امتدت يد تركيا في الأشهر الأخيرة مرة أخرى إلى العمق الليبي، في محاولة للعبث بأمن البلاد من خلال دعم الميليشيات الإرهابية بالسلاح، وهو ما دفع الجيش الوطني الليبي إلى تحذير أنقرة من تداعيات ردع محتملة وخيارات محاسبة عدة.
وتتحمل تركيا جانبا كبيرا من الفوضى التي تعيشها ليبيا منذ سنوات، بسبب استمرار تزويدها للميليشيات المسلحة المتشددة بالأسلحة والذخائر، كان آخرها ضبط باخرة تركية محملة بالأسلحة في ميناء مصراتة غربي البلاد في شهر يناير الماضي.
من جانب آخر،تحتضن تركيا أهم رؤوس الإرهاب في ليبيا، وأبرز المطلوبين من قبل القضاء الليبي بتهم التورط في جرائم عنف وإرهاب والإضرار بالأمن القومي الداخلي، كما تأوي عددا من قيادات الصف الأول لجماعة الإخوان المسلمين الذين كانت لهم أدوار مشبوهة في قيادة الفوضى بليبيا منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011.
فقد قدمت تركيا الحماية للقيادي السابق في الجماعة الليبية المقاتلة عبد الحكيم بلحاج ، الملاحق من القضاء الليبي وأحد أبرز الشخصيات المطلوب اعتقالها، بعد ثبوت تورطه بعدة هجمات على منشآت عمومية ليبية وارتكابه لجرائم زعزعت استقرار ليبيا.
كما تقيم في تركيا قيادات من مجلس شورى بنغازي المصنّف "تنظيما إرهابيا"، أبرزها طارق بلعم وأحمد المجبري، اللذان منعت السلطات البريطانية، في نوفمبر 2017 دخولهما إلى أراضيها بتهمة التطرف، وقامت بترحيلهما إلى تركيا، التي منحتهما إقامة دائمة.
إلى ذلك، يوجد على الأراضي التركية عدد من قيادات جماعة الإخوان الذين يتمتعون بحماية النظام التركي، من بينهم عضو المؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته "محمد مرغم"، الذي سبق أن طالب بضرورة تدخل تركيا عسكريا في ليبيا ضد الجيش الليبي، في تصريح جرّ عليه انتقادات كثيرة واتهامات بـ"الخيانة العظمى".
التدخل التركي في ليبيا تنوع بين التمويل والاحتضان والإيواء والحماية للجماعات الإرهابية، ومنها جماعة الإخوان خاصة، والسبب هو نزعة الهيمنة والنفوذ التركي التي تنطلق من التطلع لاستعادة الإمبراطورية العثمانية الثانية، التي تقاطعت مع مشروع الخلافة الإخواني، ما جعلهما حليفين، يستخدم أحدهما الآخر.
لكن الرهان التركي على الإخوان في ليبيا ليس مردّه فقط التطلع نحو استعادة الريادة الإخوانية بل أن المعطى الإقتصادي مثّل عاملا مهما في هذا الخيار. حيث بدأت تركيا بالتغلغل في النشاطات الاقتصادية لعدد من المؤسسات الليبية في وقت توقفت مشاريع بمليارات الدولارات منذ عام 2011.
وبات التحرك التركي تجاه الاقتصاد باللون السياسي في ليبيا واضحا بعد زيارة سفيرها سرحت اكسن لعدد من المؤسسات المالية والاقتصادية في الفترة القصيرة الماضية من بينها لقاؤه برئيس وأعضاء الاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة وبعدها بأيام اجتمع سرحت مع محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير لبحث التعاون الاقتصادي وسط غياب ممثلين اقتصاديين من دولة تركيا خلال هذه الاجتماعات.
وأعلنت جمعية رجال الأعمال والصناعيين المستقلين في تركيا واسمها "موصياد" مؤخرا عن افتتاح مكتب لها في ليبيا دون إيضاح خطتها الاقتصادية،، يأتي هذا وسط تراجع الليرة أمام العملات الأجنبية من بينها الدينار الأمر الذي يفتح تساؤلات كبيرة من بينها هل تحققت المؤسسات الليبية من مصادر التمويل وتطبيق كافة المعايير التجارية الخاصة بفتح هذه النوعية من المكاتب.
يرى مراقبون أنالتمدد التركي في القرن الافريقي صار علامة فارقة تتزامن مع التشبث بالملف الليبي ومحاولة إيجاد منفذ او موطئ قدم وذلك من خلال القناة الاخوانية وتسويق مشروع الإسلام السياسي.
بهذا المعنى لا يمكن قراءة الدّور التركي في ليبيا، خارج استثمارها المالي في الخراب الليبي، إمّا في اتجاه بحثها عن الأسواق وإعادة الإعمار ودخول أفريقيا، أو باستقطابها للرساميل الإخوانية والجهاديّة وتدوير المال الليبي المهرّب في اقتصادها المحلّي.