شهد الموسم الرمضاني في ليبيا منافسة شديدة، لتقديم أعمال تقترب من الواقع المعاش، إذ بدأت هذه الدراما تدخل مرحلة جديدة من حيث المضمون والصورة، وغزارة الإنتاج.
وحفل الموسم الرمضاني الليبي هذا العام بمجموعة من الأعمال الدرامية انقسمت بين الكوميدية والاجتماعية والتاريخية، حازت رضا المشاهد الليبي ولو بنسب متفاوتة، لكنّها بشّرت في مجملها لتأسيس جديد للدراما الليبية التي لا يعوزها الابتكار شكلا وموضوعا.
وتنوعت القصص الدرامية ما بين القضايا اليومية، والحرب على تنظيم داعش، والفساد والوضع الاجتماعي، في قوالب درامية مختلفة.
وشجع الاستقرار السياسي الذي تشهده ليبيا مؤخرا المنتجين على دخول السوق بقوة وعودة الإنتاج الدرامي؛ مما ساهم في إنتاج عشرات المسلسلات التي تتناول حياة الليبيين.
من ذلك،استطاع المسلسل الليبي  التونسي المشترك "زنقة الريح"في جزئه الثاني تصدّر نسب المشاهدة في ليبيا وأيضا في تونس، الجنوب خاصة، بفضل حبكته الدرامية التي تمزج بين التاريخي والمتخيّل، في تناول لفترة حكم الإدارة البريطانية لليبيا، إثر هزيمة إيطاليا في الحرب العالمية الثانية.
وتدور أحداث المسلسل في سنة 1945، بالمدينة القديمة بطرابلس، وهي حقبة صعبة اقتصاديا واجتماعيا تعايش فيها الليبيون على اختلاف طوائفهم، مسلمين ويهودا، رغم تمييز البريطانيين للجاليات اليونانية والإيطالية التي كانت تعيش في ليبيا آنذاك على حساب أبناء البلد.
وجاء الجزء الثاني من العمل هذا العام من إخراج عبدالسلام رزق عن سيناريو وحوار لعبدالرحمن حقيق وتمثيل مجموعة من نجوم الدراما الليبية والتونسية على غرار حسن قرفال ونجلاء بن عبدالله ومحمد عثمان ومعز التومي وآخرين.
وتمكّن مسلسل "غسق"عبر حلقاته العشر من توثيق عملية "البنيان المرصوص"ضد تنظيم الدولة الإسلامية، كما رصد الأوضاع داخل مدينة سرت تحت سيطرة داعش، والأوضاع داخل مدينتي طرابلس ومصراتة خلال الفترة الممتدة من سبتمبر 2014 إلى ديسمبر 2016 تاريخ سقوط الجيزة البحرية آخر معاقل التنظيم داخل سرت.
ويرمز الغسق إلى اللحظة الفاصلة بين الضوء والظلام، وهي اللحظة التي قصدها طاقم العمل بالمرور من ظلمة الإرهاب وداعش إلى نور تحرير ليبيا، ومن الطغيان إلى السلام.
والعمل من تأليف سراج هويدي وإخراج أسامة رزق ومن إنتاج وليد اللافي، وضم عددا كبيرا من الممثلين من ليبيا وتونس والمغرب ومصر وسوريا والأردن على غرار الفنان المغربي ربيع القاطي والفنانة الليبية المخضرمة خدوجة صبري.
وبدوره حقّق مسلسل "تخاريف"نسب متابعة عالية نتيجة طرحه الجديد والمبتكر، وهو الذي جسّدت حلقاته المنفصلة (15 حلقة) قضايا المجتمع الليبي بقصص متنوعة، مثل أضرار التفكير في الثأر ومشكلات الزواج والتنمّر والتعامل مع المشرّدين والشعوذة والخطف وغيرها من قضايا المجتمع.
وأتى المسلسل الذي سلّط الضوء على غموض المشاعر لدى الإنسان، وفق محاكاة للأساطير وخرافات الجدات في قالب من الدراما والأكشن والرعب التي يحبّذها المُشاهد الليبي والعربي بشكل عام.
والمسلسل من إخراج مؤيد زابطية وتأليف إبراهيم البشاري، وبطولة كل من وهيب خالد وصلاح الأحمر وهدى عبداللطيف، ومن إنتاج شركة "مؤيد فيلم".
من جانب آخر،يحصد مسلسل "شط الحرية" نجاح غير مسبوق ليس في ليبيا فقط بل أيضا في دول الجوار تونس والجزائر ومصر، كان عبارة عن حلقات غير مترابطة، كل حلقة منه بفكرة جديدة، يطغى عليها الجانب الكوميدي، لكنها كوميديا سوداء تحمل في مضمونها رسائل سياسية واجتماعية حول ما يعيشه الليبيون في السنوات الأخيرة من خلافات وانقسامات وتضاعف للمشاكل، وكلها طرحها المسلسل في فضاء ضيق هو ريف اجدابيا، أين تكون للخيام والأغنام والإبل وللخيل قيمة رمزية كبيرة وعبرها تُبنى أغلب أحداث السلسلة.
المسلسل الذي يبث في موسميْه الأخيريْن على قناة "ليبيا 218"، وقلبهما في موسم على قناة "المستقبل"، من تأليف وإخراج فتحي القابسي، يحقق نجاحات غير مسبوقة، وتتابعه كل العائلات الليبية على كامل خارطة البلاد الممتدة. لكن الأهم في كل هذا أن المسلسل حقق أيضا مع عجزت عنه السياسة، فهو اليوم تقريبا يكاد يكون الوحيد الذي يوّحدهم وينسيهم الأزمات والتعقيدات التي تعيشها ليبيا منذ التحولات التي عرفتها في العام 2011، أين طغت لغة التوتر والسلاح والأنانية.
من ذلك،يرى مراقبون أن تصوير الدراما الليبية كان يواجه صعوبات كبيرة منذ 2011، ولكن الآن الوضع اختلف عن السابق من الناحية الأمنية، ورغم كل الصعوبات الماضية، فإن الدراما حاولت الحضور بشكل فعال، ولم تغب عن الساحة الفنية طوال السنوات السابقة، وعمل الجميع في أصعب الظروف وأصعب الحالات، وجهزوا مواقع تصوير في ظروف استثنائية.