أكد المتخصص التونسي في التنمية والتصرف في الموارد حسين الرحيلي أن تراجع النفوذ الاقتصادي الفرنسي في دول المغرب العربي هو تعبيرة عن تراجع النفوذ السياسي لفرنسا وخاصة أمام الصين وروسيا وأضاف في مقابلة مع بوابة إفريقيا الإخباريةأن فرنسا لازالت شريكا في المراتب الأربعة الأولى مع دول المغرب العربي لكن التحولات السياسية وصراع المحاور الجديدة في أفريقيا يجعل منها شريكا غير مرغوب فيه ليس في دول المغرب العربي فحسب بل في جل الدول الأفريقية التي كانت الملعب الخاص لفرنسا. 

إلى نص الحوار:

إلى أي مدى تتفق مع الرأي القائل إن النفوذ الاقتصادي الفرنسي في دول المغرب العربي تراجع؟

قبل الحديث عن تراجع النفوذ الاقتصادي الفرنسي في الدول المغربية يجب أن نتحدث عن تراجع النفوذ السياسي الفرنسي في هذه الدول أولا وعلى المستوى الإفريقي بشكل أعم. وذلك منذ سنة 2007 تاريخ اعتلاء الرئاسة الفرنسية جيل جديد من الأفراد المرابطين بما فيه المال والأعمال وليس لهم دراية بالسياسة الدولية وبالعلاقات الدبلوماسية الإقليمية.

لذلك فتراجع النفوذ الاقتصادي الفرنسي هو تعبيرة على تراجع النفوذ السياسي لفرنسا وخاصة أمام الصين وروسيا. وتعتبر الجزائر الدولة المغربية التي شهدت تراجع كبير للنفوذ الفرنسي اقتصاديا باعتبار التناقضات السياسية التي حصلت في السنوات الأخيرة بين رؤساء فرنسا الموجودين للاستعمار وبين النزهة المحررين للنظام الجزائري خاصة بعد ما سمي بالربيع العربي كما تراجع في تونس بشكل لافت أمام توسع النفوذ التركي المرتبط باعتلاء الإسلام السياسي السلطة.

منذ بداية العام أصبحت روما بحسب تقرير الوكالة الإيطالية للتجارة الخارجية الشريك التجاري الأول لتونس وأزاحت فرنسا عن هذا المركز لماذا برأيك؟

اعتلاء إيطاليا المرتبة الأولى في علاقات التبادل التجارية مع تونس نتيجة مباشرة لسياسة إيطاليا تجاه تونس التي تميزت في الفترة الأخيرة بالتوازن والمساعدة والتعاون حول قضايا الهجرة غير النظامية ومقاومة الإرهاب.   وهو ما سمح للاستثمارات الإيطالية بالتوسع والتجارة البيئية بين البلدين بالتطور. كما أن أزمة كورونا وما قدمته تونس لإيطاليا كانت حاسمة في تطوير العلاقات السياسية وبالتالي الاقتصادية.

إلى أي مدى تتوقع أن يستمر هذا الوضع حتى خلال العام القادم؟

سيتواصل هذا النسق للسنوات القادمة أمام ضبابية السياسة الفرنسية التي عادت مع هذا الجيل من سياسي المال إلى العقلية الاستثمارية في التعامل مع مستعمراتها القديمة 

بالنسبة لتونس هل هذا التغير إيجابي أم سلبي ولماذا؟

بالنسبة إلى تونس الشراكة مع الطرف الإيطالي أكثر جدوى لمرونتها ولقرب المسافات وذكاء الإيطاليين خلال الفترة الأخيرة سياسيا. 

فرنسا فقدت أيضا المركز الأول للشراكة مع الجزائر منذ سنوات؛ بسبب قرار الجزائر تنويع اقتصادها والرهان على دول مثل تركيا والصين، برأيك ما آثار هذا التغير على البلدين؟

الجزائر استغلت أخطاء ساركوزي وهولندا خاصة ماكرون لإعادة النظر بشكل حازم وكبير في علاقاتها السياسية وبالتالي الاقتصادية مع فرنسا التي كانت تهيمن لعقود على ثروات الجزائر. وتنوعت علاقات الجزائر اقتصاديا وفق التقارب السياسي. فتطورات العلاقات مع الصين وروسيا والهند وتركيا وهذا التنوع سمح للجزائر بإعادة النظر في علاقاتها بفرنسا ثم بالاتحاد الأوروبي ولعل ما يحصل مع إسبانيا ولو أنه مرتبط بموقف سياسي من قضية الصحراء الغربية إلا أنه يدخل في إطار مرحلة جيواسترتبجية جديدة في العلاقات الجزائرية مع بقية شركاءها التقليديين وخاصة فرنسا التي يمكن القول إنها خرجت سياسيا واقتصاديا من الجزائر .

رغم هذا التراجع بقيت فرنسا ضمن الشركاء التجاريين الأربعة الأوائل لدول المغرب العربي غير أن هذا النفوذ يقل تدريجيا.. فكيف تنظر إلى مستقبل هذه الشراكة؟

لازلت فرنسا شريكا في المراتب الأربعة الأولى مع دول المغرب الكبير. لكن التحولات السياسية وصراع المحاور الجديدة في أفريقيا يجعل من فرنسا شريكا غير مرغوب فيه ليس في الدول المغربية فحسب بل في جل الدول الأفريقية التي كانت الملعب الخاص لفرنسا. لكن غياب ساعة فرنسا وتعويضها بهواة للسيارة وسماسرة للمال والأعمال سيجعل مستقبل فرنسا في أفريقيا سلبيا للغاية وستفقد في السنتين القادمين  شبه وجودها في جل القارة السمراء أمام توسع كبير للصين ولروسيا حاليا ومستقبلا.

إلى أي مدى ترى أن الأزمات التي تحدث بين باريس وعواصم المغرب العربي، أثرت سلبا  على العلاقات التجارية والاقتصادية عموما مع هذه الدول؟

العلاقات السياسية هي التي تحدد العلاقات الاقتصادية. لذلك فإن تفنن الساسة الفرنسيين في افتعال الأزمات السياسية  مع الدول المغاربية من خلال تصريحات أو مواقف تمجد الاستعمار أو ترفض نزوع هذه الدول للتحرر وتنوع علاقاتها. وهذا الفشل السياسي لفرنسا منذ أكثر من 15 عاما في إرساء علاقات سياسية متوازنه مع دول المغرب الكبير هو الذي  سمح   لهذه الدول بالعمل على تنويع علاقات أكثر توازن واحتراما سياسيا واقتصاديا.

فرنسا لم تكن أبدا شريكا اقتصاديا لليبيا على عكس الحال بالنسبة لتونس والجزائر لماذا برأيك؟

ليبيا ليست شريكا لفرنسا بل شراكة ليبيا كانت دوما بايطاليا ودول المعسكر الشرقي سابقا. ثم تحولت الشراكة مع تركيا وحافظت إيطاليا على موقعها في ليبيا حتى بعد سقوط نظام معمر القذافي وذلك راجع لدهاء الدبلوماسية الإيطالية وتحررها من النزهة الاستثمارية والعنصرية مقارنة بلوك الساسة الفرنسيين المتاثرين دوما بأفكار اليمين المتطرف.

بالنسبة للمغرب فإنها المستثمر الإفريقي الأول في فرنسا والـ 17 عالميا بحسب المعطيات التي نشرتها "بيزنس فرانس" فإلى أي مدى ترى أن ذلك يعزز فرص الاستثمارات الفرنسية في المغرب؟

المغرب بقي تاريخيا وفي لفرنسا ولسياساتها الاقتصادية. إضافة إلى كون المغرب لم تتغير طبقته السياسية حتى بعد تغيير الدستور رغم أنه لم يغير من سلطات الملك الذي بقي مهيمنا على الساحة السياسية والاقتصادية .لذلك فإن حضور الملك القوي في مراكز المال والأعمال في فرنسا مكن المال المغربي من الاستثمار في فرنسا ولكنه استثمار في الفضاء الذي تحدده الملكية المغربية. كما أن فرنسا بقيت الشريك المميز لفرنسا في تنافس مع أمريكا.  ويعتبر  مشروع إنجاز القطار السريع أحدث أكبر المشاريع الفرنسية في المغرب.

ومادام الملك وفيا لعلاقاته مع فرنسا فإن الأعمال والتجارة تبقى لصالح فرنسا، لكن على المدى المتوسط وأمام الإشكالية الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد المغربي وأمام توسع النفوذ الصيني والروسي وانطلاقا من التحولات الجيوسياسية العالمية فإن العلاقات الاقتصادية الفرنسية المغربية لا يمكن أن تبقى كما هي اليوم.