لم يعد خافيا تماما حجم التدخل التركي في ليبيا،حيث كشفت معركة تحرير طرابلس التي أطلقها الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر منذ الرابع من أبريل/نيسان الماضي،حجم انخراط أنقرة في الصراع وذلك من خلال دعمها للمليشيات المسلحة في محاولة لمنع سقوطها في العاصمة الليبية التي تمثل المعقل الأخير للمسلحين الموالين لتركيا وبوابتها لمواصلة نهب ثروات الليبيين.

ومنذ العام 2011،سعت تركيا في اطار سياسة أردوغان التوسعية استغلال حالة الفوضى التي عصفت بعدة دول عربية لدعم الجماعات الموالية لها لتكون ذراعها للسيطرة على هذه الدول.وتحركت أنقرة لاعادة التموضع في الساحة الليبية بما يضمن استمرار نفوذها في البلاد بهدف الحفاظ على مصالحها في السوق الليبية والمشاركة في رسم مستقبل المنطقة بصفة عامة.ومثل تيار الاسلام السياسي وعلى رأسها جماعة "الاخوان" والمليشيات الموالية لها ذراع أنقرة التخريبية في ليبيا ووسيلتها لنهب ثروات البلاد وتدعيم مصالحها فيه.

انخراط تركيا في الساحة الليبية وبالرغم ن أنه كان واضحا الا أن نظام أردوغان كان يحاول التغطية عليه دائما،فخلال السنوات الماضية تكرر ضبط شحنات السلاح القادمة من تركيا باتجاه الجماعات المسلحة والتنظيمات الارهابية وتواصل معها زعم أنقرة عدم علمها بهذه الشحنات ومحاولة التأكيد على جهودها للتوصل لحلول سلمية في البلاد.

لكن ومع اندلاع المعارك في الرابع من أبريل/نيسان الماضي حين تقدم الجيش الوطني الليبي نحو العاصمة الليبية بهدف انهاء فوضى المليشيات،سارعت تركيا للظهور على سطح الأحداث بحثا عن موقع لها فى ليبيا من خلال خطوة تعكس محاكاة الاستراتيجية التركية فى سوريا بدعم مجموعات محددة فى صراع محلى بغية جنى ثمارها على الصعيدين الدولى والإقليمى.

وتصاعد الدعم التركي للمليشيات،حيث تم ارسال شحنات السلاح الى ليبيا على غرار السفينة التي قدمت في أواخر مايو الماضي من ميناء "سامسون" التركي، محمّلة بأسلحة وذخائر متنوعة وآليات عسكرية إلى ميناء العاصمة طرابلس، حسبما وثقته صور ومقاطع فيديو التقطت على متنها، أظهرت كذلك لحظة تسلّم الشحنة من طرف كتيبة "لواء الصمود" التي يقودها المعاقب دوليّا صلاح بادي.

ولم تكتفي أنقرة بارسال سفن السلاح بل دفعت بعناصرها الى ساحة المعركة حيث تمكنت قوات الجيش الوطني الليبي في أبريل الماضي من القاء القبض على مقاتلين تركيَين اثنين يقاتلان في صفوف الميليشيات التابعة لحكومة الوفاق في معارك طرابلس ضد الجيش الليبي.ونشرت "بوابة إفريقيا الإخبارية" جوازات سفر كانت بحوزتهم أثناء إلقاء القبض عليهم.وهو ما كشف بشكل واضح التدخل التركي السافر في الشأن الليبي بما يخدم مصالحها على حساب الليبيين..

ومطلع يونيو الماضي، نشرت "شعبة الإعلام الحربي" التابعة للجيش الوطني الليبي، على حسابها في موقع "فيسبوك"،شريطًا مصورًا يظهر ضابطًا تركيًّا يدرب المسلحين على قيادة مدرعات تركية وصلت أخيرًا إلى العاصمة الليبية، مشيرة إلى أنّ الفيديو عثر عليه في هاتف أحد المقبوض عليهم.

ومؤخرا كشف الجيش الوطني الليبي توصله إلى مسؤولي إدارة العمليات العسكرية لميليشيا طرابلس وحددهم بالأسماء والمناصب والمهام وذكر أنهم يشاركون في توجيه الطائرات التركية المسيّرة بدون طيار، والتي لعبت دورا محوريا في السيطرة على منطقة غريان الاستراتيجية ومعسكر أبو رشادة.

ويبدو أن انتصارات الجيش الليبي والخسائر التي منيت بها المليشيات الموالية لتركيا قد أفقدت أٍدوغان اتزانه،حيث تحول الرجل ومسؤوليه الى خطاب تصعيدي خطير كشف فيه عن نواياه الواضحة التي تهدف لبسط نفوذ تركيا على ليبيا.ففي آخر تصريح له وصف أردوغان قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر بـ"القرصان"،فيما وصف وزير خارجيته مولود جاويش أوغلو حفتر بأنه "لا يمتلك حسا إنسانيا ويستهدف الشعب الليبي بلا رحمة".

وكان وزير الدفاع التركي خلوصي آكار أعلن أن أنقرة سترد على أي هجوم، تنفذه قوات الجيش الليبي ضد "المصالح التركية"، وذلك بعدما كشف الجيش الوطني الليبي أن تركيا أصبحت دولة معادية وأن خسائر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في ليبيا ستكون كبيرة.واعتبر مراقبون إن التهديد التركي يعد خرقا واضحا للأعراف الدبلوماسية والقانون الدولي، كما أنه يعتبر اعترافا واضحا من أنقرة بالتدخل في الشؤون الليبية ليس فقط عبر الدعم السياسي، بل في تقديم الدعم العسكري للميليشيات في طرابلس.

رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق ومن ورائه جماعة "الاخوان" التي تهيمن على الحكومة في طرابلس صعدوا من تحركاتهم الرامية الى طلب التدخل التركي في ليبيا.فالسراج وبعد زياراته المتعددة الى الدول الأوروبية وفشله في حشد الدعم ضد الجيش الليبي،كثف مؤخرا رفقة مسؤوليه من زيارة أنقرة طلبا للدعم.

آخر هذه اللقاءات كان مساء الجمعة الماضي،حين التقى السراج مع أردوغان في مؤشر جديد على دعم تركي قادم،حيث أفاد موقع استخباراتي أن تركيا تستعد لتسليم حكومة الوفاق الليبية في طرابلس 8 طائرات مُسيرة، وذلك بعد إسقاط الجيش الوطني الليبي لثلاث طائرات بدون طيار، واستهدفت مركز التحكم الخاص بتلك الطائرات بمطار معيتيقة.وأضاف موقع "أفريكا إنتيليجنس" أن رئيس حكومة الوفاق فائز السراج وصل إلى تركيا في زيارة غير معلنة لطلب الدعم العسكري والمادي من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أكبر الداعمين للسراج.

لكن الأخطر من ذلك كان تصاعد الحديث عن توقيع اتفاقية دفاع مشترك بين طرابلس وأنقرة، على الرغم من أنها لم تؤكد من مصدر رسمي حتى الآن، إلا أن عضو المجلس الأعلى للدولة عادل كرموس أوضح أنه يحق لحكومة الوفاق طلب الدعم من تركيا عسكريا، لصد ما وصفه بـ"الهجوم على طرابلس".وفق ما نقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية.

ونقلت الوكالة عن كرموس قوله، أن الليبيين اعتادوا التدخل في شؤونهم وعلى الأرض، وأن حكومة الوفاق في موقف المعتدى عليها، في حين يتيح لها القرار 2441 لمجلس الأمن في عام 2018، طلب الدعم العسكري للقوات الأمنية التابعة لها في مكافحة تنظيمات "داعش"، وتنظيم القاعدة، وجماعة أنصار الشريعة، (المحظورة في روسيا) مهيبا باللجنة أن تنظر في هذه الطلبات على وجه السرعة.

وفي المقابل قال العميد خالد المحجوب، مدير إدارة التوجيه المعنوي في القوات المسلحة الليبية، وآمر المركز الإعلامي لغرفة عمليات الكرامة، إن أي تدخل خارجي يقابل بانتفاضة شعبية عارمة في عموم ليبيا ضد أي قوات أجنبية.وأضاف لوكالة "سبوتنيك"، أن أي تدخل تركي مرفوض من قبل الشعب الليبي، وأن القوات المسلحة عازمة على تحرير طرابلس، كما أن أية محاولات تنسيق من قبل رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج مع أي جهة لن يحول دون تنفيذ المهمة الوطنية، التي خرج من أجلها الجيش الليبي وهي تحرير العاصمة.

طلب التدخل التركي ضد الجيش الوطني الليبي ليس بجديد في الساحة الليبية،فجماعة "الاخوان" المهيمنة على حكومة السراج في طرابلس سبق أن طالبت بهذا التدخل من قبل وخاصة في ظل تقدم القوات المسلحة ونجاحها في تحرير أغلب المدن والمناطق الليبية في شرق وجنوب البلاد من التنظيمات الارهابية والمليشيات الموالية لتيار الاسلام السياسي.

ففي يوليو 2018،طالب عضو المؤتمر الليبي المنتهية ولايته، القيادي في جماعة "الإخوان" المسلمين فرع ليبيا، محمد مرغم، عبر قناة "التناصح" التي يديرها مفتي الإخوان في ليبيا، الصادق الغرياني،  بتدخل تركيا ضد الجيش الوطني الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر.

وقبل ذلك، تحدث رئيس حزب العدالة والبناء، الذراع السياسية لتنظيم الإخوان في ليبيا، محمد صوان، عن إمكانية الاستعانة بتدخل أجنبي في منطقة الهلال النفطي، على خلفية قيام الجيش الليبي بتحريرها من قبضة عصابات إبراهيم الجضران (حليف سرايا الدفاع التابعة للإخوان).ودعا صوان حينها المجلس الرئاسي لطلب المساعدة في مواجهة الجيش الليبي.

وهذه المرة تعتمد جماعة "الاخوان" على حليفها السراج لتقديم غطاء شرعي للتدخل التركي وذلك في ظل ما أحدثته الدعوات الماضية للتدخل الخارجي في ليبيا،من ردود فعل في الاوساط الليبية،حيث وصف نشطاء ليبيون على مواقع التواصل الاجتماعي تصريحات القيادات الإخوانية،بالخيانة،معربين عن رفضهم التدخل التركي أو القطري في الشأن الليبي.

صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية،ألقت الضوء على الدور المشبوه الذي تلعبه تركيا في ليبيا، عبر انحيازها السافر لحكومة فايز السراج المدعومة من الميليشيات المتطرفة المُسيطرة على العاصمة طرابلس،حيث حذرت الصحيفة، من أن التورط التركي في هذه الأزمة -والذي يشمل تقديم أسلحةٍ ومعداتٍ عسكريةٍ إلى قوات السراج- فتح على أنقرة "جبهةً جديدةً فتاكةً" في الصراعات الناشبة بينها وبين القوى المناوئة لها على الصعيد الإقليمي، بفعل السياسات التي ينتهجها نظام أردوغان.

وشددت الصحيفة، على أن تورط نظام أردوغان في دعم محاولات ميليشيات طرابلس لوقف تقدم قوات الجيش الوطني الليبي صوب العاصمة شكّل "تصعيداً دراماتيكياً" في أعمال العنف المرتبطة بالصراعات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط، مُشيرة في هذا الصدد إلى تاريخ الرهانات التركية الخاطئة في هذا الشأن.

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أتراك -طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم- قولهم إن الأسلحة التي تم إمداد حكومة السراج بها، شملت في بادئ الأمر عرباتٍ مدرعةً، قبل أن يتسع نطاق تلك الإمدادات، وتشمل طائراتٍ مُسيّرةً وأنواعاً أخرى من العتاد العسكري.وانتقدت الصحيفة،عدم اتخاذ إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، موقفاً واضحاً حيال تطورات الأزمة الليبية،خاصة في ظل مطالباتٍ من قبل محللين سياسيين في واشنطن، بضرورة فرض عقوباتٍ على تركيا، بسبب دعمها العسكري لحكومة فايز السراج، باعتبار أن هذا الدعم سيؤدي إلى تحويل ليبيا بأسرها إلى "ملاذٍ للمتطرفين والإرهابيين".

وللتغطية على تجاوزاته الخطيرة في ليبيا، سعى أردوغان إلى الاستنجاد بالرئيس الروسي فلاديمر بوتين الذي يحث على تفكيك حكم الميليشيات في طرابلس. وقالت موسكو إن بوتين تباحث مع أردوغان هاتفيا بشأن عدد من القضايا الإقليمية وعلى رأسها الأزمة في ليبيا، والعلاقات الثنائية. وشددا على ضرورة وقف إطلاق النار، والعودة إلى الحوار.ولفت المكتب الصحافي للكرملين في بيان، السبت، أن الاتصال كان بمبادرة تركية.

وجاء الاتصال في أعقاب إعراب الرئيس الروسي، الخميس، عن قلقه من تدفق المتطرفين على ليبيا من محافظة إدلب السورية.وكشفت تقارير ليبية وعربية، خلال الأيام القليلة الماضية؛ أنّ "السلطات التركية كثفت من عمليات تجميع العناصر الإرهابية الفارة من المعارك في سوريا،حيث شرعت في نقلهم جواً إلى الأراضي الليبية لدعم الميليشيات المسلحة المنتشرة في العاصمة طرابلس.

وتحدثت مصادر إعلامية، الخميس، عن "دليل جديد على تورط تركيا في ليبيا"، إذ قالت إن نقل المقاتلين المتطرفين من إدلب السورية إلى ليبيا يتم عبر الأراضي التركية وبواسطة طائرات "شركة الأجنحة" الليبية المملوكة من قبل عبد الحكيم بلحاج، المقيم في إسطنبول.وفق ما أوردت قناة "سكاي نيوز" عربية.

ويرى مراقبون أن ليبيا تدخل في حسابات أنقرة باعتبارها حلا محتملا لعزلتها في شرق البحر المتوسط. ويشير الكاتب التركي براق تويغان إلى أن تركيا قد استُدرجت إلى الصراع بسبب تقاربها الأيديولوجي من عناصر جماعة الإخوان المسلمين البارزة داخل حكومة الوفاق الوطني. فما من أحد ينكر تأثير جماعة الإخوان المسلمين على العلاقات التركية مع دول مثل سوريا والسودان وفلسطين ومصر.

وقد أسفر دعم تركيا المستمر لحكومة الوفاق الوطني وميليشياتها عن وصول الطرفين إلى حد الاعتماد المتبادل على بعضهما البعض؛ فالإسلاميون يحتاجون إلى دعم أنقرة للدفاع عن أنفسهم في مواجهة الجيش الوطني الليبي، بينما تحتاج تركيا إلى الإسلاميين إن كانت تبحث عن نفوذ في البلاد مستقبلا.

وقوف جماعة "الاخوان" ضد انتصارات الجيش الليبي، كشف النوايا المشبوهة للجماعة ودعمها للتنظيمات الارهابية التي تنشر الفوضى في البلاد.وباتت كل مخططات المجموعات المنتمية إلى الإسلام السياسي في ليبيا وعلى رأسها جماعة "الإخوان" مكشوفة لدى الشعب الليبي الذي أدرك أن هذه التنظيمات لا تحاول إلا السيطرة على الحكم وتنفيذ مشروعها التخريبي في المنطقة عبر تسليم ليبيا لتركيا التي تسعى لنهب ثرواتها وتمرير أجنداتها في المنطقة.

وشهدت المدن الليبية تحركات ضد جماعة الاخوان،الذين نددوا بما وصفوه بسيطرة الجماعة على مفاصل الدولة وتغلغلها في مؤسسات الدولة، إضافة إلى تحميلها مسؤولية الفتنة والاقتتال في البلاد.وكان مجلس النواب الليبي،صوت في مايو الماضي على حظر جماعة الإخوان المسلمين واعتبارها جماعة إرهابية، وهي خطوة تمهد لملاحقة أعضاء الجماعة قانونيا.ووفق الموقع الرسمي لمجلس النواب، قال عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بالمجلس، طارق الجروشي، "إن استنجاد تنظيم الإخوان المسلمين بتركيا للتدخل العسكري في ليبيا يدل على قرب نهاية مشروعهم".

ومنذ سنوات،يتعرض الليبيون في العاصمة الليبية طرابلس،في ظل سيطرة المليشيات المسلحة عليها، لشتى أنواع الجرائم من اعتقال تعسفي، خطف، قتل، احتجاز بدون محاكمة في ظل غياب حكومة قادرة على بسط سلطتها على مجموع تراب البلاد.ويرى مراقبون أن إنهاء سيطرة الميليشيات،التي لم تتوانى عن ربط تحالفات مع التنظيمات الارهابية ودول أجنبية لنهب ثروات ليبيا،بات ضروريا للخروج بالبلاد من أزمتها وتحقيق الأمن والاستقرار في ربوعها.