كشف أستاذ علم الفيروسات، ورئيس لجنة التوعية والتثقيف بجامعة طرابلس أ.د. إبراهيم الدغيس، عن أربعة سيناريوهات محتملة لانتهاء وباء كورونا المستجد (كوفيد_19).

وقال الدغيس في ورقة تحليلية خص بو ابة إفريقيا الإخبارية بنسخة منها، "ربما البعض يتسائل كيف سينتهي وباء الكورونا؟ أو كيف انتهت الأوبئة التي اجتاحت العالم سابقا؟ وللإجابة عن هذا التساؤل وجب التنويه إلى وجود عدة سناريوهات لانتهاء أي وباء، وسأتناول في مقالتي هذه أهم أربع سيناريوهات محتملة لانتهاء أي وباء:

1- تطعيم فعال أو دواء فعال:

وهذا أفضل سيناريو وتأثيره واضح في إنهاء أي وباء بصورة فعالة. العلماء دائما يعملون من أجل انتاج لقاح أو دواء مضاد للفيروسات فعال. وعيب هذا السيناريو أن انتاج لقاح أو دواء جديد لمسبب مرضي جديد يظهر لأول مرة يستغرق وقت طويل جدا قد يصل لسنة أو أكثر، بالإضافة لارتفاع تكلفة انتاج تطعيم أو دواء جديد. في الوضع الطبيعي فعادة انتاج تطعيم جديد يحتاج لمدة طويلة حتى يجتاز اختبارات الأمان والتجارب الإكلينيكية للتأكد من فعاليته وتأكيد عدم السمية ومعرفة الأضرار الجانبية إن وجدت وغير ذلك.

هذا الخيار موجود ومتاح في العصور الحديثة، والسؤال هنا كيف انتهت الأوبئة السابقة في العصور القديمة حيث لم تتوفر التطعيمات ضد الأمراض، بل إن المسببات المرضية أصلا لم يتم اكتشافها، ونجيب على هذا السؤال من خلال السيناريوهات التالية:

2- مناعة القطيع أو المناعة الجماعية (Herd Immunity): 

تحدث مناعة القطيع عندما تصبح أعداد كبيرة من الناس لديهم مناعة ضد المسبب المرضي بسبب إصابتهم وشفاؤهم من المرض أو بسبب أخذهم للقاح أو التطعيم ضد المرض، وبالتالي بسبب المناعة العالية بين معظم الناس يتوقف انتشار المرض وينتهي الوباء. ولكي تصبح مناعة القطيع ذات جذوى وفعالة يجب أن تغطي المناعة من 50 إلى 70% من إجمالي الناس، وكلما كان المرض أكثر إمراضية وعدوى كلما ارتفعت نسبة مناعة القطيع لتكون فعالة، حيث يعتقد الخبراء أن تكون نسبة مناعة القطيع الفعالة مع مرض الكورونا الحالي في حدود (65%).   

وهذا السناريو (مناعة القطيع) تبنته بريطانيا عند بداية انتشار الوباء كأحد الخيارات المطروحة، إلا أنه تعرض لانتقادات كثيرة وشديدة وذلك لتعريضه لكبار السن والأشخاص الذين يعانون من مشاكل مرضية مزمنة لخطر الموت من هذا المرض، خاصة وأن التطعيم ضد هذا المرض غير موجود حاليا، وكأن الشعب الإنجليزي كان سيضحي بكبار السن وذوي المناعة المنخفضة في سبيل أن يعيش باقي الشعب! 

3- الطفرة الفيروسية:

يحدث تراكم للطفرات بالفيروسات بمرور الوقت تؤدي لتغير في المادة الوراثية للفيروس. فيروس الكورونا الحالي يشترك في التشابه الوراثي بنسبة حوالي (85%) مع فيروس السارس الذي ظهر في الصين سنة 2002، عندما تحول إلى فيروس أكثر خطورة بسبب الطفرة ولكن مع معدل إصابة أقل بكثير بين البشر أدت في النهاية لانتهاء المرض، فعندما تحدث طفرة بالفيروس ويصبح الفيروس أكثر إمراضية ويسبب أعراضا أكثر حدة، فهذه الزيادة في حدة المرض قد تقلل من معدلات الإصابة بين الناس لأنه يجعل الأشخاص المرضى يبقون في السرير ولا يتحركون وبالتالي تنكسر سلسلة انتشار المرض.

أو أن الطفرة التي تحدث بالفيروس تفقده ضراوته ويصبح فيروس قليل الإمراضية وبالتالي ينتهي الوباء ويصبح مرض موسمي شبيه بالانفلونزا الموسمية.

4- السيناريو الرابع:

العزل الصحي والحجر المنزلي. بمعنى التباعد الإجتماعي وكسر سلسلة انتقال الفيروس. وهذا الأهم في وضع ليبيا الحالي. ولعل أفضل مثال واقعي يوضح كيفية كسر سلسلة انتقال المسبب المرضي هو ما حدث في عهد الصحابة في وباء "طاعون عمواس" في بلاد الشام في أيام خلافة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- سنة 18هـ (640م) بعد فتح بيت المقدس. حيث استمر هذا الطاعون في حدود شهر، وأدى إلى وفاة خمسة وعشرين ألفا من المسلمين وقيل ثلاثين ألفا، بينهم جماعة من كبار الصحابة أبرزهم: أبو عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل ومعه ابنه عبد الرحمن، ويزيد بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة، والفضل بن العباس بن عبد المطلب، وأبو جندل بن سهيل. ولم يرتفع عنهم الوباء إِلا بعد أن تولى الولاية عمرو بن العاص، فخطب في الناس وقال لهم: (أيها الناس إِن هذا الوجع إذا وقع إنما يشتعل اشتعال النار، فتجنبوا منه في الجبال. أيها الناس إن الطاعون كالنار المشتعلة و أنتم وقودها فتفرقوا حتى لا تجد النار ما يُشعلها فتنطفيء وحدها)، فخرج، وخرج الناس، فتفرقوا حتى رفعه ﷲ عنهم وانتهى الطاعون.

وقال الدغيس، في ختام ورقته، "هذه رسالتي للجميع بأن نطبق السيناريو الرابع ونلتزم بالحظر، وتشبيه عمرو بن العاص الوباء بالنار والناس هم حطبها يشبه حالة وباء الكورونا فهو كالنار والناس حطبها، فلو طبقنا الحظر جيدا فستنكسر سلسلة انتقال الفيروس وتنطفئ النار وينتهي الوباء".