أكد مندوب ليبيا الدائم لدى الأمم المتحدة، طاهر السني، أن هناك ثلاث ملفات فقط تهم المجتمع الدولي في ليبيا ويتحرك بخصوصها، وهي استمرار تدفق النفط، وقف الهجرة إلى أوروبا، ومكافحة الارهاب، غير ذلك ما يحدث في الداخل الليبي ومشاكله السياسية غير مهم وليست أولوية.
وحذر السني في كلمته أمام مجلس الأمن خلال جلسته المخصصة للنظر في البند المعنون "الحالة في ليبيا" من انفلات الأوضاع في ليبيا في أي لحظة ما لم يتم إيجاد حلول جذرية للأزمة بعيداً عن التدخلات الخارجية والمناورات السياسية
وقال السني إن الجميع تابع سلسلة الأحداث المتوالية والمتسارعة سواء المحلية منها أو الدولية ، مؤكدا أنها أحداث مؤسفة وتوترات لا يمكن فصلها عن واقع الانسداد والانقسام السياسي الحالي
وأشار السني إلى أن اشتباكات طرابلس روعت الأهالي وراح ضحيتها قتلى وجرحى بينهم مدنيين من أطفال ونساء، ولولا تدخل القيادات الوطنية الفاعلة وحكمتها، سواء قيادات سياسية أو عسكرية أو اجتماعية، وما قامت به من مساعي للتهدئة، لتزايدت وتفاقمت الأوضاع ليس في طرابلس فقط بل وفي مدن ومناطق أخرى.
وأضاف رغم هذه الجلسات عن ليبيا التي أصبحت تُعقد شهرياً ، لازال يقف مجلسكم عاجزاً نتيجة الانقسام الذي يعانيه، بل أصبحت الإحاطات التي نسمعها مكررة ودون فاعلية وكأنها نشرات إخبارية مقدمة من قنوات إذاعية دولية مختلة مليئة فقط بعبارات القلق والإدانة والاستنكار مؤكدا أن الشعب الليبي فقد الأمل في هذا المجلس وكذلك شعوب العالم
وبين السني أنه منذ بدء الأزمة في ليبيا تم عقد أكثر من 172 جلسة في مجلس الأمن، وصدر 27 تقرير أممي، و 19 تقرير لفريق الخبراء، و 23 تقرير للمحكمة الجنائية الدولية والنتيجة لا شيء وأضاف بخلاف سلسلة العقوبات التي صدرت ضد ليبيا وبعض الشخصيات في 2011، هل سمعنا بعدها عن أي عقوبات ضد دول أو أفراد ممن عرقلوا أو انتهكوا قرارات مجلس الأمن ؟ هل سمعنا عن نتائج تحقيقات بعثة تقصي الحقائق ولجان حقوق الانسان أو المحكمة الجنائية الدولية - ضد الانتهاكات أو جرائم الحرب؟ لا لم نسمع شيء حتى الآن…لذلك من الواضح أن الأمر كله كان ولازال مُسيّساً.
وتابع السني أن من أكثر الأشياء الغريبة والمتناقضة مثلاً، مطالبة الليبيين بضرورة العمل على إيجاد حلول بقيادة وملكية ليبية، ولكن على أن تكون برعاية أممية ودولية، كون ليبيا تحت الفصل السابع ” لأنها تهدد السلم والأمن الدوليين" ، فكيف إذن تريدون أن تكون الحلول ليبية خالصة ؟
وزاد السني "بالنظر للأحداث منذ 2011 وحتى اليوم ، لا ندري بصراحة هل ليبيا هي التى تهدد السلم والأمن الدوليين ـ أم الدول المتدخلة والمتصارعة على أرضها هي مصدر هذا التهديد ! فلم يُترك لليبيين الفرصة للخروج بحلول وطنية دون أن تنال خِتم وتصديق المجتمع الدولي، ولا استطاع مجلس الأمن التوافق على أي حلول دولية برعاية البعثة الأممية، وكيف لنا مثلاً أن نرى حلاً وبقيادة البعثة الأممية، وحتى الآن ولأكثر من عشرة أشهر - لم يتم التوافق بعد على تمديد ولاية البعثة الأممية ، ولا التوافق على تعيين ممثل الأمين العام الجديد، وهو سيكون المبعوث التاسع خلال أحد عشر عاماً، فما هو الحل إذن؟".
وتابع السني أنه من الأفضل بعد هذه السنوات أن يتم تغيير اسم وتفويض البعثة الأممية من بعثة الدعم في ليبيا، إلى بعثة التوافق الدولي على ليبيا.
وشدد السني على أن المواطن الليبي سئم من حالة التشظي الدولي والصراعات الداخلية اللانهائية، وهو ما انعكس بشكلٍ مباشر على حياته اليومية وعلى الوضع الاقتصادي والأمني في البلاد.
وزاد السني لقد شهدنا جميعاً مطلع هذا الشهر خروج طيف واسع من الشباب والمواطنين للتظاهر في عدد من المدن الليبية، خرجوا بعد وصولهم لحالة من اليأس وفقدانهم للثقة في الجميع، خرجوا وقد ملّوا كافة المبادرات والمساومات، خرجوا وقد أنهكهم تردي مستوى الخدمات وانتشار السلاح والمجموعات المسلحة ، خرجوا ضد التغييب القسري وكتم الأفواه، خرجوا مطالبين بكسر الجمود الحالي وانهاء كافة الأجسام السياسية ، خرجوا مطالبين بتجديد الشرعية الشعبية من خلال اجراء الانتخابات العامة، والتي يأملون من خلالها تحقيق بعض من الاستقرار وتحسين الأوضاع المعيشية والخدمات الأساسية.
وتابع السني لذا وجب علينا اليوم أن ننقل لكم صوت هذا الشارع وهذا الحراك، ووجب عليكم الاستماع إليه وأخذه بجدية، لما تتحملونه أيضاً من مسؤلية أخلاقية لما وصلت إليه الأمور، ألستم من المفترض رعاة الحل في ليبيا؟ لذا عليكم الاستماع لهذا الصوت الذي يعبر عن غالبية الشعب الليبي، ورغبتهم الجامحة لانهاء هذا الكابوس والخروج من دوامة الصراع والأزمات اللانهائية
وأضاف السني أنه بالرغم من الجهود الايجابية والآمال المعقودة لحدوث توافق بين مجلس النواب ومجلس الدولة، حول المسار الدستوري أو القاعدة الدستورية بعد عدة لقاءات جرت بينهما، وكان آخرها لقاء رئيسي المجلسين في جنيف، ألا أنه رغم التوافق الكبير في معظم النقاط، لم يتمكنا بعد من الوصول إلى توافقٍ كامل ونهائي، وفي هذا الاطار بدأ المجلس الرئاسي بالتواصل مع الأطراف المعنية لمحاولة تقريب وجهات النظر والوصول إلى التوافق المنشود، وفي هذا الصدد فأننا ندعو الجميع بدعم هذه الجهود والعمل على إنهاء النقاط الخلافية حتى يُمكن إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في أقرب الآجال وعلى أسس سليمة والتي يتطلع اليها كل الليبيين .
وبين السني أنه من نتائج التدخل الدولي وانقسامه، ما يواجهه الاقتصاد الليبي حالياً من تحديات هائلة، سببها استمرار انقسام مؤسسات الدولة وعدم الوصول إلى حلول سياسية شاملة، وما الإغلاق المتكرر للموانئ والحقول النفطية إلا أحد هذه التحديات، والتي تهدد بشكلٍ مباشر الاقتصاد الوطني والأمن الغذائي، خاصة في ظل ما يشهده العالم بسبب الأزمة الدولية الراهنة وما تبع ذلك من تضخم وارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية.
وشدد السني على أنه رغم عودة إنتاج وتصدير النفط مؤخراً وإيجابية هذه الخطوة، فمن الضروري النظر إلى جِذر المشكلة، وعدم الالتفاف عليها بتقديم حلول تلفيقية غير واقعية، لأن المواطن الليبي أينما كان - من حقه أن ينعم بثرواته ويشهد التوزيع العادل لها ، بعيداً عن احتكار بعض الأشخاص وبعيداً عن التدخلات الخارجية ومحاولة بعض الدول التحكم في رزقه أو فرض الوصايا عليه بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، إن الحل يكمن ببساطة في دعم إرادة الليبيين في قيام دولة مستقرة وبدستورٍ يحدد نظامها السياسي والاقتصادي وآلية إدارة الموارد وتوزيعها، مما يحفظ هيبة الدولة وسيادتها
وأكد السني أن الشارع الليبي يتفائل بأي لقاءات تجمع الأطراف الليبية المختلفة، وبالأخص يستمر التفاؤل بالدور التي تقوم به اللجنة العسكرية المشتركة والقيادات العسكرية، التي استأنفت اجتماعاتها في عدة مدن ليبية والتي كان آخرها في العاصمة طرابلس، حيث أكدت هذه القيادات ابتعادها عن التجاذبات السياسية، وحرصها على أن تكون هذه اللقاءات نقطة انطلاق لتوحيد المؤسسة العسكرية وإنشاء جيش ليبي موحد تحت قيادة مدنية، واحتكار الدولة فقط للسلاح، وإنهاء كافة أشكال التواجد الأجنبي في ليبيا بكل أنواعها ومسمياتها لذا من الضروري دعم هذه الجهود لتحقيق أهدافها والتي تساهم في تعزيز بناء الثقة، وحتى تنجح هذه الأهداف من الضروري الخروج من الانسداد السياسي الحالي، والعمل على استقرار الوضع الاقتصادي، حتى تكون كافة الحلول والمسارات السياسية والأمنية والاقتصادية، مكملة لبعضها وتلتقي جميعها من أجل بناء قواعد الدولة المدنية ذات السيادة
وأردف السني أن هناك قوى دولية بعينها تخشى فكرة الانتخابات لعدم ضمان نتائجها مما قد لا يخدم مصالحها الضيقة.
وجدد السني التأكيد على أن الحل لجميع ما يطرح من مشاكل وتحديات للسلم والأمن الدوليين كما يزعم مجلس الأمن، مثل تواجد المرتزقة والقوات الأجنبية، وانتشار السلاح والمليشيات، ومشكلة الإرهاب وبؤرها والشبكات الإجرامية وتهديدها لدول الجوار والدول الاقليمية، ومشكلة الهجرة وتحدياتها الإنسانية، ومشكلة الطاقة وتأثيرها على الساحة الدولية.
وأكد السني أن جميع هذه المشاكل وغيرها يمكن أن تُحل بإعطاء القيادة والُملكية فعلاً لليبيين ، ونقطة الانطلاق تبدأ بالاستماع والاستجابة إلى صوت المواطن وصوت الشارع، الاستماع إلى قرابة ثلاثة مليون ناخب حددوا موقفهم وطلبهم، الشعب يريد تجديد الشرعية، وإجراء الانتخابات واختيار قياداتهم وممثليهم بأنفسهم، الشعب الليبي يعلم أن الانتخابات هي وسيلة وليست غاية، ولكنها بداية وخطوة مهمة للوصول إلى دولة قوية موحدة ومستقرة، تفرض سيطرتها على كامل التراب الليبي، وهذا لا يأتي إلا بوقف التدخلات السافرة في شأننا من عدة دول وتصدير الأزمات لنا.
وأضاف أتركوا الليبيين وحدهم للتوافق حول المسار الدستوري وتوحيد المؤسسات لإجراء الانتخابات في أقرب الآجال، انتخابات حرة ونزيهة، تحقق المشاركة السياسية الواسعة دون إقصاء، وتضمن الحد الأدنى من التوافق الوطني وتابع رغم كل هذه التحديات، كلنا ثقة بأن ليبيا وبعزيمة شعبها ستعود قوية متعافية وإن طال النضال، فدوام الحال من المحال.