ما زال الإنترنت بشكل عام، وحجرات الدردشة بشكل خاص، يمثل حقلا بكرا يستدعي جهود كثير من التخصصات المختلفة والمتباينة، مثل علوم الاجتماع والنفس والسياسة والعلاقات الدولية والاتصالات.. وفي هذا السياق، فإنّ الدراسة الراهنة تمثل محاولة أولية تهدف إلى تعرّف ذلك الكائن الهلامي، أقصد الإنترنت، والوقوف على ملمح من أهم ملامحه، ألا وهو حجرات الدردشة. ويمكن القول إنّ الدّراسة الراهنة لا تنفصل في توجهاتها العامة عن موضوع علم الاتصال بشكل عام، فما يقوم به الأفراد في حجرات الدردشة، يمثل في النهاية تعبيرا واضحا عن عملية الاتصال في أطرافها الثلاثة التي تشمل على مرسل ومستقبل وقناة أو أداة الاتصال، وإن كانت بالتأكيد تختلف عمّا يوجد في الأشكال المتعارف عليها من أدوات الاتصال التقليدية المختلفة مثل الراديو والتليفزيون. والشيء المهم هنا، والذي يجب ألا يغيب عن أذهاننا، هو أن ما يدور في حجرات الدردشة خلال الإنترنت، هو في النهاية نشاط اتصالي جديد يرتبط بما يطلق عليه ''ريفكن''، عصر النفاذ، الذي أحال علاقات الملكية الرأسمالية المتعارف عليها إلى علاقات تتركز بالأساس حول إمكان النفاذ خلال الإنترنت، فعلاقات الاتصال محكومة هنا بإمكانات النفاذ الجديدة التي توفرها خدمات الإنترنت، وليس ملكيتها. فنحن لا نمتلك الإنترنت، لكننا نملك حق النفاذ إليها، حينما نريد ذلك، أو حينما تتوافر إمكانات هذا النفاذ.

لقد ركز عصر النفاذ والتشبيك الحالي على تسليع اللعب وليس على تسليع العمل، مثلما كان الحال مع العصر الصناعي السابق، القائم على علاقات الملكية والعمل والإنتاج. في ضوء ما سبق يمكن القول أن النتائج التي توصلنا إليها يجب أن توضع من جانب في سياق التحولات الأولية الخاصة بالإنترنت في عالمنا العربي، والتي لم تصل بعد، أو حتى تقترب من عمق التحولات الخاصة بالمجتمعات الغربية الما بعد حداثية. من جانب آخر فإن نتائج هذه الدراسة يجب أن توضع أيضا في إطار الرؤية الاستطلاعية والأولية للدراسة، فكما ذكرت سابقا، ما زال حقل الإنترنت، بشكل عام، وما يرتبط به من موضوعات أخرى مثل حجرات الدردشة، بشكل خاص، يتسم بندرة الدراسات الخاصة به. ويمكن أن نوجز النتائج التي توصلت إليها الدراسة الراهنة فيما يأتي:  

يتّسم النص، ومن تمّ اللغة المستخدمة في حجرات الدردشة، على الرغم ممّا يعتورها من تبسيط مخل بالحدود الدنيا للاستخدامات اللغوية العربية، بالاختلاف عن النصوص التقليدية، بحيث يمكن تسميته بالنص المعقد واللاخطي Hybertex ، تمييزا له من النص التقليدي Text  . ففي النصوص التقليدية؛ مثل ما يرد عبر الصحف أو المجلات، وعبر الإذاعة والتلفزيون؛ تنتقل الرّسالة، غالبا، بشكل خطي من المرسل إلى المستقبل، عبر الدور الواسع المدى والمؤثر لحراس البوابات الذين يعلمون طبيعة الجمهور المستقبل لهذه النصوص، وحجم التغيير المنشود من وراء هذه النصوص، أمّا في حجرات الدردشة فلا يوجد في الأساس نصوص مسبقة، كما لا توجد كتلة جماهيرية محدّدة، المسألة تتم بشكل فضفاض ومرن وعفوي. وحتى في الحجرات ذات الأهداف الواضحة والمحدّدة سلفا، سواء على مستوى الشكل، أو المضمون؛ مثل الحجرات الدينية، فإنّه لا يمكن، إلى حد ما، تحديد الموضوعات التي يتم مناقشتها، أو تحديد نوعية الجمهور.

فعلى سبيل المثال، فإنّ حجرات الأقباط المصريين، والتي تأتي دائما في المرتبة الأولى من حيث ارتيادها، غالبا ما تكون ممتلئة، بالعديد من المسلمين، وربما يكون هذا هو السبب الرئيسي وراء اكتظاظها بهذا العدد الضخم من المرتادين. إنّ طبيعة الجمهور/ الجماهير الخاصة بحجرات الدردشة تلعب دورا كبيرا في هلامية النص المستخدم في هذه الحجرات؛ فالمستخدمون هنا أحرار في الحركة من حجرة إلى أخرى، حيث يمكنهم استخدام ما يعن لهم من أشكال النصوص المختلفة، وأنواع اللغة المتعدّدة، بدءا من اللغة المحتشمة، وحتى أشد أنواع اللغات عدوانية وصفاقة وخدشا للحياء، هذا من جانب، ومن جانب آخر فالمستخدمون غير معنيين بأناقة اللغة واكتمالها، فطالما أنّ أطراف العملية الاتصالية يعون مفردات التواصل بينهم، فكل شيء متاح ومباح. وبشكل عام، يمكن القول بعدم وجود نصوص حقيقية في حجرات الدردشة، فالمسألة في النهاية رهن بما يقوله المستخدمون لحظة نفاذهم إلى هذه الحجرات في لحظة زمنية معينة، قد لا تتفق مع زمنية المستخدمين الآخرين. وعلى الرغم من وجود موضوعات معينة محدّدة للمناقشة، نجد أنّ ذلك لا يمنح اللغة والنصوص المستخدمة في حجرات الدردشة ذلك القدر من التبلور والوضوح.

يمكن القول إنّ الموضوعات التي يتناولها مستخدمو حجرات الدردشة تمثل انعكاسا كبيرا لذات الموضوعات المتداولة في الحياة الواقعية، فالقضايا السياسية، وبشكل خاص ما يمس قضية فلسطين، والوضع في العراق وسوريا وليبيا وتونس، تأتي على قائمة القضايا المتداولة في معظم حجرات الدردشة. كما أنّ الموقف من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل يفرض نفسه بالتبعية على أحاديث معظم هذه الحجرات، وبشكل خاص الإسلامية منها. فهناك العديد من الموضوعات الأخرى مثل الزواج والطلاق والحب والعلاقة بين الرجل والمرأة والموسيقى والرياضة... من الموضوعات المختلفة التي تتعدّد بتعدّد الموضوعات الموجودة في حياة المستخدمين اليومية. وإذا كان هناك التقاء في المضمون مع الواقع الاجتماعي، فإنّ اللغة المستخدمة وأساليب الحوار، عبر حجرات الدردشة، يفترقان عن طبيعة لغة الحوار في الحياة اليومية وأساليبها؛ فاللغة المستخدمة تختلف بشكل كبير عن لغة الجمهور العادية، ولعل ذلك يرجع، من جانب، إلى ارتباط استخدام الانترنت بشريحة اجتماعية معيّنة تكفل لها إمكاناتها المادية شراء أجهزة الكمبيوتر، وتحمل نفقات الاشتراك عن طريق خدمات شبكات اتصال الانترنت، التي ما زالت تتعدّى قدرات الأغلبية من المستهلكين في العالم العربي.

وبخصوص الدراسة الراهنة، فإننا لم نواجه مثل هذه المشكلات التي قد يواجهها الباحثون في البحوث الميدانية التي تعتمد على الاتصال وجها لوجه، وتطبيق أدوات البحوث المتعارف عليها، مثل الاستبانات والمسوح الاجتماعية و دراسة الحالة. ففي خلال ما يقرب من مائتي ساعة من ولوج هذه الحجرات والمكوث فيها، ولمدة تقترب من الشهرين، أمكن عمل تصنيف أولي لهذه الحجرات العربية، يمكن إيجازه فيما يأتي آخذين في الحسبان أن هذه الحجرات غير ثابتة، حين يظهر البعض منها، ويختفي البعض الآخر، حسب مقتضيات الظروف التي أدت إلى نشأة هذه الحجرات، وحسب طبيعة التغيّرات السياسية والاجتماعية في عالمنا العربي.

ومن جانب ثان، فإنّ أغلب حجرات الدردشة ما زالت تستخدم من أجل الترفيه والدردشات الشخصية وإزجاء الوقت أكثر من أي شخص آخر، على الرغم من وجود كثير من الحجرات ذات الأهداف الجدّية والموضوعات المهمة والحيوية، في أبعادها السياسية والدينية والاجتماعية. ولذلك، فإنّ استخدام الإنترنت وحجرات الدردشة يرتبط بالفئة سالفة الذكر التي تبغي الترفيه والدردشة أكثر من أي شخص آخر. ومن جانب آخر، يمكن القول إنّ جمهور حجرات الدردشة جمهور غير ثابت، وهذا ممّا يقطع بعدم إمكان وجود شيء متواصل خلال هذه الحجرات، على الرّغم من إدمان الكثيرين عليها. من هنا تفرض محددات اللغة المستخدمة من اختصارات ورموز وألوان... نفسها بوصفها المحدّدات والقواعد الحاكمة لشكل الاتصال، وفيما عدا ذلك فكل شيء مباح وممكن تحقّقه خلال ممارسات الدردشة في هذه الحجرات. وتغطي حجرات الدردشة عن طريق البال تووك مساحة ضخمة من الأنشطة والممارسات النقاشية متباينة المشارب والأهداف والأهمية، فبمجرد ولوج المرء برنامج البال تووك يطالعه عدد هائل من الفئات والتصنيفات المختلفة التي تغطي مساحة ضخمة وواسعة من كافة الاتصالات الإنسانية.
من هنا، يمكن القول إنّ نمط اللغة المستخدمة خلال حجرات الدردشة ما زال يعبر عن شريحة اجتماعية محدّدة، وضيّقة الانتشار، لكنه في ضوء التوقعات المرتبطة باتّساع دائرة مستخدمي الكمبيوتر في عالمنا العربي، يثير مسألة انتشار هذا النمط اللغوي المستخدم خلال حجرات الدردشة بما له من انعكاسات اجتماعية تتمثل في الإضرار بقواعد اللغة العربية والاستخدامات المرتبطة بها، وسيادة اللغات الأجنبية، وبشكل خاص الإنجليزية، بما لذلك من آثار سلبية تمس مسألة الهوية وضرورات الحفاظ على التفكير باللغة العربية، وبشكل خاص بين الأجيال الجديدة.

وتسود اللغة الإنجليزية الإنترنت بما يعكس هيمنة ثقافة هذه اللغة على المستخدمين، في الوقت نفسه الذي نجد فيه أنّ نسبة مستخدمي اللغة العربية خلال الإنترنت يبلغ نصفا في المائة تقريبا. لا تقف المسألة فقط عند حدود التأثيرات السلبية في اللغة  العربية، لكنها تتعدى ذلك إلى عزل مستخدمي الإنترنت بعامة، ومستخدمي حجرات الدردشة بخاصة، عن المواجهة الفعلية لشئون الحياة اليومية؛ حيث يعتاد المستخدمون المواجهة والنقاش من وراء ستار حجرات الدردشة متخفين، أو عاجزين. وربما يبدو سلوك الأقليات المختلفة على صفحات الإنترنت، وفي حجرات الدردشة مثالا واضحا وجليا لمخاطر مثل هذا النوع من الممارسات. فالمستخدمون يستعيضون هنا باللغة بديلا عن الانغماس في قضايا حياتهم اليومية، حيث يركنون إلى ما يقولونه وهم متخفون خلف أردية اللغة عوضا عن الاشتباك الحقيقي مع مشكلات واقعهم المعيش. من هنا، تبدو مسألة تدعيم حجرات الدردشة للديمقراطية في حاجة كبيرة إلى المراجعة والتمحيص وإعادة النظر. لا يرتبط هذا التعقيد المرتبط بهذا النص، ومن ثمّ بهذه اللغة، بالمضمون اللغوي قدر ارتباطه بالشكل؛ فحيث تتقاطع الاستجابات، وتتعدد الردود، تتخلّق لغة موازية لمثل هذا التعدّد، لغة تحتمي إلى حد كبير بالإمكانات  التي توفرها شبكة الإنترنت من جانب، وتدعمها استخدامات الحاسبات الآلية والبرامج المرتبطة بها من جانب آخر. ولعل ذلك، كما أوضحت الاقتباسات التي اعتمدت عليها الدراسة من حجرات مختلفة للدردشة، هو ما يمنح هذه اللغة شكلها الخاص بها، الذي يختلف في الوقت نفسه عن اللغة المعتادة، المستخدمة خلال وسائل الاتصال العادية.

لا تنطبق السّمات المرتبطة باللغة المستخدمة خلال حجرات الدردشة على كل الحجرات، بالقدر نفسه وبالشكل نفسه؛ حيث تختلف هذه السمات من حجرة إلى أخرى، ومن موضوع إلى آخر، فالحجرات الدينية، وبشكل خاص تلك التي تهدف إلى التوجيه والإرشاد؛ مثل حجرات أهل السنة، تراعي مسألة الشكل في استخدامات اللغة، حيث تقل الاختصارات والأشكال الزخرفية، ويميل الأفراد مباشرة إلى استخدام اللغة العربية أكثر من استخدام اللغة الإنجليزية. في مقابل ذلك، فإنّ الحجرات التي يؤمّها جمهور كبير من الشباب، وصغار السن، هي أكثر الحجرات استخداما للغة الإنترنت والرموز والإشارات المرتبطة بها، كما يكثر في هذه الحجرات، المزج بين اللغة العربية والإنجليزية، بل يصل الأمر في أحيان كثيرة إلى تفضيل سيادة الإنجليزية على مجمل النصوص المستخدمة في الدردشة.

ويمكن القول، إنّه يمكن تمييز اللغة المستخدمة في حجرات الدردشة باعتماد آلية تكرار الحروف، والكلمات، واستخدام الإشارات، والأيقونات الدالة على الحالة الشعورية والنفسية للفرد، وكما ذكرنا آنفا، المزج بين اللغة العربية والإنجليزية، أو كتابة اللغة العربية بحروف إنجليزية. وإضافة إلى ذلك، تعتمد هذه اللغة، إلى حد كبير، على التأثيرات الإضافة المرتبطة بالكتابة؛ مثل الألوان، وأنواع الخطوط المستخدمة في الكتابة وأحجامها، ووضع خطوط تحت الكلمات والجمل، ورسم الأشكال الزخرفية، مفيدة في ذلك من الإمكانات التي توفرها البرامج المختلفة للكمبيوتر. وعلينا أن نضع في الاعتبار أنّ لغة حجرات الدردشة بملامحها وسماتها المختلفة لغة عالمية يعيها معظم المستخدمين؛ فالأيقونات متشابهة في كل الحجرات، كما أنّ المؤثرات الخاصة بالكمبيوتر واحدة بالنسبة للجميع. وعلى الرغم من تنوع جمهور حجرات الدردشة، نجد أنّ استخدام برامج الدردشة، برموزها شبه المحدّدة سلفا من قبل منشئي هذه البرامج، يكشف التأثير الواسع المدى لبرامج الاتصالات الحديثة التي تخلق نماذج اتصالية جديدة، توحد من خلالها المستخدمين في مناطق شتى ومتباعدة، على الرغم ممّا يوجد بينهم على مستوى الواقع المعيش من اختلافات. ولعل ذلك، يتفق مع ما ذكرناه آنفا من أنّ لكل أداة اتصال قواعدها المقررة سلفا، التي تحدّد لأطراف عملية الاتصال كيفية التواصل فيما بينهم؛ فعلى الرغم من تعدد الجماهير، والهلامية النصية واللغوية، هناك قدر من التوحد والاتفاق بين مستخدمي هذه الحجرات. ويمكن القول إنّ إحدى السّمات الأساسية لحجرات الدردشة تتمثل في أنّها تبني نوعا من الاتفاق والثبات في إطار من الاختلاف والتحول الذي قد يعيه أو لا يعيه أطراف العملية الاتصالية فيما بينهم.

أخيرا، واتفاقا مع ما سبق، تعكس اللغة المستخدمة خلال حجرات الدردشة قدرا كبيرا من التفكك وعدم التماسك، وهو الأمر الذي يتفق مع توجهات الأجيال الجديدة التي هي أكثر استخداما للإنترنت، وأكثر تمثيلا لحجرات الدردشة التي تقع في الفئة العمرية بين 18 و 24 عاما حسب تصنيف '' لبال تووك ''. وتتمثل خطورة هذا التفكك في خلق أجيال جديدة، وإن كانت تتعامل معها بشكل لغوي متفكك، يستدمج لغة الآخرين ورموزهم، بل حتى توجهاتهم وأطرهم المعرفية، بدون تحدّ نقدي حقيقي وفاعل. ولعل هذا هو ما جعلني أؤكد في مقدمة هذه الدراسة، أن تكنولوجيا الاتصالات ربما كانت من أهم آليات تدعيم وتيرة العولمة وتسريعها، فبديلا من الجهد الذي تبذله مؤسسات العولمة وأساطينها في الدعوة لها، تساعد الإنترنت وحجرات الدردشة على جذب المزيد من الأجيال الجديدة نحو خطاب العولمة وتوجهاتها الفكرية والأيديولوجية.

كاتب صحفي من المغرب.