هو الجنرال يوري موسيفيني الرئيس الحالي لجمهورية أوغندا منذ عام 1986 والذي تمت إعادة تنصيبه في الثاني عشر من الشهر الجاري رئيسا للبلاد لدورة جديدة مدتها خمس سنوات أخرى بعد فوزه بالانتخابات بواحد وستين بالمائة من الأصوات، خمس سنوات تعهد فيها موسيفيني باستكمال مسيرة أوغندا في التنمية وتطوير اقتصادها وكذلك إرساء خارطة طريق للتجارة الدولية والاستثمار الأجنبي في مجال السياحة خاصة والزراعة.

تفاصيل هذه النقاط في حوارنا مع الرئيس موسيفيني المتابع عن كثب لتطورات مسلسل "الربيع العربي"، ومدى اهتمام أعضاء الإتحاد الإفريقي فيما يخص التدخل الأجنبي في ليبيا، وعن مسيرته التاريخية افتتحنا الحوار:

أولا، نشكركم فخامة الرئيس على وقتكم واستقبالكم الخاص لنا.. صوت العرب تأبى أن تخوض في مسيرتكم الطويلة، قبل أن يفهم قراؤها أولا خياركم كشاب تخرج لتوه من جامعة دار السلام وأبواب النجاح أمامه مفتوحة على مصراعيها لمسيرة مهنية، إلا أنكم اخترتكم طريقا آخر، محفوفا بالمخاطر والأشواك ومجهولا مستقبله حينذاك، فلما وكيف كان هذا الخيار؟

الفعل، هكذا كانت رؤية الإنسان البسيط وقتذاك، فقلّة هم الذين حصّلوا على شهادة في التعليم العالي، أن أي وظيفة ومسيرة مهنية ناجحة متاحة أمام حفنة المتعلمين في شتى المجالات، اما بالنسبة لي والذين شاركوني الرؤية، هذا الخيار لم يكن لينجح بتلك السهولة في بلد كانت ظروفه سيئة، بلد مزقه الشقاق والعنف، فتكت به الأمراض ويعاني من بنية تحتية هشة، فأي حياة مهنية نجاحها مرهون بحل تلك المشاكل وأولها الطائفية لأن الأوروبيين سيطروا على عقول بعض الناس، وقسّموا المواطنين دينيا وعشائريا، فأكبر مشكلة واجهتنا، هي الوحدة بين المسيحيين الكاثوليك و البروتستانت المتناحرين كما الحال في ايرلندا الشمالية بأوروبا، كما واجهنا المعارك القبلية أيضا فمع الاستقلال في عام 1962 لم تتمكن مجموعة معينة من تشكيل حزب موحد يمكنه الفوز بالأغلبية لإدارة البلاد، لسبب بسيط هو أن هذه الطوائف كانت كلها أقليات، فالكاثوليك والبروتستانت ، والمسلمون ، وأيضا القبائل أقليات.

لذلك لم تكن هناك أغلبية يمكنها الفوز والحصول على ما يكفي من الدعم، وبالتالي، في ظل ذلك الوضع غير المستقر كانت الأولوية للوحدة، و بالنسبة لنا عرفنا منذ البداية أنه من المستحيل تحقيق ذلك بسهولة،  ومع مرور الوقت نجحنا بالفعل في توحيد أوغندا حتى نتمكن من المضي قدما، لنا ولأولئك  الذين على الأقل آمنوا بهذه المبادئ التي اعتبرناها ركائز أوغندا القوية والمزدهرة التي تأتي بوحدتها ووحدة أفريقيا.

أعلنتم في قمة الشرق أفريقية اعتزام أوغندا بناء خط أنابيب لنقل النفط عبر تنزانيا، وهو أول خط أنابيب رئيسي للنفط في المنطقة، ما هي آفاق المردود الاقتصادي والسياسي لهذا المشروع؟

النّفط ليس بتلك الأهمية إذ أنّه زائل، وفي الواقع هناك قطاعات أخرى أكثر أهمية وديمومه مثل الزراعة فلا يمكنك إطعام النّاس بالنفط. أوغندا بلد زراعي ولها قدرة كبيرة في هذا.المجال. المهم لدينا أيضا السياحة ومكونات طبيعية لا تعد ولا تحصى وأما عن النفط فيمكن تسخير عائداته  لدعم وتطوير القطاعات الأخرى التي هي أكثر أهمية منه ، منها التعليم فمتى ما تمكنا من الاستثمار في العقل البشري مثل اليابان التي ليس لديها أي شيء غير العقول  والمهارات ،  ذلك أن تطوير العقل البشري والاهتمام به يأتي بنتائج  أفضل لهذا فعوائد النفط ينبغي تسخيرها  لتطوير هذه المجالات والبنية التحتية.

قمتم سيادة الرئيس قبل أشهر بزيارة تاريخية إلى الخرطوم بعد قطيعة دامت لعقد من الزمن فهل نجحتم في إذابة الجليد بين البلدين بالنظر إلى الملفات الشائكة والمعقدة؟

مشكلتنا الأساسية مع الخرطوم هي سوء معاملة الأفارقة السود بالسودان الذي هو بلد عربي أفريقي، فجماعة الخرطوم تعامل السودان على أنها دولة عربية فقط لذلك كان علينا أن نتدخل ليعيدوا النظر في هذه المسألة ولكن لم يستجيبوا لذلك ودابوا على تقويض مساعينا عن طريق إرسال مجموعات مسلحة لمقاتلاتنا والتعامل مع هذه القضية استغرق وقتا طويلا وقد أدى في الأخير إلى انشقاق جنوب السودان وقد بحثت مع البشير ما وصلت اليه مفاوضاتهم مع الأفارقة لديهم في الشمال المتمركزين أساسا على النيل الأزرق ونذكر منهم النوبيين وهم السكان الأصليين كما في دارفور.

وفي الحقيقة فإن هذه المرة أيضا حين دعاني البشير إلى الخرطوم أكدت موقفنا تجاه الأفارقة هناك، فكما تعلمون فعلنا نفس الشيء تجاه الفيتناميين فيما يخص سوء معاملتهم من قبل الأميركيين، وأيدنا أيضا الفلسطينيين ووقفنا ضد سوء معاملة الإسرائيليين لهم فكيف نلتزم السكوت عن سوء معاملة الأفارقة لدينا في أي جزء من أرضنا الأفريقية أو العالم؟

تشارك القوات الصينية في دوريات لمكافحة القرصنة، بالإضافة إلى مشاركتها في بعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام في القارة الأفريقية،  كيف تقيمون  الحراك الصيني على الساحة الأفريقية؟ وما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه الصين في القارة السمراء مستقبلا؟

أنا لست من مؤيدي تواجد الأمم المتحدة في أفريقيا إذ أنني لا أجد تصرفاتهم جدية أو أنها مجدية، بل أرى أنها مسؤولة عن الكثير من معاناة الشعوب الأفريقية إذ أنها ليست فعّالة و ارتكبت العديد من الأخطاء، لذلك فإنني لا أرى الصين وهي بالمناسبة دولة صديقة تعمل تحت رداء الأمم المتحدة لأنني لست متأكدا من فعالية ما سيقدمون تحت مظلة الأمم المتحدة التي ليست سوى قناع الغرب، فنحن مثلا كانت لدينا قواتنا في الصومال لمساعدة الناس ولكننا طالبنا باستقلالية قواتنا عن أي جهة، بالنسبة لي قواتنا لا تأخذ أوامر من الأمم المتحدة، لذلك فأنا لا أعرف إن كانت الصين تستطيع أن تكون مؤثرة تحت مظلة الأمم المتحدة .

وماذا عن دورياتها لمكافحة القرصنة؟

كان ذلك مجهودا كبيرا وممتازا قامت به الصين ربما كانوا أكثر فعالية قرب الساحل الصومالي في المحيط كونهم عملوا دون وساطة الأمم المتحدة التي أرى أنها تحتاج إلى إصلاح، بالفعل الصين لعبت دورين رائعين، الأول: مساهمتها من أجل تحرير أفريقيا، إذ أنها زوّدت شعبنا بالسلاح في موزنبيق عندما كان شعبنا يقاتل الاحتلال البرتغالي، وأيضا أهلنا في زيمبابوي وكذلك دعمهم لحلف شمال الأطلسي في جنوب أفريقيا،      ولا شك أن دعمهم يعد مساهمة تاريخية، وحتى الآن نحن نتعاون معهم بشكل ثنائي في المسائل الأمنية.

كل هذه المساهمات التي ذكرتها حول الأمن فماذا عن دورها في مستقبل القارة الأفريقية؟

نحن نشتري المعدات الدفاعية منها، كما أنها تبيع تلك المعدات من دون أي شروط أو غطرسة حتى نتمكن من الدفاع  عن أنفسنا، ولكن الدور الهام الآخر هو الاستثمار في أفريقيا، فهي في الواقع استثمرت الكثير في قارتنا سواء في البنية التحتية أو الصناعات التحويلية، لذلك فهذه مساهمات تعد ذات أهمية كبيرة دون ذكر دور التحرير والتنمية.

أعلنتم خلال مراسم أداء اليمين الدستورية، أن أوغندا ستعتمد في العهدة الرئاسية المقبلة خطة للدفع بعجلة النمو في البلاد. كيف يمكن لأوغندا أن تنفذ تجربة التنمية الصينية الناجحة على أرضه؟

سنركز أساسا على ثلاث نقاط: الاستثمار والسياحة والتجارة، وفي الواقع التجارة واكتساح العالمية وخصوصا السوق الصينية هو هدفنا الأساسي في السنوات الخمس المقبلة من خلال تعديل الميزان التجاري بين الصين وأوغندا، أي الظفر بشريحة أكبر من السوق الصينية الضخمة.

سيادة الرئيس, كيف تقيمون موقف الإتحاد الأفريقي اليوم مما يحدث في ليبيا بعد إسقاط النظام, خصوصاً و أن ليبيا كانت دولة فاعلة و مؤثرة في الأتحاد و كانت تربطها علاقات متينة مع جل الدوا الأفريقية؟

نعم في الحقيقية نحن أخطئنا وتركنا الغرب يتدخلون في الشأن الليبي، وكان علينا التدخل سريعا ولكن سوف نستدرك الأمر ونقوم بتصحيح الخطأ

كنت تتحدث عن تصحيح الخطأ، فهل هو ممكن؟

بالنسبة لي هناك حل، ولكن أنا لا أريد أن أتكلم نيابة عن الآخرين، علينا أولا الانتهاء من مناقشة الموضوع أفريقياً والتوصل إلى حل، بالنسبة لي أنا أعلم أنه يمكن أن يكون هناك حل ولكن ليبيا ليست شأنا يخص أوغندا فقط لذلك علينا أولا مناقشة الموضوع جميعا ثم نخرج بحل مشترك. لقد اتخذنا موقفا واحدا،و هزمنا البيض في جنوب أفريقيا على الرغم من أنهم كانوا مجهزين بأسلحة نووية ولكن نجحنا في إلحاق الهزيمة بهم، لذلك ليس هناك مشكلة لا يمكننا حلها وما ينقصنا هو الإجماع على رأي  واحد وحل واحد.

فخامة الرئيس، نحن نعلم أنكم كنتم على صلة وثيقة بالقذافي إلى آخر لحظاته، فما هي ذكرياتك عنه التي إذا قلتها سجلها التاريخ؟

القذافي، كانت لدينا خلافات معه إذ كان مؤيدا لعيدي أمين الذي كان مسلما، حتى أن القذافي قاتلنا مساندة لعيدي أمين مرتين على أساس خاطئ للإسلام ولكن عندما التقيت بالقذافي في عام 1981 بدأنا نتعاون معا وحتى قبل لقائي به كننا نعرف مواقفه الرجولية والإيجابية كقائد وزعيم وكذا النقاط التي قد تأخذ عليه. وهنا سأتوقف لأتكلم عن مشكلة الغرب، فهم لا يتذكرون لنا إلا الجانب أو الموقف السلبي ولا يرجحون كفة الميزان إلى الجانب الأكثر تأثيرا.

لم يكن الغرب عادلا مع القذافي ، وأدانه بكل بساطة ، لقد كان ضد مصالحهم وأنا سأعطيك مثالا واحدا عن القذافي، عندما إعتلى القذافي سدة الحكم كنت أنا على وشك التخرج من الجامعة، وللأسف العرب ليست لديهم الذاكرة حتى لا أقول أنهم ناكرين للجميل، فأكبر مساهمة قدمها القذافي إلى العالم العربي، ودول العالم الثالث بشكل عام نضاله للحصول على أفضل الأسعار للنفط، وأنا مندهش اليوم أنه لا أحد يتذكر هذا للقذافي، خصوصا العرب! وكان القذافي الذي بدأ يدعو لمقاطعة الغرب لعدم تقديمهم لسعر أفضل للنفط. أتذكر أنه في عام 1971 كافح القذافي للحصول على أفضل الأسعار للنفط، كان البرميل أنذاك لا يصل سعره 2 دولار أمريكي ، وعندما بدأ القذافي هذا الحراك وتشكلت منظمة الأوبك قفز سعر النفط من 2 دولار أمريكي للبرميل إلى 20 $. فأنا أعمل وأتعامل مع الأشخاص الذين يرتكبون أخطاء لأنه ما من أحد إلا ويخطئ ولكن أيضا أنا أعمل معهم لمزاياهم التي تغفر لهم أخطاءهم، فما جاء به القذافي للكثيرين يفوق بكثير ما يسميه الغرب خطئ لا يغتفر ويدينونه

كلمة أخيرة للقارئ العربي عبر صفحات صوت العرب ..

آمل أن تتنبه شعوب الشرق الأوسط للمؤامرات التي تحيق ببلادهم، لأن الأمر حقا مؤامرة، ففي أوغندا حاربنا الطائفية، وهذا هو السبب الذي دفع بتنمية البلاد، نحن مستعدون للتجارة والتعامل مع الدول العربية والآسيوية، وعبر صفحات مجلتكم ندعو كل المستثمرين الراغبين في زيارة أوغندا بالتقدم بخطوة واحدة فقط، فنحن سنستقبلهم بذراعين مفتوحتين وسنقدم كافة تسهيلات لكل من يساهم في تطوير السياحة والزراعة والتجارة في بلادنا.

 

ملاحظة: المقابلة تنشر بالتعاون مع موقع "بوابة افريقيا الاخبارية"