دفع رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية فائز السراج بنفسه في طريق اللاعودة، حارقا آخر أوراقه، بدعوته النظام التركي الى التدخل المباشر لدعم الميلشيات في محاولات تصديها الفاشل لتقدم الجيش الوطني نحو وسط العاصمة طرابلس. 

وحاول السراج تعويم تبعيته المعلنة للأتراك بالزج بأسماء أربعة دول أخرى في عرضه المفتوح لاختراق سيادة الدولة الليبية، وهي الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، وإيطاليا، والجزائر، وذلك تحت يافطة تفعيل الاتفاقيات الأمنية السابقة معها، للتنسيق مع حكومته في مكافحة المنظمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم داعش والقاعدة، وتكثيف التعاون في مواجهة الهجرة غير القانونية، ومكافحة الجريمة المنظمة والمتاجرين بالبشر.

ويرى المراقبون أن هذه الدعوة الصادرة عن السراج بعد اجتماع مساء الخميس الماضي للمجلس الرئاسي المنقوص من أربعة من أعضائه هم موسى الكوني (مستقيل) وفتحي المجبري (مقاطع) وعلي القطراني وعمر الأسود (جمدا عضويتيهما) والذي حضره ممثل الجماعة المقاتلة المرتبطة بتنظيم القاعدة العماري زايد وممثل جماعة الإخوان عبد السلام كجمان وعدد من قادة الميلشيات ، تعتبر آخر ورقة يمكن أن يضع على طاولة المناورات، وستحترق خلال أيام قليلة، خصوصا وأن الدول الخمسة، باستثناء تركيا، لن تتدخل لمساندته في حربه الخاسرة ضد إرادة الشعب الليبي وقواته المسلحة. 

كما أن هناك توافقا دوليا على أن ميلشيات السراج هي التي تعطل الحل السياسي، وتحول دون تحقيق أي تقدم في تجاوز الأزمة، وهي التي تعتمد في صفوفها على إرهابيين ومرتزقة ومهربين وتجار بشر، ولديها تاريخ طويل مع جرائم القتل والخطف والنهب والاغتصاب وتدمير مقدرات الدولة، وبالمقابل قام الجيش الوطني بتطهير أغلب المناطق الخاضعة لنفوذه من الجماعات الإرهابية، ونجح في تأمين الحقول والموانئ النفطية، وفي طرد الجماعات المسلحة التي كانت تسيطر عليها قبل وصول القوات المسلحة إليها.

وكان واضحا أن الموقف الأوروبي، بما في ذلك الإيطالي، رافض وبشدة لأي تدخل عسكري في ليبيا، كما أنه منزعج بالاتفاقية البحرية التي أمضاها السراج مع أردوغان والتي تؤذي دولتين عضوين في الاتحاد الأوروبي وهما اليونان وقبرص وتهدد الأمن والاستقرار في شرق المتوسط، وهو ذاته الموقف الأمريكي في ظل استمرار التواصل بين واشنطن والقيادة العامة للجيش الليبي، أما الجزائر فأن أحد أبرز أسس العقيدة العسكرية لجيشها هو عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى بما في ذلك الجارة كمالي وليبيا.

وتبدو حجة الجيش الليبي ومن ورائه البرلمان المنتخب أكثر إقناعا للرأي العام الدولي من ادعاءات المجلس الرئاسي، فعملية تحرير البلاد من الإرهاب والتطرف والسلاح المنفلت ودواعش المال العام التي أطلقتها القوات المسلحة منذ ربيع 2014، أثبتت جدواها في المناطق المحررة، وخاصة في المنطقة الشرقية، كما أن خريطة الطريق التي أعلنها المشير خليفة حفتر لما بعد تحرير طرابلس تبدو واقعية وقادرة على إخراج البلاد من النفق بعد تسع سنوات عجاف، وتتمثل في تشكيل حكومة وحدة وطنية وكتابة دستور جديد ثم تنظيم انتخابات تحت إشراف دولي في ظل مصالحة وطنية شاملة، بينما لا تزال حكومة الوفاق عاجزة منذ أربع سنوات على اتفاق الصخيرات الذي جاء بها الى الحكم، حتى على تحرير نفسها من سطوة الميلشيات غير المنضبطة، وتطهير دائرة الحكم من الإرهابيين المسيطرين عليها.

ومنذ الرابع من أبريل الماضي أطلق الجيش الوطني الليبي عملية «طوفان الكرامة» لتحرير طرابلس ، وهي العملية التي دعمتها دول عدة ، وتفهمت دول أخرى دوافعها ، ولم يندد بها الى محور الإسلام السياسي وجماعة الإخوان والدول الدائرة في فلكها ومنها تركيا ، وهو ما يعني أن القيادة العامة للقوات المسلحة نجحت في إقناع العالم بموقفها ، في الوقت الذي فشل فيه فائز السراج في تجاوز وضعيته كأسير للميلشيات ، ومع اقتراب الجيش من وسط العاصمة ، وضع جميع البيض في سلة أردوغان، الأمر الذي أغضب الليبيين واستفز الأوروبيين وأغاض العرب وأزعج الروس وزاد من قلق الأفارقة على بوابتهم الشمالية.

اخرج السراج ورقته الأخيرة من جيبه ليزج بنفسه في زاوية التبعية المطلقة لتركيا، ولم يعد أمامه أية ورقة أخرى يلعب بها في الوقت الضائع، إلا أن يكتب إعلان نهايته السياسية.