"أحبّك يا شعب" كلمة قالها الزّعيم الوطني فرحات حشّاد و خلدت بعده شعارًا لكل التحرّكات الوطنيّة و النّضالية و العمّالية في تونس ،فلا تكاد تخلو مسيرة وطنيّة في أي ظرف سياسي مرّت به البلاد منذ العام 1952 بدون أن ترى فيها صورة الزّعيم الوطني الكبير و تحتها كلمته الخالدة "أحبّك يا شعب" ،،هذا الشّعب الذي أحبّ بدوره فرحات حشّاد و بادله حبّا أكبر و أكبر ،فالجميع في تونس و مهما كانت مشاربهم الفكريّة و اختلافتهم السياسيّة ومراجعهم الإيديولوجيّة قد يختلفون في كلّ شيء و قد يصل الإختلاف الى حدوده القصوى من الإنقسام و التّجاذب الحاد و لكن شيء واحد في النّهاية يجمع الجميع ،،محبّة وطنيّة صادقة للزّعيم حشّاد .
قد يشذّ عن القاعدة قلّة قليلة و لكن هم في الحقيقة لا وزن لهم أمام هيبة و الحضور الطاغي لصورة و روح و رمزيّة شهيد الوطن الكبير و الأيقونة النّضاليّة الخالدة ،،لقد تسامى فرحات حشّاد في الذّاكرة الجّمعيّة التّونسيّة لدرجة لم يصلها غيرها من الزّعماء الوطنيون الذي كافحوا زمن الإستعمار من أجل تونس حرّة و من أجل حقوق العمّال المضطهدين و الوطن ،،،المستعمَر .
يقول لك أصحاب أطروحة "القوميّة التّونسيّة" بأنّ فرحات حشّاد كان الزّعيم الأوّل لــ"الأمّة التونسيّة" مع الزّعيم بورقيبة ،و تسمع من الإسلاميين و قد أوغلوا في التأويل :"أغتيل فرحات حشّاد لأنّه كان يريد إعادة الخلافة الإسلاميّة !" ،و يقول لك اليساريون في تونس بأنّ فرحات حشّاد كان أمميا و مناضلا ضد الإستعمار و أنّ "الإمبريالية" إغتالته لأنّه كان يهدّد مشروعها الإستعماري لا فقط في تونس بل في كل شمال إفريقيا و يقول لك النّقابيون بأنّ فرحات حشّاد هو الزّعيم المؤسس و الرّمز النّقابي الخالد الذي لا يموت و يقول لك عموم التّونسيون "رحم الله الزّعيم فرحات حشّاد لقد كان وطنيا صادقًا" .
يقول التاريخ الرّسمي التّونسي و التاريخ المدرسي الذي يدرسه الطلاب في المدارس و المعاهد و الجامعات و ظلّ يردّد حتى العام الماضي بأنّ الزّعيم حشّاد قد إغتالته اليد الحمراء يوم 5 ديسمبر 1952 ،و هو ما أكّده كتاب صادر العام 1997 في فرنسا بعنوان "اليد الحمراء. الجيش السري للجمهورية" بالفرنسية : La Main rouge. L'armée secrète de la république و هو كتاب يحمل شهادة مكتوبة لــ أنطوان ميليرو " Antoine Méléro" أحد أعضاء عصابة اليد الحمراء الفرنسية و الذي أكّد مسؤولية هذه الميليشيا في عملية الإغتيال التي دبّرها هو شخصيا و نُفّذت صباح يوم بارد و قاسي و أسود في تاريخ حركة التّحرّر الوطني من شهر ديسمبر/كانون الأوّل من العام 1952 .
و بغض النّظر عن كل قراءة نقديّة يمكن أن توجّه الى الكتاب و التناقضات الصّريحة التي سقط فيها أحيانا من مثل إعتباره أنّ فرحات حشّاد كان مقرّبا من الإدارة الأمريكيّة لهاري ترومان التي يقودها الحزب الديمقرطي حينها و بين إعتبار فرحات حشّاد كان يتبع رؤية "ماركسية لينينية صارمة" فكيف للولايات المتّحدة الأمريكيّة أن تدعم فرحات حشّاد "البلشفي" كما يسمّيه صاحب الكتاب و الشّهادة التاريخيّة ؟
و بغض النّظر كذلك عن كلّ التفاصيل الأخرى الكثيرة التي أشار اليها صاحب الكتاب فإنّ ما هو مؤكّد بأنّ هذه الوثيقة/الكتاب مهمّة جدًّا لكشف العديد من الملابسات التي حفّت بإغتيال أكبر زعيم شعبي و نقابي و سياسي في البلاد و صاحب الدّور التحريضي الأكبر في تفجير المقاومة التونسيّة المسلّحة و الشّعبية ضد الإستعمار الفرنسي الذي دام بين العامين 1881 و 1956 .
و في ديسمبر من العام 2009 بثّت قناة "الجزيرة الوثائقيّة" فبلما عن الزّعيم فرحات حشّاد بمناسبة الذّكرى 57 لإغتياله ،أكّد فيه أنطوان ميليرو مرّة أخرى مسؤولية عصابة اليد الحمراء عن إغتيال الزّعيم النّقابي التّونسي الكبير ،و قال إنطوان الذي روى مرّة أخرى تفاصيل عمليّة الإغتيال التي دبّرها :"أعتقد أن ما قمت به عمل شرعي، ولو كان ينبغي علي إعادته سأعيده" و أضاف ميليرو قائلا :" عملية اغتيال حشاد هي بالتأكيد من تنفيذ اليد الحمراء باتفاق مع المسؤولين الحكوميين الفرنسيين في تونس" و أكّد عضو عصابة الحمراء :" لمجموعة التي نفذت الاغتيال لم تحاكم في تونس وإنما سفرت لفرنسا بالاتفاق مع السلطات التونسية" على حدّ تعبيره في تأكيد لما ذكره في كتابه المذكور .
و عن أيّ دور محتمل للزّعيم الحبيب بورقيبة وقتها في عمليّة الإغتيال أو حتّى علم مسبق أو حتّى تواطئ بالصّمت فقد أشار ميليرو بالقول :" دور الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة كان بارزا، لأنه كان على علم باغتيال حشاد" على حدّ قوله .
و أضاف بالقول أنّ بورقيبة قد :" شعر بالارتياح لاغتياله، كما شعرت فرنسا بدورها بالارتياح بعد التخلص من حشاد" ففرنسا حسب رأيه كانت تريد تسليم البلاد للحبيب بورقيبة حيث يقول أنطوان ميليرو :" أعتقد أن استقلال تونس كان متوقعا منذ فترة طويلة، وأن فرنسا كانت تعرف ذلك وكانت ترغب أن يتولى حكمها صديق لفرنسا، لذلك اختارت بورقيبة" وفق تعبيره .
و رغم أنّ النّخب التّونسية في مجملها لم تتفطّن للكتاب أو لم تنتبه له فقد سارعت بعد بثّ الفيلم الوثائقي الى المطالبة برفع قضيّة دوليّة ضد أعضاء عصابة اليد الحمراء و أنطوان ميليرو و الحكومة الفرنسية و المطالبة بفتح تحقيق حول عمليّة الإغتيال و محاسبة المتورّطين فيها و من منها نجل الزّعيم النّقابي نور الدّين حشّاد الإتحاد العام التونسي للشغل .
غير أنّه و في ديسمبر من العام الماضي 2013 قال نجل الزّعيم النّقابي فرحات حشّاد بأنّ فريقا خاصا من المخابرات الفرنسية تابعا لزارة الدّفاع هو من رصد و خطّط و إغتال القائد الوطني فرحات حشّاد حسب وثيقة يتضمنها تقرير مخابراتي فرنسي، صنف سريا إلى حدود 21 جوان 2013 تؤكّد رصدا لتحركات الزعيم النقابي الراحل فرحات حشاد، قبل يومين من تاريخ اغتياله يوم 5 ديسمبر 1952.
وتمثل الوثيقة المؤرخة في 3 ديسمبر 1952، والتي أمد بها نورالدين حشاد نجل الزعيم الراحل، وكالة تونس افريقيا للانباء "بطاقة ارشادات" تضمنت وصفا دقيقا لمحل إقامة فرحات حشاد، مشيرة إلى أنها " فيلا مطلية باللون الأصفر وملاصقة للمقهى العتيق ببئر الطراز". كما تضمنت وصفا للطريق المؤدية إليها انطلاقا من محطة القطار برادس بضواحي العاصمة تونس .
وأوضح التقرير الموجه آنذاك إلى الدوائر الفرنسية العليا، أن الزعيم حشاد "يقيم في إحدى الفيلات المتلاصقة الكائنة ببئر الطراز، وهو حي محاذ للمقبرة الأوروبية يقطنه تونسيون" وان هذا المسكن "محروس بشكل جيد" حسب نص الوثيقة .
وأفاد التقرير كذلك بأن الزعيم الراحل فرحات حشّاد "قليل الظهور بمنطقة رادس ولا يعود إلى محل سكناه إلا ليلا في وقت متأخر ويقضي الليل أحيانا بنهج الملاحة بالعاصمة بمحل تاجر يدعى «مقدم» وهو محل تمت به عملية التصويت على اللائحة الخاصة بالاستقلال خلال شهر أوت 1952". وأضاف الوثيقة بأن فرحات حشاد يملك سيارة سوداء اللون تحمل رقم 9772 تونس 8، لكنه غالبا ما يستعير سيارة "البودالي" أو "البورصالي" حسب نص الوثيقة التي نشرت مقتطفات منها جريدة الشروق التونسية اليوميّة في عددها الصادر بتاريخ 3 ديسمبر/كانون الأوّل 2013 .
وكان نور الدين حشاد، أكد في تصريح حصري لـوكالة تونس إفريقيا للأنياء بأنّ "أن الدولة الفرنسية هي التي اغتالت الزعيم حشاد"، مشيرا إلى أن ما كان يسمى بعصابة اليد الحمراء التي وقع تحميلها طيلة أكثر من 60 سنة مسؤولية اغتيال الزعيم النقابي التونسي "كانت مجرد اسم استعمل للتغطية على مسؤولي الدولة الفرنسية الذين أمروا بالاغتيال وعلى المنفذين الحقيقيين المنتمين الى جهاز المخابرات العسكرية الفرنسية"، حسب قوله .
كما أكد نجل الزّعيم النقابي أن الوثيقة وبقية الوثائق التي تسلمها من الرئيس الفرنسي فرانسوا هولند خلال زيارته الى تونس يومي 4 و5 يوليو الماضي، وتلك التي حصل عليها "بوسائله الخاصة" حسب قوله، سيتم نشرها لا حقا على الموقع الرسمي لمؤسسة فرحات حشاد التي تم الاعلان عن بعثها رسميا يوم 5 ديسمبر/كانون الأوّل الماضي و إفتتحها العام التونسي للشغل حسين العباسي بمناسبة الذكرى 61 لاغتيال الزعيم فرحات حشّاد .
و تعتبر هذا الوثيقة نقطة تحوّل كبير في كتابة التاريخ الوطني التونسي باعتبارها تصحيحا لمعطى قديم طالما توارثته الأجيال عن حقيقة المتهّم الحقيقي عن اغتيال الزّعيم فرحات حشّاد و حيثيات هذه العمليّة التي استهدفت أحد أكبر رموز النّضال العمّالي التونسي و أحد أبرز المقاومين للإستعمار الفرنسي في تونس و شمال افريقيا و مؤسس المنظّمة النّقابية الأعرق في البلاد ذات التأثر الأكبر في مسار الحياة السياسية و الإقتصادية في البلاد منذ أكثر من نصف قرن ،أمّا الآن و قد عرفنا القاتل ،،فمن القتيل ؟
من هو فرحات حشّاد ؟
ولد الزّعيم فرحات حشّاد في 2 فبراير عام 1914 بقرية العباسية بجزيرة قرقنة على سواحل مدينة صفاقس التي تعتبر العاصمة الإقتصاديّة لتوني . و بعد حصوله على الشهادة الابتدائية انتقل بعدها إلى مدينة سوسة الساحلية وسط البلاد وكان عصامي التكوين حيث أكمل تكوينه المعرفي والثقافي والسياسي بالمطالعة والقراءة والعمل النقابي.
فقد إضطرّ الزعيم فرحات حشّاد لمغادرة مقاعد الدّراسة باكرً بعد وفاة و التحق بالعمل لدي إحدى شركات النقل البحري في مدينة سوسة التونسية. ومنذ البداية بدأ في تكوين نواة اتحاد العمال التونسي الذي كان وقتها تابعاً للإتحاد العام لعمال فرنسا. وازداد نشاطه العمالي إلى أن اضطر لترك وظيفته بسبب هذا النشاط في عام 1939 م. فتعرض لبعض المصاعب الاقتصادية خلال الحرب العالمية الثانية بسبب حظر النشاط السياسي فانخرط خلال الحرب في العمل التطوعي في الهلال الأحمر لرعاية الجرحى وكان يقوم بهذا العمل التطوعي في خارج أوقات العمل الرسمية.
و في العام 1943 إنتقل فرحات حشّاد الى مدينة صفاقس بعد اختياره رسمياً موظفاً عاماً وهناك استأنف نشاطه العمالي في اتحاد عمال صفاقس وتزوج في نفس العام من ابنة عمه آمنة. و اختلف في العام التالي مع اتحاد العمال التونسي الذي كان يتبع الاتحاد العام الفرنسي. فترك الاتحاد وكون هو وعدد من زملائه اتحاد العمال التونسي المستقل ودعا إلى العدالة بين العمال التونسيين وأقرانهم الفرنسيين في الحقوق المدنية والمساواة ثم بدأ الدعوة للاستقلال عن فرنسا.
و يعتبر فرحات حشاد من الزعماء القلائل الذين التحقوا بالنضال المبكر والعمل النقابي ففي سنة 1936 و عمره 22 عاما فقط أسهم في المجال النقابي داخل الكنفيدرالية للشغل التي كانت آنذاك بقيادة الزّعيم الوطني صالح بن يوسف وناضل بنشاط وسط هذه النقابة. وكان من ثمرات هذا المسار والنشاط الفعلي من أجل خدمة الصالح العام تأسيسه للاتحاد النقابات بتونس سنة 1946م وعندما أراد حشاد تأسيس هذه المنظمة ولكي تكتسب هذه المنظمة طابع الاتحاد والتعاون والاعتصام نادى مجموعة من الشيوخ الزيتونيين لحضور التأسيس ومن أبرزهم العالم محمد الفاضل بن عاشور الذي تولى الرئاسة الشرفية رغبة منه في أن تكون هذه المنظّمة النقابية الوليدة منظّمة وطنيا تجمع تحتها كل ألوان الطّيف الوطني .
و عند تأسيس المنظمة ظهر اسم فرحات حشاد كزعيم وطني بارز ومناضل سياسي محنك ومصلح اجتماعي قوي واكتسب هذه الشهرة عندما زار بعض الدول الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية كمصلح بين النقابات وتجاوزت سيرته الأصقاع لما يتميز به من كاريزما و صفات شخصية مؤثّرة.و قد أربك نشاطه هذا المستعمر الفرنسي حيث لم يامكن من الوصول إليه بالسجن أو النفي كما فعلت فرنسا مع زملائه من مثل الزعيم الحبيب بورقيبة أوغيره من القيادات الوطنية ، خاصة بعد أن أصبحت اهتماماته بالمقاومة والحركة الوطنية مؤيداً لهم مادياً ومعنوياً وأصبح سنة 1951م هو القائد الفعلي والزعيم السياسي للحركة الوطنية ونقابة العمال ورمزاً من رموزها و القائد الميداني الحقيقي للحراك الشّعبي الرّافض و المطالب برحيل الإستعمار الفرنسي .
تم انتخاب فرحات حشاد و هو في الثلاثين من عمره كأول سكرتير عام للإتحاد العام لعمال تونس الذي كوّنه هو شخصيا من بين اتحاد الشمال والجنوب واتحاد عمال تونس. و أثناء توليه هذا الموقع دخلت الحركة العمالية التونسية مرحلة الصراع من أجل التحرير والاستقلال وكانت هناك نشاطات للحركة القومية تحركها وتوجهها الدعوة للدستور الجديد. وبدأت المظاهرات والإضرابات والاحتجاجات تزداد في شوارع تونس مطالبة بالتحرير وبتحسين مستوي الحياة والعمل للتونسيين.
و قد لعب الاتحاد العام لعمال تونس بقيادة حشاد دوراً هاماً في بدء وتوجيه الحركة وراديكالية المطالب الشعبية وصعد الاتحاد التونسي إلى الاتحاد الدولي لاتحادات العمال الحرة وبدأ في حضور المؤتمرات الدولية لهذه الاتحادات منذ عام 1949 م حتي بلغ أعضاء الاتحاد التونسي عام 1951 م قرابة 120 ألف عضو من كل أنحاء ومستويات العمل في تونس فبدأ تنظيم عمليات مقاومة الاحتلال الفرنسي. بل انه اتجه إلى تشجيع تكوين اتحادات عمالية في شمال أفريقيا وأصبحت لها اولوية في اهتماماته فبدأ في تشجيع الاتحادات في المغرب والجزائر وعدا لتكوين اتحاد مستقل في ليبيا لوضع أسس اتحاد عمالي موحد ثم بعد أن تحقق له الجانب الاجتماعي والاقتصادي بدأ العمل لما بعد التحرير.
و كانت بداية عام 1952 م قد شهدت فشل المحادثات المباشرة حول الاستقلال بين تونس وفرنسا وتم اعتقال الحبيب بورقيبة وكل الزعماء الوطنيين وبدأ الزعيم التونسي صلاح بن يوسف الاتجاه إلى الأمم المتحدة بعد أن حظر الاستعمار التجوال واصدر قوانين الطوارئ ومنع كل الأنشطة السياسية فظهر دور الاتحاد العام للعمال في قيادة المقاومة ضد سلطات الاحتلال فبدأ فرحات حشاد في تنظيم جماعات من الناشطين في الاتحاد العام للعمال للقيام بهجمات مسلحة ضد رموز السلطات الفرنسية إضافة إلى تنظيم إضرابات وحشود رغم اعتقال ما يزيد علي 20 ألف تونسي وسافر إلى بروكسل وواشنطن ونيويورك لتوصيل صوت تونس أثناء مناقشة موضوع استقلال تونس والمغرب في مجلس الأمن.
و قد أدى نشاطه اكبير ضد الاستعمار الفرنسي إلى أن بدأت الحكومة الفرنسية تقلق وتحاول التخلص منه بعد أن أصبح يهدد مصالحها الاستعمارية في تونس وشمال أفريقيا عامة وبدأ التفكير في عدة خطط لإزاحته من الطريق منها وضعه في السجن أو تحديد إقامته في منزله أو حتى قتله.
في نفس الوقت بدأت التهديدات عن طريق منشورات موقعة من منظمة اليد الحمراء التي كانت تعمل مع الاستعمار الفرنسي والمخابرات الألمانية في هذا الوقت وازدادت عمليات التخريب والتهديد ضد منزله وأسرته وارتفعت الأصوات المطالبة برأسه ففي يوم 28 نوفمبر - قبل مقتله باسبوع واحد - كتبت صحيفة (باريس) التي تصدر في شمال أفريقيا أن حشاد وبورقيبة هما رأس البلاء فلماذا تترك الرأس إن في القضاء عليهما مصلحة للحياة والكرامة والشرف الفرنسي فإذا كان الرجل يهدد بقتلك اقتله أنت قبل أن يقتلك على حدّ قولها .
في صباح يوم يارد و أسود في تاريخ الحركة الزطنية التونسية يوم 5 ديسمبر عام 1952 م تم تنفيذ خطة القضاء علي فرحات حشاد. تبعته سيارة في الطريق من الضاحية التي كان يقطنها خارج العاصمة تونس وأطلقوا عليه النار وفرت السيارة هاربة ولكن حشاد أصيب فقط في ذراعه وكتفه وتمكن من الخروج من السيارة بعدها بثوان ظهرت سيارة أخرى وأجهزت عليه بإطلاق النار علي رأسه ثم إلقائه علي جانب الطريق بعد التأكد من موته وعندما أعلن نبأ اغتياله علي الراديو في الظهيرة اجتاحت المظاهرات مدن العالم من الدار البيضاء إلى القاهرة ودمشق وبيروت وكراتشي وجاكارتا وامتدت أيضاً إلى مدن أوروبية مثل ميلانو وبروكسل وستوكهولم وتحولت في الدار البيضاء إلى أعمال عنف راح ضحيتها ما يقرب من اربعين شخصاً و هو ما يدلّ لا على القيمة الوطنيّة فقط للزّعيم الرّاحل بل مكانته الإقليمية و العالميّة في حركة تحرر العالم الثالث من نير الإستعمار .
رحم الله الزّعيم الوطني الوطني الكبير فرحات حشّاد فقد رحل برصاص الغدر و الإستعمار و الحقد على كل نفس للحريّة و التحرّر و بقيت صرخته مدويّة قويّة تمزّق ليل الإضطهاد الأسود الحالك :"أحبّك يا شعب" .