في الآونة الأخيرة، خصصت حيزا كبيرا من الوقت لمواكبة التطورات في درنة، المدينة الشرقية التي سقطت في قبضة "الدولة الإسلامية". لقد أجريت مقابلات مع المواطنين الذين غادروا مؤخرا المدينة وأحاول جهدي لربط اتصالات مع الباقين هناك ممن هم على استعداد للحديث.
يزعم الجهاديون أنهم يحاولون نشر صيغة أصيلة للإسلام في المجتمعات التي يسيطرون عليها، خالية من "تأثيرات العصر الحديث الفاسدة". ويطبق حكام "الدولة الإسلامية" الجديدة في درنة نسختهم الخاصة، بفرضهم قانونا اجتماعيا صارما جديدا، مخالفا لفهم الكثير من الليبيين للممارسة الصحيحة للدين الإسلامي: حرّموا التدخين وفرضوا قواعد جديدة صارمة لأداء صلاة الجماعة. أضف إلى ذلك فرضهم ضرائب وغرامات جديدة لتمويل المؤسسات التي أقاموها منذ وصولهم. وبالرغم من أنه يصعب قياس مدى لا شعبية هذه الممارسات، إلا أنه يتضح أن الكثير من السكان اختاروا التعبير عن رفضهم بترك منازلهم في المدينة والعيش كلاجئين بدل الخنوع لحكم "الدولة الإسلامية".
ومن أكثر الأمثلة تعبيرا عن هذا الاختلاف مع سياسة "الدولة الإسلامية" ذلك الذي يتعلق بزواج القاصرين. في أكتوبر 2014، قامت مجموعة من الجهاديين الليبيين والأجانب، الذين كانوا يسيطرون على جزء من درنة لبعض الوقت، بإعلان ولائهم "للدولة الإسلامية"، ومنذ ذلك الحين، ارتفعت نسبة تزويج الفتيات الصغيرات لكبار السن من الرجال (رغم أننا حذرون في التعامل مع بعض التقارير المثيرة في بعض الأوساط تتحدث عن "طفرة" كبيرة في تزويج الفتيات في درنة).
مثلا، سمعنا عن زواج قائد ليبي معروف في المدينة، اسمه أبو سفيان بن قمو ويبلغ من العمر 55 عاما، بطفلة تبلغ 16 ربيعا. ومعروف أن بن قمو هو أحد قادة أنصار الشريعة، الجماعة المتطرفة المسؤولة عن قتل السفير الأمريكي، كريستوفر ستيفن في 2012، ومعلوم أيضا أن قيادة أنصار الشريعة، بمن فيهم بن قمو، كانوا قد أعلنوا ولاءهم "للدولة الإسلامية" في أبريل الماضي. لقد سمعت عن حالات أسر متعاطفة مع إيديولوجية "الدولة الإسلامية"، زوجت بناتها القاصرات لجهاديين أجانب في درنة كتعبير صادق عن الواجب الديني. لكن هناك أيضا روايات السكان، الأقل تعاطفا مع المتطرفين، الذين يشعرون بأنهم مجبرون على قبول تزويج بناتهم (بعضهن في سن الثانية عشرة) مقابل ضمان حمايتهم. وذلك رغم أن بعض التقارير الإعلامية الأخيرة تقول إنه ليس هناك أدلة كثيرة على انتشار هذه الظاهرة، على الأقل حتى حدود الساعة.
من الصعب أن نعرف على وجه الدقة كيف يميل الناس إلى هذا الطرف أو ذاك. فقد حاولت التحدث إلى عدد منهم في درنة حول هذه المسألة، لكن الكثير منهم كانوا يشعرون بعدم الارتياح عند تناول الموضوع ويميلون لتفادي الأسئلة. ومع ذلك، ما يبدو بوضوح هو أن النظر إلى تزويج الأطفال للجهاديين الأجانب هو بمثابة وصمة عار داخل المجتمع الليبي. وبعيدا عن تبني فكرة إحياء الممارسة الإسلامية الأصيلة، يبتعد الكثير من الناس، ممن تحدثت إليهم، بأنفسهم عن الارتباط بهذا التنظيم.
والجدير بالذكر أن القانون الليبي، الجاري به العمل منذ عقود، يحدد السن القانونية للزواج في عشرين سنة، بالرغم من أن هناك استثناء يسمح بموجبه القضاة بتزويج الفتيات دون هذا السن بإذن أولياء أمورهن. إلا أن هذا القانون لا يمكن تطبيقه في مدينة درنة في الوقت الراهن، في ظل تعطيل محاكم المدينة وقيام "محاكم شرعية" تحت عهدة "الدولة الإسلامية".
بدلا من الخوض في هذا الموضوع، ربما ينبغي إيلاء مزيد من الاهتمام لمحنة النساء في درنة. فقد فرض الحكام الجدد في المدينة سياسات صارمة: الفصل بين الجنسين وخلق مرافق منفصلة للرجال والنساء في المدارس والجامعات وغيرها من الأماكن العامة. كما أخبرني السكان أن "الدولة الإسلامية" تسعى حاليا لفرض قواعد لباس صارمة للنساء للظهور في الفضاءات العامة، وإجبارهن على ارتداء لباس يغطيهن من الرأس إلى أخمص القدمين، يحجب وجوههن تماما، وهو شكل جديد تماما على هذه المدينة. وينظر السكان، الذين قابلتهم، إلى هذه القوانين بغرابة بحكم ابتعادها عن معتقداتهم وتقاليدهم.
إن السياسة الاجتماعية التي تحاول "الدولة الإسلامية" تنزيلها في درنة ذات تأثير كبير على حقوق المرأة ونظرة المجتمع للمرأة بشكل عام. قالت ناشطة، كانت تشتغل في التعليم، غادرت المدينة قبل أقل من عام، إن الوضع الحالي سيء بالنظر إلى الأمل الذي عم البلاد في أعقاب الإطاحة بالقذافي: "كان لدينا الكثير من الأمل في 2011 و2012. كان في المدينة نشاط مهم لفعاليات المجتمع المدني، كانت النساء تقوم بمعظمه". أما الآن، تواصل الناشطة بحسرة: "عاد بنا إلى الوراء، فيما يتعلق بحقوق المرأة، إلى زمن العصور الوسطى" . من الصعب الاختلاف على هذا الأمر.