتيجة التعذيب وسوء الأوضاع الصحية للمعتقلين، والسجناء بسجون المجموعات المسلحة بليبيا الغير خاضعة لسلطة القضاء الليبي وسلطات الرسمية، لوزارة العدل وحقوق الإنسان بالحكومة الليبية المؤقتة ولمكتب النائب العام .وحملت اللجنة المسؤولية القانونية الكاملة لأمراء السجون لخاضعة لسيطرتهم، كما جددت مطالبتها لمكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة ومكتب المدعي العامة لمحكمة الجنائية الدولية وبعثة الصليب الأحمر الدولي بليبيا، بضرورة تشكيل فريق تقصى حقائق للاطلاع علي أوضاع السجناء الصحية والإنسانية والقانونية، وظروف اعتقالهم بسجون الخاضعة لسيطرة المجموعات المسلحة .

وكانت السلطات المحلية في مدينة مصراتة (200 كلم) شرق العاصمة طرابلس، قد أطلقت الأسبوع الماضي، سراح 50 محكوما من أنصار نظام القذافي، بعد إنهاء مدة سجنهم.وأصدر المجلس البلدي قبل أسبوعين، قراراً يقضي بتشكيل لجنة موسعة، لحصر السجناء أنصار نظام القذافي داخل المدينة، وإطلاق سراح من أنهوا مدة إيقافهم أو محكوميتهم على حد سواء.ويقبع في 4 سجون في مصراته أكثر من 2000 سجيناً سياسياً وسجلت داخل بعض هذه السجون ، حالات تعذيب وانتهاك لحقوق المحتجزين، وصلت إلى حد الوفاة بحق نزلاء، بحسب ما وثقت تقارير منظمات دولية معنية بحقوق الانسان. فقد إستخدم أفراد الميليشيات كل أساليب التعذيب بحق السجناء، كالضرب بالسياط والحرق بالبنزين والصعق بالكهرباء وتكسير العظام والحرمان من النوم بل والاغتصاب في بعض الأحيان. الأمر الذي أدي لوفاة العشرات منهم في سجون مصراته وطرابلس وبنغازي وزليتن لتتحول مقار بعض الميليشيات أكثر وحشية من معتقلات النازية على حد وصف منظمة "ضحايا" الحقوقية الليبية.