يمكن إشراك النساء على نحو فعال في عملية مكافحة التطرف، لكن الأمر يتطلب الكثير من التركيز وتضافر الجهود من أجل الوصول إليهن وإشراكهن بجدّية في مقاومة التطرف خاصة في المناطق التي ينتشر فيها هذا الفكر أو تعيش حروبا ونزاعات مسلحة.

هذه الرسالة وجهتها إحدى ناشطات المجتمع المدني في باكستان في حديث لها مع مجلة “فورين بوليسي” الأميركية، حيث قالت إنها كانت تساهم في نقاشات حول إشراك النساء الباكستانيات في اجتثاث التطرف من جيل الشباب. وحذرت من أن المتطرفين باتوا أكثر تأثيرا في صفوف النساء مقارنة بالمعتدلين، وذلك من خلال الخطاب الذي يعتمدونه.

ورغم أن المجتمع الدولي أقر سلسلة من القرارات في مجلس الأمن، والتي من شأنها أن توفر فرصة أفضل لانخراط النساء في شؤون تعزيز السلام وحل النزاعات ومن بينها القرار عدد 1325 الصادر عام 2000، الذي يدعو إلى اعتماد تدابير خاصة لزيادة مشاركة النساء في تحقيق السلام وحمايتهن من العنف المتصل بالنزاعات أو القائم على التمييز الجنسي، إلا أن الإشارات الواضحة إلى القضايا الناشئة، مثل مواجهة التطرف العنيف، كانت غائبة في كثير من الأحيان. وهو ما أفضى إلى عجز المجتمع الدولي على توفير طرق تعامل مثمرة مع النساء في مكافحة ضعف الأمن.

وتعيش النساء والفتيات اليوم على وقع أعمال عنف وجرائم وحشية ما كان العقل ليتصورها، فمنذ عام 2014 تقدر منظمة العفو الدولية تعرض حوالي 2000 امرأة وفتاة للخطف، والاغتصاب والزواج القسري على يد مجموعة بوكو حرام في نيجريا.

وتفيد منظمة الأمم المتحدة أن حوالي 2500 امرأة وطفل هم من أسرى الحرب لدى الدولة الإسلامية في سوريا وشمال العراق، في حين تعرض حوالي 1500 مدني للعبودية الجنسية.

وخلال حلقة نقاش في معهد السلام التابع للأمم المتحدة، قالت زينب بانغورا، الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة لشؤون العنف الجنسي، إن العالم “يشهد ظاهرة جديدة، حيث يتم استخدام العنف الجنسي كتكتيك للإرهاب، لتهجير المجتمعات وتدمير البنى القائمة للعائلة والمجتمع، وزرع الرعب في قلوب السكان المدنيين، واستخلاص المعلومات الاستخبارية، وتوفير العائدات المالية من تهريب النساء والفتيات، والاتجار بهن، وإهدائهن، وأخذ الفدية مقابلهن..”.

ومنذ اندلاع النزاع المسلح في سوريا، ارتفعت معدلات الزواج المبكر بشكل ملحوظ، حيث تشير الأمم المتحدة إلى أن نسبة السوريات المتزوجات دون عمر 18 عاما بلغت 32 بالمئة، بعد أن كانت لا تتجاوز 13 بالمئة قبل اندلاع الحرب. وتعد الدوافع الاقتصادية السبب الرئيسي للزيجات المبكرة وللزواج القسري.

من جهة أخرى يعد انخراط النساء في التطرف العنيف مسألة معقدة، حيث أنهن يمثلن عناصر حركية في التنظيمات الإرهابية. ويقدر الخبراء في الشأن السوري أن داعش تمتلك أكثر من 20 بالمئة من المتطوعات الإناث، ويسود اعتقاد بأن 550 من المقاتلين الأجانب في صفوف التنظيم هم من النساء.

وقد طوّر تنظيم داعش خطابه الموجه إلى النساء بهدف تجنيدهن عبر إغوائهن بخطابات رومانسية وروحية مفادها أن العالم بحاجة إلى النساء الورعات لبناء مجتمع نقي.

وتقوم النسوة بمهمات التجنيد والتعليم وبناء المجتمعات، ويتم تزويجهن للمجندين الذكور كحافز للرجال على الانضمام والبقاء في التنظيم، كما يتم تشجيعهن على الإنجاب من أجل تدعيم أسس الدولة والالتزام بالقضية. وتبدو الحاجة ملحة لاعتماد استراتيجية تهدف إلى وقف تدفق المجندات الإناث إلى التنظيمات المتطرفة، ونزع الأفكار المتطرفة من أذهانهن وإعادة دمجهن في مجتمعاتهن الأصلية.

وفي جميع أنحاء العالم، تجمع النساء بين أدوار تقليدية وأخرى معاصرة لتعزيز سبل التصدي للتطرف؛ ففي السودان، تقوم “مغنيات الحكمة”، وهن نساء نافذات بالغناء للترويج لقيم التسامح، والتعايش والسلام.

أما في الصومال، فيتم استخدام الروابط الناشئة عن زواج النساء بين القبائل والعشائر، للمساعدة في الوساطة. وفي الكثير من أجزاء العالم، تسعى الوكالة الأميركية للتنمية إلى تعزيز دور النساء والشباب في العمليات السياسية لإحلال السلام، عبر تمكينهم من المشاركة في الإيفاء بالحاجات ذات الأولوية كالتنمية والمصالحة، والدعوة إلى المساواة، ونشر فوائد السلام.

ولتعزيز دور المرأة في التصدي للتطرف العنيف يجب أن يمر هذا المسار بمراحل عديدة، منها تعزيز المساواة بين الجنسين وتوسيع دعم الولايات المتحدة لشبكات النساء والشباب في المجتمعات التي تواجه تحديات التطرف العنيف.

ولا بد من رسم استراتيجيات لحماية وإشراك النساء في الجهود المبذولة لوقف التجنيد والتطرف، ولإشراك النساء بشكل كامل في القطاع الأمني من أجل الاستفادة من جهودهن على الصعيد العالمي، واعتماد استراتيجية في مكافحة التطرف وبناء السلام تقوم على المواهب من مختلف دول العالم.

ويبدو أنه لم يعد أمام المجتمع الدولي اليوم عديد الخيارات سوى تعزيز جهود وقدرات المرأة في مقاومة الفكر المتطرف العنيف، من خلال التركيز على قضايا التمييز بين الجنسين واعتماد أفكار النساء في السياسات الناشئة وخطوطها الإرشادية، وذلك عبر توعية النساء وتغيير نوعية الخطاب الموجه لهن وتطوير السياسات الموجهة لصالح المرأة.