اشتد الخناق الدولي حول المسلحين الأجانب في ليبيا، وبدأت ساعة الأمم المتحدة تدق بسرعة في عدها العكسي وصولاً إلى لحظة البدء الرسمي في إجلاء القوات الأجنبية والمرتزقة.

وجاء رد السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد منسجماً مع موقف مجلس الأمن واصرار الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية على ضرورة التسريع بإنهاء الوجود العسكري الخارجي في الأراضي الليبية سواء عبر قوات نظامية أو من خلال جحافل المرتزقة.

ودعت غرينفيلد أمام مجلس الأمن يوم الجمعة جميع الأطراف الخارجية المشاركة في النزاع الليبي إلى وقف تدخلها العسكري والبدء في الانسحاب الفوري، وأكدت على أن استمرار بقاء المقاتلين والمرتزقة الأجانب في ليبيا أمر مرفوض، داعية تلك القوات الأجنبية إلى الرحيل من ليبيا فورًا.

وأكدت مصادر مطلعة بالعاصمة طرابلس أن الزيارة التي أداها المبعوث الأممي يان كوبيش الى أنقرة   السبت، تصب في اتجاه العمل على تنفيذ القرار الأممي والدولي بإجلاء القوات الأجنبية والمرتزقة دون استثناء عن ليبيا وإقناع المسؤولين الأتراك بالتفاعل الإيجابي معه وهو ما سبق أن أكدت عليه وزيرة الخارجية بحكومة الوحدة الوطنية نجلاء المنقوش وتعرضت بسببه الى حملة من قوى الإسلام السياسي التي تحاول عرقلة إخراج القوات التركية باعتبارها دخلت البلاد تحت غطاء اتفاق سياسي بين رئيس المجلس الرئاسي السابق فائز السراج والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في نوفمبر 2019.

وكان كوبيتش قد أكد في إحاطته لمجلس الأمن أن استمرار استخدام آلاف المرتزقة والمقاتلين الأجانب والمجموعات المسلحة وتواجدهم وأنشطتهم يشكل تهديداً كبيراً ليس لأمن ليبيا فحسب، بل للمنطقة ككل. وما الأحداث المقلقة الأخيرة في تشاد إلا تذكرة جديدة بالطبيعة والروابط المتشابكة بين الوضع الأمني في ليبيا وأمن واستقرار المنطقة.

وقال «إن ارتفاع معدل التحركات للمجموعات المسلحة والإرهابيين وكذلك المهاجرين لأسباب اقتصادية وللحصول على ملجأ، غالباً عبر قنوات تديرها شبكات الجريمة المنظمة وأطراف محلية أخرى عبر الحدود غير الخاضعة للرقابة، لا تعزز سوى مخاطر زيادة انعدام الاستقرار والأمن في ليبيا والمنطقة. لذا من الأهمية بمكان ضمان عملية خروج منظم للمقاتلين الأجانب والمرتزقة والمجموعات المسلحة واقتران ذلك بنزع سلاحهم وتسريحهم وإعادة إدماجهم في بلدانهم الأصلية»، معتبرا أنه «يجب أن يكون سحب المقاتلين الأجانب والمجموعات المسلحة القادمة من المنطقة مصحوباً بجهود مضاعفة في جميع أنحاء ليبيا والمنطقة على نطاق أوسع لمعالجة الأسباب الجذرية لانعدام الاستقرار، ولا سيما من خلال المصالحة الشاملة وبناء السلام وبرامج التنمية مع التركيز على الشباب وعلى تمكين المرأة. كما أن وضع تدابير وبرامج منسقة ومتكاملة يدعمها ويشترك في تمويلها المجتمع الدولي مقرونة بإجراءات محلية ودولية حازمة ضد العصابات الإجرامية لتجار البشر والمخدرات والأسلحة والتعاون في وضع تدابير لتعزيز السيطرة في المناطق الحدودية، بما في ذلك المراقبة المتكاملة للحدود وإدارتها، يجب أن يكون جزءاً من الحل إذا ما أريد له أن يكون دائماً ومستداماً» وفق قوله.

وفيما حذر كوبيتش من أن التقدم بشأن القضية الرئيسية المتمثلة في سحب المرتزقة والمقاتلين الأجانب من ليبيا قد توقف وأن استمرار وجودهم يشكل تهديدًا ليس فقط لليبيا ولكن على المنطقة الإفريقية بأسرها، يرى المراقبون أن المجتمع الدولي يدرك جيدا أن الحل السياسي لن يتحقق والانتخابات لن تنتظم في موعدها المقرر وتوحيد المؤسسة العسكرية لن ينجز في ظل وجود مسلحين أجانب، وهو ما تصر عليه جميع الأطراف، ما عدا قوى الإسلام السياسي وحلفاؤها من أمراء الحرب ممن يدفعون نحو استثناء الوجود التركي.

ويشير المراقبون الى أن أطرافا مهيمنة على العاصمة تحاول الاستقواء بالمسلحين الأجانب خلال المرحلة القادمة، وتضغط بقوة على حكومة الوطنية من أجل رفض إجلاء قوات تركيا الموجودة في القاعدتين الجوية والعسكرية وغرفة العمليات التي تسيطر عليها بغرب البلاد، لكن الحكومة والمجلس الرئاسي يدركان جيدا أن القرار الأممي واضح والتوافق الدولي حاصل حول إجلاء كافة المسلحين الأجانب من البلاد

ووفق مصادر مطلعة، فإن قرار الحسم الدولي سيصدر عن مؤتمر برلين 2 المقرر عقده في 26 يونيو القادم، والذي ستصدر عنه قرارات ملزمة بخصوص مختلف الملفات المطروحة على الساحة الليبية، ومنها ملف القوات الأجنبية والمرتزقة، والانتخابات، وتنفيذ كافة بنود الاتفاق العسكري وتوحيد المؤسسة العسكرية.

وترى المصادر أن الموقف الإفريقي بعد أحداث تشاد الأخيرة بات أكثر حزما في موقفه من ملف القوات الأجنبية والمرتزقة ليقترب من الموقفين العربي والأوروبي وليدعم القرار الأممي، حيث دعا مجلس السلم والأمن الإفريقي في اجتماعه الثلاثاء الماضي بالجزائر إلى تنسيق الدعم لجميع أصحاب المصلحة في ليبيا، منددًا بالتدخلات الأجنبية ، وداعيا إلى خروج المرتزقة من الأراضي الليبية، وهو ما يعني أن الدائرة قد اكتملت لتضييق الخناق نهائيا حول الوجود الأجنبي في الأراضي الليبية.