في وقت اعتقدت الدول المغاربية والإفريقية والعالمية أيضا أن التنظيمات الإرهابية دُحرت وتصدّع ترابطها برزت أرقام ومؤشرات تفيد بعودة تحرك خلايا الإرهاب ونشاطها خاصة في المغرب العربي مستمدة قوتها من قواعدها وخلاياها النشطة. ومستغلة الأوضاع العامة في منطقة الساحل والصحراء وشمال إفريقيا بسبب عدم الاستقرار الذي يميز عديد الدول أولا وتداعيات الجائحة العالمية ثانيا وتهيكل بعض التنظيمات مجدّدا ثالثا.
تلقّت التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم داعش في المنطقة المغاربية صفعة قوية أدّت إلى تراجع نفوذه في المنطقة حتى 2018، لكن التحركات والتهديدات المتواصلة آواخر العام الماضي وبداية العام الحالي كشفت عودة خلاياه خاصة عقب احباط عديد المخطّطات المتزامنة في تونس والجزائر ورصد تحركات حثيثة لهذا العناصر بالجنوب الليبي.
عادت الخلايا النائمة بالبلدان المغاربية لنشاطاتها، ورغم كونها متفرقة ونجح الأمن في احباط معظمها وكشفها مبكرا إلا أنها متتالية ومتعاقبة، مستفيدة بذلك من توغلها الناجح في مناطق الساحل الإفريقي والصحراء ووسط إفريقيا، بفعل غياب الاستقرار الداخلي في عديد المناطق وسهولة تنقل هذه الجماعات داخلها ما جعل منهم داعما رئيسيا وجديدا لخلاياها الأساسية المتمركزة في شمال افريقيا.
يعتبر داعش والقاعدة من أبرز التنظيمات الإرهابية المتواجدة بشمال إفريقيا والمتمركزة فيه بحكم وجود قيادات هامة للتنظيمين بالمنطقة ويشهد تنظيم الدولة الإسلامية داعش تناميا وبسطا للنفوذ خاصة مع بروز خلاياه النائمة ونشاطها في دول المغرب العربي. ففي الأسبوع الماضي بتونس تم كشف خليتين إرهابيتين تابعتين لتنظيم داعش أحدهما متكون من 6 عناصر والآخر من عنصرين واحباط عملية إرهابية كانت تخطط لها امرأة قادمة من سوريا، حيث تلقت تدريبات، لاستهداف مناطق سياحية فى البلاد.كما نجحت الوحدات الأمنية التونسية آواخر العام الماضي من تفكيك خلية إرهابية تابعة لداعش بولاية تطاوين بالجنوب التونسي كانت تخطط لعمليات إرهابية خطيرة تستهدف أمنيين وعسكريين.
من جانب آخر وخلال هذا الأسبوع أعلنت سلطات الأمن المغربي القبض على عنصرين للاشتباه في ارتباطهما بخلية إرهابية موالية لتنظيم "داعش" الإرهابي. وكانت المغرب قد أحبطت آواخر العام الماضي مخططا إرهابيا وألقت القبض على 25 عنصرا إرهابيا  ينتمون أيضا لداعش ويخططون لعمليات إرهابية في مناطق مختلفة من البلاد.
من جهة أخرى فاجأت الإحصائيات الهامة التي أعلنت عنها الجزائر حول حصيلة محاربة الإرهاب خلال العام الماضي المنطقة المغاربية ومراقبي شؤونها المحليين والإقلميين والدوليين خاصة ورغم إيجابية الإحصائية في كون القوات الأمنية والعسكرية قد أطاحت بعدد هام من الإرهابين وأحبطت الكثير من عملياتهم إلا أنها كشفت من جانب آخر حجم التهديدات الممكنة من قبل هذه التنظيمات المتطرفة.
وفي هذا السياق أعلنت وزارة الدفاع الجزائرية القضاء على9 إرهابيين، والقبض على 14 آخرين، فضلا عن ضبط 222 عنصرا دعما للجماعات الإرهابية، وكميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة . وأضافت الوزارة  أنه تم أيضا تفكيك خلية إرهابية تنشط لصالح تنظيم "رشاد" الإرهابي بوهران (شمال غربي الجزائر)،  وهي خامس تنظيم إرهابي بعد "الجبهة الإرهابية للإنقاذ" وتنظيمي "القاعدة" و"داعش" على قائمة الإرهاب في الجزائر، كما تم تفكيك خلية إرهابية تتكون من عدد من المنتمين لحركة "الماك" الإرهابية، متورطين في التخطيط لتنفيذ تفجيرات وأعمال إجرامية وسط مسيرات وتجمعات شعبية بعدة مناطق من الأراضي الجزائرية .
ووفقا لبيان وزارة الدفاع الجزائرية فقد تم خلال العام الماضي أيضا كشف وتدمير 52 مخبأ للعناصر الإرهابية، وورشة لإعداد الأسلحة والمتفجرات واسترجاع كميات هائلة من الأسلحة من بينها منظومة صواريخ مضادة للطائرات ومدفع هاون، و37 مدفع كلاشنكوف و5 هياكل صواريخ هاون، وغيرها من المعدات.
أما الجنوب الليبي فقد أصبح يمثل تهديدا حقيقيا لامتداد أخطر التنظيمات من الساحل الإفريقي، حسب ما يراه الخبراء والمحللون الذين يؤكدون أن هشاشة الإنتقال السياسي وضعف الوضع الأمني عامة إضافة إلى تمركز خلايا التنظيمات الإرهابية بقوة داخل البلاد خاصة منها تنظيم الدولة داعش وبروز" عصابات متطرفة" هدفها الأساسي تجارة السلاح والبشر والمخدرات وتمويل التنظيمات الإرهابية بالسلاح. وهو ما كشفته تقارير صحافية دولية موثقة حول تهريب السلاح من ليبيا إلى نيجيريا عن طريق التشاد تؤمنه هذه العصابات لصالح أخطر تنظيم بالبلاد وهو "بوكو حرام"، منها الأسلحة والمعدات الثقيلة.
وتوضح التقارير ذاتها أن السلاح الليبي يدعم نشاطات تنظيم "القاعدة" في المنطقة المغاربية  وحركات التمرد في شمال مالي، واستخدم في الهجوم على آميناس في الجنوب الشرقي الجزائري، والهجمات الإرهابية التي تشهدها تونس من حين إلى آخر، وكل هذا يشير إلى خطورة الوضع بليبيا والبلدان المغاربية المجاورة في ظل غياب رؤية أمنية موحّدة تؤمن الحدود الخارج عن السيطرة والتي تنذر بعودة قوية للتنظيمات الإرهابية للمنطقة المغاربية من خلال هذه الثغرة.
مثل هجوم القطرون الذي شنته داعش على الجنوب الليبي ناقوس الخطر الأقوى من عودة التنظيم بقوة إلى ليبيا وبالتالي امتداده إلى دول الجوار المغاربية في عملية "إيقاظ شاملة" للخلايا النائمة و المختبئة التي يحاربها ويكشفها الأمن المغاربي بين الحين والآخر. فلئن مثلت الدول المغاربية أوكارا لقادة الأنظمة الإرهابية خاصة داعش والقاعدة فإن مناطق الصحراء والساحل الإفريقي تمثل موطن فلول هذه التنظيمات التي تتحرك علنا في ظل عدم الاستقرار وغياب الأمن في المنطقة بحثا عن موطئ قدم جديد في ليبيا وفق مايؤكده الخبراء والمراقبون.
بحسب التقارير والإحصائيات عاد النشاط المتزايد للذئاب المنفردة في دول المغرب العربي عامة والتهديدات الإرهابية على الحدود الجزائرية والليبية خاصة ما أثار مخاوف كثيرة من محاول "جادة" و"مدعومة" لعودة التنظيمات الإرهابية لتنظيم نفسها في المنطقة إنطلاقا من الصحراء والساحل الإفريقي المدجج بالجماعات المتطرفة التي أعلن الكثير منها ولاءه لداعش، التنظيم الذي يعتبر أكثر شعبية في المنطقة بعد دحر القاعدة التي لا تقل أهمية وعديد التنظيمات المنفردة الأخرى.
وحذر مراقبون على ضوء ذلك من أن تنظيم "داعش" يهيئ الأرض لعودة قوية إلى ليبيا وجذب مقاتلين من منطقة الساحل والصحراء تابعين  لتنظيم "الدولة الإسلامية-ولاية غرب أفريقيا" الذي بات يفرض سيطرته على جزء كبير من المنطقة منذ مقتل زعيم بوكو حرام أبو بكر الشكوي أثناء مواجهات بين هذين التنظيمين المتخاصمين. وأنشئ تنظيم "الدولة الإسلامية-ولاية غرب أفريقيا" الموالي لتنظيم داعش عام 2016 إثر انشقاق مقاتلين عن جماعة بوكو حرام. وقد أكد  الناطق الرسمي باسم القيادة العامة للجيش الليبي اللواء أحمد المسماري هذه التحذيرات مفيدا عن أن "العمليات الإرهابية الأخيرة في الجنوب اليبي، تُعد بمثابة ترتيب دولي لعودة تنظيم الدولة الإسلامية داعش إلى ليبيا".
إن المنطقة المغاربية تتربع فعلا على فوهة بركان للتنظيمات الإرهابية التي ما تنفك تنفجر وتحرك خلاياها في محاولات متتالية لبسط هيمنتها على المنطقة الإستراتيجية التي تربط إفريقيا بأوروبا وتمتلك ثروات نفطية هامة، سعت التنظيمات خلال العقد المظلم في ليبيا للسيطرة على حقول النفط، إضافة إلى كميات هائلة من السلاح والذخيرة ما يساعدها على التنظم والتحرك من جديد في مجال أرحب وأوفر إمكانيات من مناطق نشأتها الأصلية.