اعتبر أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بالجامعة التونسية خالد الدبابي أن قرار الرئيس التونسي قيس سعيد حل البرلمان جاء متأخرا حيث كان يفترض اتخاذه منذ 25 يوليو الماضي عندما تم اتخاذ قرارات استثنائية بحل الحكومة وتجميد العمل بالبرلمان، ودعا الدبابي في مقابلة مع صحيفة المرصد الرئيس التونسي لفتح حوار حقيقي مع كافة الأطراف السياسية والمدنية لأنه لا يمكن بناء منظومة جديدة بإرادة شخص بمفردة.

إلى نص الحوار:

كيف تقرأ خطوة حل البرلمان التونسي من الناحية القانونية؟

أرى أن القرار جاء متأخرا بعض الشئ لأنه كان يفترض اتخاذه منذ ليلة 25 يوليو، فرئيس الجمهورية يقول إن الفصل 80 لا يسمح بحل البرلمان في حين أنه تعامل مع هذا الفصل بطريقة موسعة حيث اتخذ العديد من الإجراءات الاستثنائية إثر إعلانه حالة الاستثناء وعلى رأسها تعليق العمل بالدستور وهو ما لا يسمح بها الفصل 80، لذلك أنا أتساءل لماذا تشبث الرئيس قيس سعيد بالتطبيق الحرفي للفصل 80 فيما يخص حل البرلمان وتغاضى عنه بشأن فصول أخرى.

وأعتقد أن قرار حل البرلمان لم يأتي بجديد لأن البرلمان كان تم حله فعليا، فواقعيا لا يوجد فرق بين الحل وتجميد أعمال المجلس فالنتائج المترتبة على تجميد المجلس هي نفسها النتائج المترتبة عن حله والمتمثلة في منعه من ممارسة أعماله وفقدان الحصانة البرلمانية وفقدان الأعضاء لصفة النواب والمنح والامتيازات، وأعتقد أن القرار كان مجرد ردة فعل على الجلسة الافتراضية التي شارك فيها بعض نواب المجلس الذي كان مجمدا، ويمكن القول إن تجميد البرلمان كان عبارة عن توافق للحالة الواقعية مع الحالة القانونية حيث أن تجميد الأعمال كان المخرج الوحيد الذي وجده الرئيس ليوهم أنه لازال يحترم الفصل 80 في حين أنه عمليا يتماهى تماما مع الحل وبذلك فإن حل البرلمان أعطى إطار صحيح ودقيق للحالة التي كان عليها مجلس النواب منذ 25 يوليو 

هل يمكن أن توضح لنا أهم النقاط في الدستور التي تتناول هذه المسألة؟

الدستور التونسي تعرض لفرضية الحل في عدد من الفصول وهما الفصلين 89 و99 واللذان يمكن تلخيصهما في الحالة التي تفشل فيها الحكومة في الحصول على الثقة من قبل مجلس نواب الشعب وأمام هذا الفشل يمكن لرئيس الحمهورية أن يحل مجلس لنواب ويتم الذهاب لانتخابات تشريعية سابقة لأوانها وبذلك فإنه من البديهي أننا لسنا في حالة الفصل 89 أو 99 بل نحن أمام حالة لم يتعرض لها الدستور جملة وتفصيلا وهو ما يبين أن الرئيس لم يستند للدستور في قرار حله لمجلس نواب الشعب وإنما ردة فعل على جلسة بعض النواب الافتراضية.

ما المادة التي استند إليها الرئيس عندما اتخذ قراره بحل البرلمان؟

رئيس الجمهورية وعند إعلانه حل مجلس نواب الشعب كان واضحا بشأن الأساس الدستوري الذي استند إليه في القرار وهو الفصل 72 من الدستور والذي يقول إن رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة الضامن لوحدة الوطن وسلامة ترابه واستمرارية مؤسساته وهو الساهر على احترام الدستور 

وبعد قراءة هذا الفصل يتضح أنه لا علاقة له بحق الحل حيث أن هناك فصول أخرى ضبطت بطريقة تفصيلية ودقيقة عملية حل البرلمان لكن الفصل 72 لا علاقة له بهذه المسألة، كما أن هناك إشكال آخر أن الفصل 72 هو الفصل الأول الذي يستهل به الباب الرابع من الدستور التونسي المتعلق بالسلطة التنفيذية ونحن نعرف أن الأمر 117 المؤرخ في 22 سبتمبر 2021 والذي اتخذه رئيس الجمهورية كان قد علق العمل بالدستور صراحة وقال إن البابين الأول والثاني سيبقيان نافذين من الدستور، ولكن نحن لا نعرف لماذا يتعامل الرئيس بطريقة اعتباطية مع فصول الدستور فهو يقول ما هي الفصول الدستورية التي تم تعليق العمل بها وهو الذي يقول لوحده ما هي الفصول التي لازالت نافذة حيث يتعامل بانتقائية وحسب إرادته وتأويله الخاص ومصلحته السياسية مع الدستور وهذا ضرب لدولة القانون يزيد من غموض المشهد  

البعض يرى أن الوضع الدستوري غير واضح بشكل دقيق لأنه يعتمد على تأويل النصوص وتفسيرها كل حسبما يتماشى مع اتجاهاته.. هل توافق على هذا الرأي؟ 

هذا الأمر بدأ منذ دخول الدستور التونسي حيز النفاذ في 2014 حيث خضع لتأويلات متناقضة حسب الأهواء والمصالح السياسية وما ساعد على ذلك غياب المحكمة الدستورية وعدم تركيزها في الآجال التي أعطاها الدستور والتي تتمثل في عام من تاريخ إجراء أول انتخابات تشريعية أي أنه كان يفترض بموجب الدستور أن تكون هناك محكمة دستورية عام 2015  لكن الأطراف السياسية التي سيطرت على المشهد البرلماني طيلة العهدات النيابية المتعاقبة منذ 2014 حرصت على عدم تركيز المحكمة الدستورية وحرصت على فرض هذا الفراغ المؤسساتي الناتج عن عدم وجود محكمة دستورية حتى تتمكن من تأويل الدستور بطريقة ملتوية تطوع النص الدستوري وفقا للحسابات السياسية ومع قدوم قيس سعيد رئيسا للجمهورية تفاقم الوضع أكثر لأنه خاض صراعا شرسا مع البرلمان وأصبح كل طرف يفسر الدستور بطريقته الخاصة 

ما الموقف القانوني من الجلسة الافتراضية التي عقدها أكثر من 100 نائب في البرلمان؟

الجلسة الافتراضية ليس لها قيمة من الناحية القانونية لأن البرلمان تم تجميد أعماله منذ 25 يوليو وبذلك فإن البرلمان لم يعد له وجود خاصة وأن موازين القوى السياسية في صالح رئيس الجمهورية في ظل غياب المحكمة الدستورية التي كان يمكنها أن تراقب حالة الاستثناء وتطبيقها وشروط التمديد في الحالة الاستثنائية التي أصبحت حالة عادية، وبقطع النظر عن التحفظات على المسار الذي انتهجه رئيس الجمهورية لابد من التذكير أن هذا البرلمان كان سئ وخرق الدستور عديد المرات وفقد مشروعيته الشعبية وكان أحد العوامل التي كبلت مسيرة الدولة وأضر بهيبة الدولة التونسية وعرقل استمرارية المرافق العمومية ولم يكن صورة جيدة للانتقال الديمقراطي التونسي.

برأيك ما الخطوة التالية؟ هل سيتم اللجوء لانتخابات مبكرة أم ماذا؟

حسب رأيي وهو ما عبر عنه الرئيس أيضا، لن يتم إجراء انتخابات تشريعية سابقة لأوانها حيث سيتعامل رئيس الجمهورية بانتقائية مع المخرجات الدستورية، صحيح أنه استند للدستور في حل البرلمان لكن لن يحترم الآجال التي فرضها الدستور إثر حل البرلمان والتي تتضمن القيام بانتخابات تشريعية في فترة تتراوح من 40 إلى 90 يوما، وبما أن هذا الأجل الدستوري يتعارض مع خارطة الطريق التي كان قد أعلن عنها رئيس الجمهورية فلن يتم احترام هذا الموعد ولن يتم إجراء انتخابات تشريعية مبكرة وسيتم عملها في ديسمبر 2022 وفقا للخريطة التي وضعها رئيس الدولة بطريقة أحادية. 

إلى أي مدى يمكن القول أن هناك فراغا تشريعيا في البلاد الآن؟

لا يمكن أن نقول أن هناك فراغا تشريعيا لكن المشكلة تتمثل في المزج والجمع بين السلطات حيث يجمع الرئيس بين السلطة التنفيذية والتشريعية بعد تجميد أعمال السلطة التشريعية ثم حلها، فمنذ الأمر 117 الذي علق العمل بالدستور فإن السلطة التشريعية انتقلت لرئيس الجمهورية الذي يمكن له التشريع واتخاذ نصوص في مجال القانون بمراسيم والمشكلة أن المراسيم غير قابلة للطعن.

إلى أي مدى يمكن القول أن البلاد دخلت في مرحلة خلاف أو صراع بين السلطة الرئاسية والبرلمانية؟

الأمر المثير للقلق أن اللعبة السياسية لم تعد قانونية دستورية حيث أصبح رئيس الجمهورية يتعامل بانتقائية مع الدستور ويختار منه ما يتوافق مع صالحه ويترك ما لا يتماشى معه حيث أصبح التعامل بمنطق القوة السياسية والواقعية على حساب احترام القواعد الدستورية وهذا أمر خطير ويزيد من تعقيد وغموض وتأزم المشهد، وأعتقد أنه يجب على رئيس الجمهورية أن يفهم أن المنظومة القديمة ذهبت لكن لا يمكن التأسيس لمنظومة جديدة بإرادة شخص بمفرده فلابد من فتح حوار حقيقي مع كافة الأطراف السياسية والمدنية والابتعاد عن الآليات التي يطرحها رئيس الجمهورية مثل الاستشارة وغيرها من الآليات التي أثبتت فشلها والتي لم توفر الإطار الحقيقي لقيام حوار ديمقراطي تشاركي لبناء منظومة جديدة