يعد وناس أحد أبرز الوجوه على الساحتين الثقافية والفكرية بتونس، إذ تخصص في السوسيولوجيا الثقافية والسياسية والإنثروبولوجيا، وتقلد العديد من المناصب بوزارتي الثقافة والإعلام، والتعليم العالي. ويعد من أبرز الباحثين المختصين بالشأن الليبي، وقضى سنوات خلال تسعينيات القرن الماضي في ليبيا يدرس المجتمع ميدانيا، وله دراسات وكتب منشورة عن ذلك البلد، لعل أبرزها "الشخصية الليبية ثالوث القبيلة والغنيمة والغلبة" وهو بحث انطلق فيه من مصطلح "الشخصية القاعدية" للشعب الليبي.

وقام وناس بتأليف نحو 20 كتابا أبرزها "الشخصية التونسية.. محاولة في فهم الشخصية العربية، ، الخطاب العربي الحدود والتناقضات، ليبيا التي رأيت وليبيا التي أرى: محنة البلد" وغيرها.

كما ترجم العديد من المؤلفات أبرزها "صدام الحضارات" للمؤلف الأميركي الشهير صامويل هانتنغتون.

في تحية علي الكنز

احميدة عياشي: منذ أيام غادرنا المثقف وعالم الاجتماع علي الكنز، توقفت عند سماعي للنبأ وغرقت في صمت هادئ وحميم، لم أسارع إلى التعبير عن حزني على صفحتي،بل استعدت في وحدتي. اللحظات الأخيرة التي جمعتني وإياه رفقة حرمه بمقهى قبالة البريد المركزي،،

في ذلك اللقاء الأخير الذي يقارب عمر الكوفيدا،جلسنا على فنجان قهوة، تحادثنا عن الكتابة والسياسة ومستقبل الوطن،كان متعبا لكن تلك الابتسامة التي لا تنسى بقيت طيلة اللقاء حية على شفتيه،لم أشعر لحظة خلال لقائنا الأخير الذي بدا فيه فعلا متعبا أن شجاعته كانت تخونه في مواجهة مرضه(السرطان)،كانت كلماته مليئة بالأمل لكن ذلك الأمل الذي يشيع فيك كآبة التفكير ومواصلة السير على طريق عامر بالمسالك الوعرة،،

كان لقائي الأول به في مطعم لابراس في بداية التسعينيات عندما صدر كتابي عن الحركة الاسلامية في الجزائر عن دار الحكمة تحت اشراف استاذ علم الاجتماع مصطفى ماضي،اثنى على أهمية الكتاب الذي كان الأول من نوعه في التأريخ للحركة الاسلامية في الجزائر بتلك الطريقة التوثيقية. وقد وضع غلافه وفهرس في عدد من اعداد مجلة نقد الذي ساهم في ميلادها واطورها،،

تكررت لقاءاتنا منذ الوقت العصيب الذي اضطر فيه ليغادر الجزائر الى تونس ثم الى فرنسا بعد ان باتت حياته مهددة مثله مثل العشرات من المثقفين،خاصة بعد اغتيال صديقيه وزميليه،جيلالي اليابس وامحمد بوخبزة بشكل درامي وفظيع

في نهاية العشرية الاولى من الألفينيات دعوه الى تقديم مداخلة في فضاء بلاصتي حول الثقافة واللغة،وطرح يومها ان يكون شكل كتابة الامازيغية بالعربية وذلك من اجل ان يساهم ذلك في توطيد العلاقة بين الثقافتين العربية والامازيغية من اجل توطيد أسس الدولة الوطني ثقافيا لكن مثل هذه الدعوة ووجهت بنوع من التهجم العنيف من قبل ذوي الفكر الآحادي، وآلمه ذلك التعامل القاسي وغير الديموقراطي مع اطروحته،،

اهتم علي الكتز بالانفتاح على العالم الاسيوي وبالنخبة الاسيوية في مراحل عمره الاخيرة،وكان يقول لي ان النخبة الجزائرية ازدادت انغلاقا على نفسها وهي اليوم بخاجة الى توسيع افاقها بالتحرر من تقاليدها الرتبطة بشكل كبير بكل ماله علاقة بالثقافة الفرنسية،،

ترك صديقنا علي الكنز،كتابا مهما، حول الأزمة الثقافيك والمعرفية في الجزائر والعالم العربي وتأملات حول التاريخ الاجتماعي للثقافة والمثقفين والدين والتعليم والممارسة الاكاديمية في محال الاجتماع في الحزائر والعالم العربي،،

ان الكنز كان من وجوه الانتلجنسيا التي حاولت كسر قيد العزلة والانغلاق وما يحول بيننا وبين الحداثة متعددة المشارب،،المثقفون والحامعيون مطالبون اليوم باعدة قراءته ضمن المتن الفكري الوطني الذي ساهم في تشكيله عدد من المثقفين الجزائريين مثل مصطفى الاشرف وعبد الله شريط وسعد الله ابو القاسم والركيبي ورضا مالك ومولود معمري واحمد رواجعية ومحمد حربي ولرجان وناصر جابي وغيرهم.

إنجازات علي الكنز

بوداود عمير:من الانجازات المهمة للمفكر والباحث السوسيولوجي علي الكنز الذي غادرنا قبل يومين رحمه الله، إلى جانب تأليفه لمجموعة معتبرة من الكتب والدراسات القيمة في مجال تخصصه؛ إشرافه على سلسلة أنيس، كان مكلفا بالعلوم الإنسانية، وكانت اختياراته ضمن هذا الإطار، تعكس سعة إطلاعه وإلمامه الواسع بهذه العلوم، خاصة تخصصه علم الاجتماع.

من منا لا يملك كتبا في إطار سلسلة أنيس؟

كانت تصدر سنوات التسعينيات عن المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية، باللغتين العربية والفرنسية، وكانت مكسبا حقيقيا للقارئ الجزائري، فقد سعى المشرفون عليها على إتاحتها على شاكلة كتب الجيب، وبسعر زهيد جدا، وقد حرصوا على أن يتضمن كل كتاب، مقدمة وافية، تتضمن تعريفا بالكاتب والعمل موضوع النشر؛ مقدمة ساهم في كتابتها نخبة من ألمع الكتّاب والأكاديميين الجزائريين.

سلسلة أنيس تضمنت كتبا متنوعة من التراث العربي والإسلامي والإنساني: من ابن طفيل، ابن حزم، ابن بطوطة، إلى المنفلوطي، توفيق الحكيم، جبران، إلى كتّاب عالميين، على غرار جورج ساند، موباسان، باشلير، اندريه جيد، همنغواي...

سلسلة أنيس، أفادت كثيرا بسعرها وتنوع كتبها وجودة طباعتها، الباحثين والطلبة الجامعيين والقراء الجزائريين بصفة عامة. كانت انجازا ثقافيا عظيما، وأنا أطالع بشغف واهتمام كتبها التي أملك كثيرا منها باللغتين، أنحني إجلالا واحتراما، أمام من كان وراء فكرة إطلاق هذا الانجاز الثقافي العظيم، وتجسيده وتنفيذه، يتصدرهم المفكر والباحث علي الكنز رحمه الله.