الترحيب الواسع في داخل ليبيا وخارجها بانتخاب من سيديرون المناصب الكبرى للسلطات التنفيذية في البلد الرازح تحت وطأة أزمته المستفحلة منذ عشر سنوات، لا يخفي وجود تحديات كبرى تفرض على المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية مواجهتها خلال 10 أشهر هي عمرهما الافتراضي الذي سيفصل توليهما السلطة بشكل عملي عن الانتخابات المقرر تنظيمها في الرابع والعشرين من ديسمبر القادم.

وأولى التحديات هو الحصول على ثقة البرلمان خلال فترة لا تتجاوز 21 يوما، بدءا من تاريخ الإعلان عن نتائج التصويت داخل ملتقى الحوار السياسي في جنيف يوم الجمعة، وحتى يتوفر النصاب التشريعي الكامل، وتتوفر التزكية اللازمة في موعدها، سيكون على مجلس النواب الانعقاد بجميع أعضائه المباشرين والمقاطعين، بما في ذلك الأعضاء المشكلون للبرلمان الموازي في طرابلس.

وأوضح فوزي النويري النائب الأول لرئيس مجلس النواب أن رئاسة مجلس المجلس ستقطع الطريق على أي محاولة لإفشال الحكومة الجديدة واستمرار الانقسام في ليبيا، داعيًا البعثة الأممية إلى أن تساعد في توحيد الجسم التشريعي، مطالبًا الدول المتدخلة في ليبيا برفع يدها وترك الليبيين يقررون مصيرهم.

وأكد النويري، في بيان له، دعم رئاسة مجلس النواب للسلطة التنفيذية الموحدة في جهود توحيد كل المؤسسات الليبية المنقسمة، داعيا جميع النواب إلى العودة إلى مجلس موحد، وترك المصالح الشخصية لدعم عمل الحكومة حال نيلها الثقة في تنفيذ خارطة الطريق، والتجهيز للانتخابات، مشددا على أن الشرعية الدولية وحدها لا تكفي، مطالبا رئيس الحكومة المكلف بمساعدة مجلس النواب في منح حكومته الثقة باختياره الكفاءات، مشيرا إلى الحركة السياسية في ليبيا تحتاج لمعالجتها من التصحر السياسي الذي تشهده.

وعقد الجلسة البرلمانية سيواجه بدوره عددا من التحديات، أولا من حيث المكان، فهناك من يرشح  مدينة سرت التي سبق أن حدد رئيس المجلس عقيلة صالح مقر السلطة التشريعية داخلها منذ ديسمبر الماض، لكن هذا الخيار لن يتحقق قبل تطبيق بنود الاتفاق العسكري الذي يشمل فتح الطريق الساحلي وإخلاء المدينة ومحيطها من القوات المتنازعة واستبدالها بقوة مشتركة تتفق عليها قيادة الجيش وميلشيات الوفاق، حيث إن نواب غرب البلاد ومنهم المرتبطون بجماعة الإخوان لن يقبلوا بالحضور الى سرت وهي تحت سيطرة الجيش، وهو ما جعل البعض من البرلمانيين يقترحون عقد الجلسة في مدينة صبراتة. غربي طرابلس، واعتبارها امتدادا لجلسة غدامس في أوائل ديسمبر الماضي.

لكن عقد الجلسة ذاته سيفرض تحديا آخر، فخارطة الطريق التي أعدتها الأمم المتحدة ووافق عليها ملتقى الحوار السياسي، توزع السلطات الانتقالية على الأقاليم الثلاثة، أي أن يكون رئيس المجلس الرئاسي من برقة ورئيس الحكومة من طرابلس، وهذا ما تم حصل الى حد الآن، على أن يكون رئيس البرلمان من إقليم فزان، وهو ما لفت إليه نواب الجنوب عندما دعوا البعثة الأممية الى تشكيل لجنة توحيد البرلمان، وانتخاب رئاسة جديدة من فزان كما هو متفق عليه وفق نظام الأقاليم.

وفي حال عدم التوصل الى عقد جلسة برلمانية جامعة لمنح الثقة للسلطات الجديدة قبل السابع والعشرين من فبراير، ستدعو الأمم المتحدة ملتقى الحوار السياسي للانعقاد وتولى دور السلطة التشريعية في تزكية المجلس الرئاسي والحكومة، ما سيؤدي حتما الى تهميش دور مجلس النواب خلال المرحلة القادمة.

وإذا كان المجلس الرئاسي واضح المعالم بعد تشكله من رئيسه محمد يونس المنفْي ونائبيه عبد الله حسين اللافي وموسى الكوني، فإن تشكيل الحكومة سيحتاج الى مشاورات مضنية لاختيار الشخصيات المناسبة من الأقاليم الثلاثة ، والتوافق حولها، خصوصا في ظل صراع الإرادات وتجاذب المواقف والمصالح بين طرفي النزاع الأبرز وهما الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر، وجماعة الإخوان وحلفائها، إضافة الى طرف ثالث معاد للطرفين السابقين، ويتمثل في ميلشيات طرابلس والمنطقة الغربية الموالية لرئيس المجلس الرئاسي المنتهية ولايته فائز السراج.

وقد أكد رئيس الحكومة المؤقتة بشرق البلاد عبد الله الثني، أن حكومته المنبثقة عن مجلس النواب، مستعدة لتسليم مهامها حال اعتماد الكيان الجديد، لكنه كان واضحا في ربط ذلك بما سمها الكلمة الفصل من مجلس النواب مجتمعاً وبشكل قانوني.

ورغم الاستعدادات القائمة في مدينة سرت لاستقبال السلطات التنفيذية الجديدة ، رجحت البعثة الأممية أن يكون مقر المجلس الرئاسي والحكومة في طرابلس ، وهو ما سيطرح تحديا أمامهما في ظل استمرار سيطرة الميلشيات على العاصمة ، وتدخلها في الشأن الحكومي ،كما حدث مع حكومة الوفاق والحكومات التي سبقتها ، وكذلك في ظل إمعان الإخوان في محاولاتهم الإمساك بمفاصل السلطة ،خصوصا وأن دورهم في نتائج التصويت كان واضحا ، وكذلك الترحيب التركي الذي يثير الكثير من الأسئلة حول موقف نظام أردوغان خلال المرحلة القادمة وخصوصا في ما يتعلق بإجلاء القوات الأجنبية والمرتزقة.

كما أن أغلب المراقبين يتساءلون عن طبيعة العلاقة التي ستكون بين السلطات الجديدة وقيادة الجيش ،في ظل إصرار الإخوان وحلفائهم والميلشيات والجانب التركي على إقصاء المشير حفتر من المشهد العام ، ، لكن  المبعوثة الأممية بالإنابة في ليبيا، ستيفاني ويليامز، أعطت إشارة مهمة لمن يقرأ من وراء السطور وهي إن القائد العام للجيش الليبي خليفة حفتر عبر لها شخصيا عن دعمه لملتقى جنيف، وقبل ممثلوه بنتائج الاقتراع على السلطة التنفيذية المؤقتة ، مشيرة الى أن قيادة الجيش كانت حاضرة في ملتقى الحوار السياسي من خلال ممثليها.

وترى مصادر مطلعة ، أن في حالة الاتفاق على أن تمارس السلطات الجديدة مهامها من طرابلس ، سيستمر الوضع على ما هو عليه في وسط البلاد ، ولن يتم تنفيذ بنود الاتفاق العسكري بحذافيرها إذا حصل اتفاق حقيقي بين الحكومة الجديدة وقيادة الجيش، وخاصة حول الوزارات السيادية بما فيها الدفاع ، كما أن الجيش لن يغادر مواقعه الحالية لفائدة قوة مشتركة قبل الحسم في قضية طرد القوات الأجنبية والمرتزقة وقبل أن يتأكد من أنه غير مستهدف من السلطات الجديدة التي ستبقى  في هذه الحالة تراوح مواقع سيطرة حكومة الوفاق لا غير.