سلط الأكاديمي الليبي وعميد جامعة المرقب الأسبق محمد الدويب الضوء على معنى اوديسا الذي اطلق على العملية التي قادها الناتو في ليبيا عام 2011 والتي عرفت بفجر الاوديسا.

وقال الدويب في تدوينة له بعنوان "فجر أوديسية وظلامها" "أطلق الأميركيون الاسم الكودي"عملية فجر أوديسيا Operation Odyssey Dawn " على مشاركتهم في العمليات العسكرية ضد القوات المسلحة العربية الليبية خلال الفترة 19 -31 مارس2011م. قبل توحيد عمليات القوات الاستعمارية تحت قيادة الناتو وهو وصف ميّزها عن مشاركات الدول الأخرى التي منحت عملياتها أسماء مختلفة حيث سُمّيت المشاركة الفرنسية " هارماتان Harmattan " بمعنى الريح الحارة الجافة التي تهب على الصحراء الأفريقية وسمّيت الكندية " المتحركة Mobile " و سُمّيت البريطانية " إيللامي Ellamy ".

وأضاف الدويب "حظي الاسم الأميركي بترويج إعلامي كبير لعدة أسباب في مقدّمتها أهمية الولايات المتحدة ودورها في السياسة الدولية فكان الأطول عمراً والأكثر انتشارا ، وبالرغم من أن بعض المسؤولين الإنجليز والأميركيين قد صرّحوا حينها أن إسمي عملياتهما لا يحملان أي معنى( (eaningless names" و لا علاقة لهما بالعمليات على الأرض".

وتابع الدويب "إن المتابع للتسميات الأميركية لعملياتها و ما تطمح إليه من دعاية يجد أن اسم" فجر أوديسيا" قد استدعاه واضعوه من الأدب اليوناني القديم ، فالأوديسية هي ملحمة شعرية ألّفها الشاعر اليوناني هوميروس خلال القرن 8 ق.م. وجاء اسمها نسبة إلى أحد الأبطال الإغريق الذين شاركوا في الحرب ضد طروادة هو أوديسيوس ملك إيثاكا الأسطوري الذي عُرِف بشجاعته و ذكائه وابتكاره لخدعة الحصان الخشبي التي مكّنت الإغريق من اقتحام طروادة بعد حصارها لمدة 10 أعوام، و تصوّر الملحمة رحلة عودة هذا البطل البحرية الشّاقة إلى بلدته إيثاكا التي حكمتها أثناء غيابه زوجته المخلصة بينيلوبي التي ظلّت تواجه تكالب الخطّاب من أثرياء ونبلاء المدينة الذين أرادوا الزواج منها والظفر بقصر أوديسيوس وثروته واستطاعت مماطلتهم بحجج مختلفة آخرها أنها ستختار أحدهم بعد أن تنهي حياكة كفن والد زوجها ومرّ الزمن ولم تنه حياكته لأنها كانت تنقض ليلا ما تحيكه نهاراً إلى أن فضحت سرّها إحدى الخادمات فأضطرت لوعدهم بأنها ستتزوج الذي يستطيع أن يشدّ قوس أوديسيوس ويرمي سهمه وكانت تعلم أنه لا يستطيع ذلك سوى زوجها أو ابنه تيليماخوس وفي اليوم المحدد لهذا السباق وصل أوديسيوس متنكّراً في صورة شيخ عجوز متسوّل وأخذ القوس بعد أن فشل أولئك في شدّه واستطاع في تلك اللحظة أن يقتل 40 من الأثرياء خطّاب زوجته بعد أن كانوا يظنون أنه قد مات في الحرب لاسيما وأن جميع الإغريق قد عادوا وتأخر هو هذه السنوات العشر 10 وهكذا استعاد قصره وزوجته وابنه الصغير بعد 20 عاما من الغياب ظلّت فيها بينيلوبي وفية له ولذلك صار اسم أوديسيوس في اليونانية يحمل معاني العذاب والألم والغضب والكراهية فهو يعود للفعل Οδυσσομαι : بمعنى الكراهية، الغضب أو للفعل Οδυναω : بمعنى يألم، يشعر بالألم أو العذاب أو يسبب الألم أو العذاب للآخرين، ومعلوم أن أوديسيوس قد تألم وتعذّب وسبّب الألم والعذاب لآخرين وغضِب وأغضب آخرين من البشر والمؤلهين أثناء رحلته الشاقة التي استمرت 10 أعوام وهكذا صارت لفظة أوديسية في الأدب تعني : أية رحلة عذاب و ألم و كراهية" .

وتساءل الدويب "لماذا استعمل الأميركيون اسماً بهذه الدلالة من الأدب الكلاسيكي ؟ هل أرادوا الإشارة إلى أن هذه العملية ستكون طويلة وشاقة ومليئة بالآلام و العذابات والكراهية تشبيهاً لها بالمشاق التي عاشها أوديسيوس في رحلته ؟ هل أرادوا إضفاء طابع ايجابي للحرب بعبارة الفجر الذي يأتي بعد الظلام تفاؤلا بعودة أبطالهم منتصرين كما عاد أوديسيوس إلى قصره وانتصر على كل من حاول خيانته؟ هل أن أوديسيوس الأميركي سيعود إلى زوجته( بينيلوبي-ليبيا) التي مازال الخطّاب يتزاحمون على خيمتها وهي مازالت تنقض غزلها؟ فهل تبين للذين على قلوبهم غشاوة الخيط الأبيض من الخيط الأسود من فجر أوديسية أم على قلوب أقفالها؟".