تتواصل بجامعة القرويين بمدينة فاس المغربية ، ما يصطلح عليه في المغرب  بـ "الكراسي العلمية"، لتخريج أفواج جديدة من طلبة العلوم الشرعية، من فقه وأَصول وشريعة.

وبهذا انحسر دور هذه الجامعة العتيقة، في تلقين وتدريس مثل هذه العلوم بعد كانت تخرج كالأزهر الشريف مثلا، أفواجا من العلماء في كل التخصصات، منها الرياضيات والطب والهندسة.

فاس ، حاضرة الأدارسة :

تقسم فاس إلى فاس القديمة، وفاس الجديدة، وقد بنيت في القرن الثالث عشر الميلادي، وتعد أول عاصمة سياسية للمغرب، ويعود تاريخها إلى القرن الثاني الهجري، عندما قام إدريس بن عبد الله مؤسس دولة الأدارسة عام 172هـ الموافق لعام 789م ببناء مدينة على الضفة اليمنى لنهر فاس، وسميت فاس؛ لأن الإمام إدريس كان يعمل بيده عند الشروع في بنائها، فصنعوا له فأسا من ذهب، ليبدأ بها الحفر، وقيل: إنه عند الحفر عثر بها على فأس كبيرة، وقيل: هو تحريف لاسم قلعة قديمة كانت تشغل موضع فاس الحالية.

وقد وفد إلى مدينة فاس عشرات العائلات العربية من القيروان ؛ ليقيموا أول الأحياء في المدينة والذي عرف باسم عدوة القرويين، كما وفد إليها الأندلسيون، الذين أرغموا على الهجرة من الأندلس؛ ليكونوا حي عدوة الأندلسيين، وكان هناك حي خاص لليهود وهو حي الملاح.

وبعد وفاة إدريس الأول بعشرين سنة أسس ابنه إدريس الثاني المدينة الثانية على الضفة اليسرى من النهر، وظلت المدينة مقسمة هكذا إلى أن دخلها المرابطون، فأمر يوسف بن تاشفين بتوحيدهما وجعلهما مدينة واحدة، فصارت القاعدة الحربية الرئيسية في شمال المغرب للدول المتتالية التي حكمت المنطقة، بالإضافة لكونها مركزا دينيا وعلميا في شمال إفريقيا.

في التاريخ الحديث، كانت فاس عاصمة للمملكة المغربية حتى 1956م، العام الذي تم فيه تحويل العاصمة إلى مدينة الرباط، بينما  اختيرت مدينة فاس كإحدى مواقع التراث العالمي من قبل اليونسكو عام 1981م.

- إنشاء جامع القرويين وتاريخه:

جامع القرويين هو أشهر مساجد مدينة فاس وأكبرها، ويقال: إنه أكبر مساجد شمال إفريقيا، ويعد أكثر مساجد المغرب شهرة، باعتباره أقدم جامعة إسلامية، أسسه  إدريس الثاني سنة 193هـ، إلا أنه كان في نشأته الأولى صغيرا ، وعرف بجامع الشرفاء أو الأشراف، ثم قامت امرأة من نساء القيروان هي فاطمة الفهرية عام 245هـ/859 م؛ حيث وهبت كل ما ورثته من أموال لبناء الجامع، ونال بعد ذلك اهتمام أهل المدينة وحكامها.

وبفضل هذا الاهتمام البالغ الذي كان يحظى به جامع القرويين، وخاصة في العهد المريني، دخل المرحلة الجامعية؛ حيث بنيت العديد من المدارس حوله ليستجمع عناصر النهضة ومقومات التطور، فتوفرت له خصائص ومميزات الجامعة،  بعد أن تم  استقدام الأساتذة واستقبال الطلبة وتقرير المواد والعلوم المدروسة والإجازات، وتكوين مكتبة علمية متنوعة التخصصات.

كل ذلك أضفى على الجامع صفة الجامعة، وأسبغ عليه طابع المؤسسة الجامعية في المفهوم الحديث.

وهكذا ظل إشعاع جامعة القرويين مشعًّا على العالم الإسلامي لمدة قرون من الزمن، وكونت بذلك أجيالا من العلماء الذين طبقت شهرتهم الآفاق ولا يزال عطاؤهم وإنتاجهم العلمي والفكري قائمًا ينهل منه الباحثون جيلا بعد جيل.

وعن جامع وجامعة القرويين قال المستشرق الروسي جوزيه كريستوفيتش، : "إن أقدم كلية علمية في العالم ليست في أوروبا- كما يظن البعض- بل في إفريقيا في مدينة فاس، فقد تحقق بالشواهد التاريخية أن جامعة القرويين كان يتوارد إليها الطلبة من أنحاء أوروبا، فضلاً عن بلاد العرب الواسعة.."، وذكر الكاتب البريطاني "روم لأند" قوله: ".. شُيّد في فاس في أيامها الأولى جامع القرويين الذي هو أهم جامعة وأقدمها وهنا كان العلماء منذ ألف سنة يعكفون على المناظرات الفلسفية والأبحاث الدينية، وكان المثقفون يدرِّسون التاريخ والعلوم والطب والرياضيات..".

كما يؤكد مستشرقون آخرون أن الدول الإسلامية عرفت نظام الجامعات قبل الدول الغربية، وأن جامع القرويين وجامع الأزهر وجامع الزيتونة أسبق من جامعات السوربون، وكمبردج، وأكسفورد.