شخصية المتصوف المغربي أبوالعباس السبتي، وما تقدمه هذه الشخصية من نماذج وتصورات في التفكير الديني السّوي، القائم على التعايش المساير للوحدة الاجتماعية والأهلية، كانت محور استهلال الدروس الحسنية التي افتتحها وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربي أحمد التوفيق بمناسبة رمضان، والذي أصل انفتاح الشخصية المغربية وتسامحها من خلال قراءة متنورة لتجربة أبوالعباس الصوفية، تحت إشراف المؤسسة الملكية المغربية.
 
حضور العاهل المغربي الملك محمد السادس أحد الدروس الحسنية الرمضانية أعطى إشارة انطلاق الموسم الرمضاني الحالي، حسب صحيفة العرب، وذلك بتقديم وزير الأوقاف أول الدروس الرمضانية لهذه السنة.

وهي دروس دينية لم تنقطع منذ أن أعاد إحياءها الملك الراحل الحسن الثاني في العام 1963، ودعا إليها كبار العلماء والفقهاء من العالم الإسلامي وثلة من العلماء الغربيين المهتمين بالفكر الإسلامي.

ويحضر الدروس الحسنية الرمضانية، علماء وفقهاء ومتحدثون ومقرئون من مختلف البقاع والمذاهب والمدارس الفقهية، واستمراريتها تكرس الهوية الدينية للدولة المغربية، وتعطي الدبلوماسية الدينية مكانتها المتميزة، إلى جانب مساهمتها في رعاية تقاليد تعزز وحدة المغرب وتميزه.

دوما ما كان اختيار موضوع أول الدروس الحسنية الذي يلقى أمام الملك، محكوما بظروف واعتبارات تتحكم في بناء وتوجيه الرأي العام. بالإضافة إلى مواكبتها لكل المستجدات السياسية والاقتصادية والاجتماعية على الساحة الداخلية والإقليمية والدولية.

وفي هذا الصدد اعتبر أحمد التوفيق، أن كل المؤشرات تدل على أن الدعوات إلى التضامن ستتكاثر في المستقبل القريب، تحت تأثير الأخطار التي تتهدد العالم، وسيتردد في المحافل استعمال كلمة “تشارك” أو “المشاطرة”.

وأكد المحاضر أن كلمة المشاطرة استعملها أبوالعباس في المرحلة الأولى من مذهبه، فالتضامن بالمعنى العباسي (نسبة لأبي العباس السبتي) أضحى في عالمنا لا مجرد اختيار، بل ضرورة اقتصادية واجتماعية وخلقية حتمية، لأن مجتمع السلم الذي يحلم به الناس لا وصول إليه قط إلا عبر مجتمع الجود والتضامن، بين الأفراد والطبقات والدول والقارات.

وما ترؤس الملك محمد السادس للدروس الحسنية، إلا مؤشر وعلامة قوية على استمرارية نظام حكم تأسس على بعد شرعي متمثل في إمارة المؤمنين. وبهذه الصفة يحتفظ الملك بتدخله المباشر والحاسم في المجال الديني حفظا له من أي عبث، إلى جانب موقعه السياسي وأدواره الاجتماعية.

وفي هذا السياق لم يفت وزير الأوقاف أن يربط قيمة الجود بالرأسمال اللامادي، واعتبر أن توجهات سياسة العاهل المغربي الملك محمد السادس تصب في هذا الباب.

وفصل المحاضر تلك التوجهات برعاية أعمال التضامن وإنشاء المؤسسات ذات الصلة بأعمال الخير، وأيضا بتدخلات مباشرة من الملك في المواساة وإغاثة أصناف المصابين، وعن أنواع الحقوق التي تقررت بالقانون لذوي الحاجات أو الإمكانات المرصودة لهم من الميزانية العامة للدولة.

لقد استطاعت الدروس الحسنية أن تشق طريقها لعقود من الزمن لم يصبها الوهن، بل أعطت صورة حضارية أصيلة وثقافية للمغرب المتشبث بهويته الدينية وتقاليده التاريخية وأسلوبه في التدين يتأسس على الاعتدال والوسطية.

ويتميز المغرب تاريخيا بنموذجه في الحكم والذي استقل به عبر صيرورة ديناميكية تاريخية أجمع عليها عموم المغاربة علماء وعامة. وهو نظام إمارة المؤمنين، المتداخل مع نموذجه في التدين المبني على العقيدة الأشعرية ومذهب الإمام مالك والتصوف السني.

وتعتبر الدروس الحسنية الرمضانية أحد تمظهرات العلاقة الراسخة بين إمارة المؤمنين والنموذج المغربي في التدين.

لقد شدد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية في درسه الافتتاحي لهذا الموسم، على أن الملك باعتباره أمير المؤمنين هو حامي الدين وراعي البعد الروحي للمغاربة، وقال إن الاستقرار والطمأنينة السياسية والإرادة الحرة ضمانات لبيئة الجود والإيثار في ظل سيرورة التنمية الديمقراطية التي تعرفها المملكة. ولا تخرج الدروس الحسنية الرمضانية عن قاعدة التفاعل مع الظرفية السياسية والاجتماعية التي تمر منها الدولة ومحيطها، وذلك تلبية لما بحث الإسلام على مجالس العلم وحلقاته لتدارس حاضر ومستقبل الأمة وما يحيط بها من تحديات.

ويربط النموذج المغربي في التدين سكينة المواطن واطمئنانه بضمان مؤسسة إمارة المؤمنين للدين والحياة في أبعادهما الاستراتيجية. وتتميز تجربة المملكة المغربية في حماية الدين بعدم السماح لأي مشروع ديني يخرج عن ثوابت الأمة، أو يستغل الدين لأغراض سياسية.

وفي هذا السياق المرتبط بحماية هذا النموذج المغربي، أكد وزير الأوقاف المغربي في الدرس الحسني الافتتاحي للعام الماضي، أن حماية الدين تتجاوز ما هو روحي وأخلاقي إلى ما هو استراتيجي. وأن إمارة المؤمنين تحرص على رعاية الالتزام بالعقيدة والمذهب، كما تحرص على الجانب الخدماتي الذي توجد في قلبه المساجد.

ولا يخفى ما للعامل الديني من تأثير مباشر في تغيير عدة خرائط إثنية وجغرافية وثقافية، وهو ما يتأكد حاليا مع حركات متطرفة تدعي العصمة واحتكار المحدد الديني لإحكام السيطرة على المجتمعات العربية بالإكراه.

وتأتي الدروس الحسنية لتعطي الإجابة المعتدلة والمتسامحة والوسطية، على كل ما تعرفه مجموعة من الدول الإسلامية والعربية الآن من بوادر التفتت، وانتشار تمظهرات التطرف الديني والطائفي.