يتواصل انهيار الوضع الأمني في مدينة بنغازي شرق ليبيا، وسط نزوح جماعي لمئات المدنيين خاصة في منطقتي قاريونس وبوصنيب التي تشهد اشتباكات عنيفة منذ أربعة أيام بين الجيش الليبي ومواطنين من جهة والجماعات المتشددة وفي مقدمتها تنظيم أنصار الشريعة من جهة أخرى.

ويحاول الجيش الليبي المدعوم من قبل الأهالي استعادة المدينة التي يسيطر عليها المتشددون منذ أشهر، وقد أحرز تقدما في عدد من المناطق داخلها إلا أن المتابعين يرون أن حسم المعركة لن يكون سهلا.

وكان 23 شخصا على الأقل قتلوا، الجمعة، ببنغازي في معارك وهجمات انتحارية، لترتفع حصيلة القتلى منذ بدأ الجيش هجومه على الميليشيات الإسلامية منذ الأربعاء الماضي إلى 57 قتيلا.

واللافت وفق المراقبين للتطورات الجارية في بنغازي استخدام الجماعات الإسلامية للسيارات المفخخة في المعارك مع الجيش، حيث قام مساء الجمعة انتحاري بتفجير نفسه بسيارة مفخخة قرب حاجز أمني يقيمه الجيش في منطقة بوهديمة في وسط المدينة، وفق ما أفاد به مصدر وشهود عيان.

وأوضح شهود عيان أن النقطة الأمنية قد استهدفتها “عملية انتحارية بسيارة مفخخة”، فيما ذكر مسؤول في مركز بنغازي الطبي أن “أربع جثث بينها أشلاء لانتحاري وصلت للمركز ليل الجمعة جراء استهداف الحاجز الأمني”، لافتا إلى أن “جريحا في حالة خطرة أدخل إلى غرفة العمليات وقد بترت ساقاه”.

وعقب الهجوم الانتحاري أغلق سكان منطقة بوهديمة والمناطق المجاورة لها الطريق الدائري الثالث السريع، وهو من أكبر الطرق الحيوية في المدينة وأكثرها ازدحاما كون العملية وقعت أسفل الجسر المؤدي إلى هذه المنطقة.

وهذه ثالث عملية انتحارية تستهدف الجيش ونقاطا أمنية، منذ بدأت معركة بنغازي التي أعلن عنها الجيش.

ويرى خبراء عسكريون أن استخدام الجماعات المتشددة للسيارات المفخخة يعكس، حالة الارتباك في صفوفه وضعف قدرته على المواجهة، خاصة بعد النجاحات التي حققها الجيش خلال هذا الأسبوع.

وفي بيان له توعد تنظيم أنصار الشريعة، الذي تحدثت مصادر مقربة عن مبايعته لتنظيم الدولة الإسلامية، بالانتقام من مساندي الجيش واللواء المتقاعد خليفة حفتر.

وقال التنظيم :”والله لنثأرنّ ولو بعد حين وسترون من التنكيل بكم ما الله به عليم”، حسبما ذكرت “بوابة الوسط” الليبية أمس السبت.

ودعت الجماعة من أسمتهم “المجاهدين” لقتال مؤيدي حرب الكرامة قائلة: “كونوا أشدة على الكافرين الظالمين المعتدين، وإن قتالهم فرض عين وإن المتخلّف عنه من الآثمين”.

يذكر أن جماعة أنصار الشريعة والتي تسيطر على بعض المناطق بمدينة بنغازي أصبحت تتحرك بصورة علنية في الآونة الأخيرة حتى بعد أن تم إعلانها رسميا كمجموعة إرهابية بقرار من مجلس النواب الليبي المنتخب.

وفي سياق ردود الأفعال عن المعارك الدائرة في عدد من المناطق والمدن الليبية وخاصة ببنغازي، قالت ديبورا جونز سفيرة الولايات المتحدة لدى ليبيا في سلسلة تغريدات لها عبر موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” إن “مواجهة المنظمات الإرهابية ضرورة، وتجب مواجهتها من قبل جيش نظامي تحت سيطرة سلطة مركزية ديمقراطية”، في انتقاد مبطن للقوات العسكرية المؤيدة للواء حفتر.

وقالت جونز في تغريدة أخرى “إننا ندين الهجوم المتواصل لأنصار الشريعة ضد الشعب الليبي”، لافتة إلى أن بلادها “تدين بشدة العنف المتواصل في ليبيا، وتدعو إلى وقف فوري له من أجل السماح باستمرار العملية التي تقودها الأمم المتحدة (…) وأنه لا يوجد حل عسكري”.

وأشارت إلى أن واشنطن “صنفت أنصار الشريعة في بنغازي ودرنة كمنظمات إرهابية في يناير 2014″، وهو ما توافقت معه السلطات الليبية الانتقالية بعدئذ.

تصريحات جونز التي وجهت فيها انتقادات إلى اللواء حفتر دفعت بالمتحدث باسم رئاسة الأركان العامة للجيش العقيد أحمد المسماري للإعلان عن أن الجيش النظامي يدعم العمليات العسكرية التي يقوم بها اللواء في بنغازي وغيرها من المدن.

وقال المسماري إنه “عقب تعيين رئيس الأركان العامة للجيش اللواء عبدالرازق الناظوري من قبل البرلمان الليبي في سبتمبر الماضي باتت ما تعرف بعملية الكرامة إحدى عمليات الجيش الليبي النظامي”، كما أعلنت الحكومة المؤقتة دعمها للعمليات.

ويخشى المجتمع الدولي أن تتحول ليبيا في ظل الفوضى المستشرية إلى مركز للجهاديين، خاصة مع تواتر التقارير الاستخبارية التي تتحدث عن وجود خزان بشري في ليبيا ينهل من أيديولوجيا التطرف، فضلا عن أن هناك العديد من الجماعات في هذا البلد تستعد لإعلان مبايعتها لتنظيم الدولة الإسلامية المعروف بداعش.

كما أن هناك هواجس كبيرة من أن يلتحق عناصر تنظيم داعش الموجودون في كل من سوريا والعراق بالجماعات الإسلامية في ليبيا في ظل التضييق الكبير الذي يواجهونه من قبل التحالف الدولي، حسب صحيفة العرب.

وكان برناردينو ليون المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا حذر، الخميس من “تواجد عناصر متشددة في ليبيا”.

وذكر ليون في لقاء تلفزيوني أن “هناك تقارير تفيد بأن المجموعات التابعة لداعش (تنظيم الدولة الاسلامية) بدأت تتحرك في منطقة الساحل الأفريقي ومن بينها ليبيا، لذا علينا العمل على عزلها ومحاربتها، وهذا سبب آخر وجيه يدفع الأطراف المتنازعة في ليبيا إلى الاتفاق”.