قبل اجتماعات الصخيرات التي أفضت الى اتفاق 17 ديسمبر 2015 ، لم يكن فائز السراج من الشخصيات البارزة أو المؤثرة في المشهد السياسي الليبي ، لم يكن من مسؤولي النظام السابق الظاهرين ولا من معارضيه المعروفين ، كل ما يعرف عنه أنه ابن الزعيم السياسي مصطفى السراج أحد أبرز قياديي حزب المؤتمر الوطني الطرابلسي بزعامة بشير السعداوي ، وكان من ضمن خمس نواب عن مدينة طرابلس في أول برلمان ليبي ثم عُينَ أول وزير للاقتصاد الوطني الليبي في ثالث وزارة من السنوات للاستقلال سنة 1954م وعُينَ بعدها بعد تعديل وزاري في نفس الوزارة وزيرا للمعارف .
لا شك في أن فائز السراج ينتمي الى أحد العوائل الطرابلسية العريقة، وهو ما جعله يدخل غمار العمل السياسي بعد الإطاحة بالنظام السابق، من خلال عضويته حزب التحالف القومي الوطني والهيئة التحضيرية للحوار الوطني، ثم ترشحه لعضوية البرلمان عن دائرة حي الأندلس بطرابلس، ليفوز بمقعد في مجلس النواب ثم ليتم انتخابه رئيسا للجنة الإسكان والمرافق وعضوا في لجنة الطاقة في المجلس
وعندما دفع به برنارد ليون المبعوث الأممي السابق الى ليبيا، الى صدارة المشهد على ضوء اتفاقية الصخيرات، تواترت الأسئلة عن السبب الحقيقي وراء ذلك، فالسراج لم يكن من الوجوه اللامعة سياسيا، ولا من ذوي الثقل القبلي والاجتماعي في عموم البلاد، ولا هو صاحب علاقات إقليمية أو دولية فاعلة، هو فقط نائب في البرلمان، وغيره من النواب كثر، بعضهم مؤهل أكثر منه لقيادة المرحلة الانتقالية الجديدة
علينا أن نتذكر ما كان يحدث في كواليس اجتماع الصخيرات من تحركات إخوانية تتزعمها بالدرجة الأولى قطر التي لم يكن سفيرها يغادر غرفته المجاورة لقاعة الاجتماعات، كما كانت دول أخرى تضغط على الفرقاء من أجل القبول بالسراج رئيسا للمجلس الرئاسي الى أن وصلت به بارجة إيطالية الى قاعدة بوستة البحرية في مارس 2016 حيث تولى منذ ذلك الوقت مسؤوليته على رأس حكومة الوفاق المعترف بها دوليا وغير الحاصلة على ثقة البرلمان
رغم محاولته تقديم نفسه على أنه مستقل على جميع الفرقاء، كشف السراج عن ميولاته الإخوانية التي كان يخفيها سواء زمن القذافي أو زمن ما بعده، هو الآن أقرب الى القيادي البارز في الجماعة والمدافع عن مصالحها فعلا لا قولا، والمرتبط بأجنداتها وعلاقاتها المتشعبة الداخلية والخارجية، والمتبني لخياراتها السياسية والاقتصادية وحتى القتالية في الميادين، وهو جزء من محورها المعلن مع قطر وتركيا مرورا ببعض العواصم أو اللوبيات الغربية المنسجمة في خياراتها مع الإسلام السياسي.
والسراج بذلك لا يختلف عن شخصيات عدة تتبنى مشروع الإخوان وفكرهم العقائدي دون أن تبديه، وهي عادة ما تكون على مقاعد الاحتياط للدفع بها الى لحظات الحسم عندما يتم التضييق على الجماعة فتتقدم الى صدارة المشهد بطابورها الخامس بزعم أنه مستقل وغير منحاز لأي طرف، لتخترق به أجهزة السلطة ومفاصل الدولة، ولتستفيد بواسطته أكثر مما قد تستفيد من أي عناصر معلنة الانتماء إليها، ومثل هذا التصرف ليس جديدا على الإخوان كجماعة في دول عدة شهدت التصرف ذاته.
عندما اجتمع السراج في أبوظبي أواخر فبراير الماضي مع القائد العام للجيش الوطني المشير خليفة حفتر، واتفق معه على خارطة طريق للحل السياسي في البلاد برعاية الأمم المتحدة ، كان يستبطن موقف الإخوان ، لذلك وما إن عاد الى طرابلس حتى اجتمع مع قيادة حزبهم العدالة والتنمية ، ليطير خالد المشري رئيس مجلس الدولة الى الدوحة طالبا العون باسم السراج الذي زار بدوره قطر والتقى بأميرها وأعلمه بأنه واقع تحت ضغوطات إقليمية ودولية ، فما كان من تميم إلا أن طمأنه على إمكانية السيطرة على الموقف الخارجي ، داعيا إياه الى الانقلاب على اتفاق أبوظبي ، وهو ما حصل فعلا، انطلاقا من أن لا توافق بين الإخوان والجيش ، وأن لا مستقبل للإسلام السياسي في ظل سيطرة القوات المسلحة على العاصمة ووصول المشير الى طرابلس.
كان همّ السراج هو تحصين الإخوان وتأمينهم قبل حل الأزمة الطاحنة في البلاد، ليس مهما بالنسبة له أن تنشب الحرب وتحتد المعارك ويموت الليبيون وتدمر البنى التحتية ويعاني الشعب من تبعات الصراع وتتسع دائرة الإرهاب إذا كان ذلك في مصلحة الجماعة الإرهابية، وليس مهما حتى لو تم تقسيم ليبيا، وهو ما حاوله فعلا من خلال وقوفه وراء بعث الهيئة التأسيسية البرقاوية ورديفتها الفزانية، وكذلك من خلال دعمه للانفصاليين التبو في جنوب البلاد.
اليوم تتحدث الأخبار عن قرار السراج بتعيين إرهابي ملاحق دوليا ، رئيسا للمخابرات العسكرية لحكومته ، وهو صلاح بادي الميلشياوي الإخواني المرتبط بقطر وتركيا وقائد منظومة فجر ليبيا الإنقلابية الإرهابية في 2014 ، وفي ذلك تأكيد على سعي رئيس المجلس الرئاسي الى تمكين الإخوان وحلفائهم في الجماعة المقاتلة من التغلغل في كامل مفاصل السلطة والمؤسسات والصناديق السيادية في طرابلس بدءا من المصرف المركزي والمؤسسة الليبية للاستثمار والمؤسسة الوطنية للنفط وصولا الى المؤسسات الأمنية والمخابراتية والسفارات والممثليات في الخارج.
وعندما نتابع مواقف حكومة الوفاق وأبواقها من الدول العربية الداعية لمكافحة الإرهاب، نتأكد أكثر من العقيدة الإخوانية التي يحاول السراج إخفاءها أو نفيها عن نفسه، وهي مترسخة في ذاته، فالرجل اليوم هو المدافع الأول عن الجماعة الإرهابية في بلاده، وأكاد أجزم أن الموقف منها هو سر خلافه الحقيقي مع القائد العام للجيش، كما أن الخوف على مصيرها هو السبب الأبرز لحربه اليائسة التي يقودها ضد القوات المسلحة وضد الأغلبية الساحقة من الشعب الليبي
ربما كان من الأفضل للسراج لو أنه أخرج الإخواني الذي بداخله، ليكون المشهد أكثر وضوحا، خصوصا وأنه لا يخفي استقواءه بالتركي والقطري وبعواصم الغرب القريبة من الجماعة وباللوبيات التي تدافع عنها مقابل الاسترزاق من أموالها الكثيرة، لكن الأيام كفيلة بالكشف عن ذلك، ربما عندما يعلن في يوم من الأيام وبصراحة تامة عن ولائه للمرشد العام لإخوان ليبيا.