شهدت ليبيا عقب أحداث 17 فبرير 2011 تشكّل العديد من الكتائب المسلحة النظامية وغير النظامية في مختلف المدن في البلاد، وقام البعض منها بإنشاء سجون ومعتقلات خاصة بها تمارس بعضها أشد أنواع الانتهاكات لحقوق الإنسان الأمر الذي جعل البلاد أمام أزمات أمنية وسياسية واقتصادية متواصلة، دون التوصول إلى مخرج رغم تتالي المبادرات المحلية.
ونظرا لمناخ الفوضى و التسيّب الذي يسود البلاد و في وهن الدولة و ضعف مؤسساتها و انقسامها فإنها لم تقدر على إيقاف الممارسات غير القانونية للمجموعات المسلحة بل أصبح بعضها مندمجا داخل مؤسسات الدولة حيث يعتبر إنشاء المعتقلات والسجون أحد سمات السلوك المتسيّب للمليشيات.
ويعتبر سجن الهضبة أحد أكثر السجون سيئة السمعة فى العاصمة طرابلس، يقبع خلف أسوار سجن الهضبة الذي يديره خالد الشريف، المسئول الأمني المتشدد في الجبهة الليبية المقاتلة، التي يتزعمها عبد الحكيم بلحاج، أكثر من ألفين من المعتقلين، جلهم من رموز النظام السابق.
ويعد السجن الأشد حراسة، وينتشر أمام بوابته العديد من الحراس المدججين بأسلحة الكلاشينكوف حيث يضم طاقم إدارة السجن عدداً من السجناء السابقين في عهد القذافي، ومعظمهم خريجو سجن "أبو سليم الشهير" باعتبارهم من "أعضاء الجماعات المتطرفة".
ويلقى المسجونون معاملة قاسية، لا تخلو من التعذيب والشتائم والحرمان من النوم وإثارة القلق النفسي والإكراه المادي والمعنوي والاعتداء على حقوقهم الإنسانية.
يواجه السجناء تهماً واهية على رأسها قمع الثورة المسلحة التي اندلعت فى السابع عشر من شهر فبراير عام 2011، وكذلك قتل المتظاهرين وتهم أخرى تبين فيما بعد أنها تهماً كيدية وملفقة وذات طابع سياسي، الهدف منها انتقام معارضي النظام السابق الذين تولوا الحكم بعد الإطاحة بالنظام من قيادات ورموز النظام السابق السياسية والأمنية والعسكرية.
بعد انتهاء الصراع المسلح في أكتوبر عام 2011 سيطر قادة التنظيمات المتشددة على مقاليد الحكم بالبلاد وعلى رأسهم قادة الجماعة الليبية المقاتلة الذين سيطروا على العاصمة سيطرة تامة ، وبدأت مرحلة تصفية الحسابات والتي كان أنشاء عدد من السجون إضافة لمعتقلات المليشيات أهم ما يميزها.
من ذلك، كشف تقرير لمكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة "أن الأزمة السياسية زادت من تعقيد أوضاع مراكز الاحتجاز بالمنطقة الشرقية التي يحتجز فيها أشخاص ذوو صلة بالنزاع أو لأسباب توصف بالأمنية، وذلك في أكبر سجنين بالمنطقة من قبل مجموعات مسلحة".
وقدر التقرير الذي نشره المكتب على موقعه الإلكتروني في شهر ابريل من هذه السنة"أعداد المحتجزين في السجون الرسمية بـ6500، فيما يحتجز ما لا يقل عن 2600 آخرين في سجن معيتيقة، وأكثر من 1800 في سجن الكويفية الذي يعد أكبر مركز احتجاز في شرق ليبيا".
ولفت التقرير الأممي إلى أن مراكز الاحتجاز تخضع شكليا لسيطرة مؤسسات الدولة، في حين تخضع جزئيا أو للسيطرة الكاملة للمجموعات المسلحة، حسب التقرير.
ولاحظ التقرير تفشي عملية احتجاز الناشطين والصحفيين والسياسيين المعارضين والمنتقدين لتلك المجموعات المسلحة، إلى جانب تفشي ظاهرة احتجاز الرهائن بغرض مبادلتهم مع السجناء أو للحصول على فدية.
من جانب آخر،كانت منظمة العفو الدولية كشفت في تقرير مماثل لها عن عامي 2017 و2018 ارتكاب ما سمته القوات المنتسبة لثلاث حكومات في ليبيا والجماعات المسلحة مخالفات وانتهاكات جسيمة للقانون الدولي وحقوق الإنسان.
وأشار تقرير المنظمة إلى أن تلك القوات والجماعات المسلحة ظلت بمنأى عن العقاب رغم تنفيذ عمليات قتل غير مشروع وباختطاف آلاف الأشخاص واعتقالهم تعسفيا واحتجازهم لمدد طويلة.
في سياق متصل، تسعى البعثة الأممية في ليبيا لصياغة رؤية إصلاحية لواقع السجون في ليبيا حيث جمعت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا 18 شخصا من كبار القضاة والمدعين العامين وضباط الشرطة القضائية من جميع مناطق ليبيا في ندوة استغرقت يومين تحت عنوان "تطبيق مبادئ سيادة القانون في السجون: تقوية الشرطة القضائية".
وقالت البعثة في موقعها الرسمي إنها اقترحت حلولا لتحسين أوضاع السجون الليبية وجعلها تتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان وسيادة القانون.
كما ركزت على تسريع عملية فحص وتدقيق ملفات المحتجزين ونقل السيطرة الكاملة على السجون إلى الشرطة القضائية، وإنهاء عصر الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان في السجون التابعة لجهات وكيانات خارجة عن سلطة الدولة والقضاء.
ويشير مراقبون أن وضع السجون الليبية ليس بمعزل عن سياق التسيّب في البلاد،فالدولة الضعيفة التي لا تتمكن من ممارسة صلاحياته في إطار القانون بشكل كامل لا يمكنها أن تسيطر في إطار شرعيتها على قطاع دون آخر،لذلك فإن الإصلاح لا يمكن أن يكون إجمالي أو ستبقى كل المبادرات في إطارها الاستعراضي الذي يخلو من أي فاعلية تذكر.