الكاتبة نادية متفق، شاعرة، فنانة تشكيلية وفاعلة جمعوية وحكاوتية، ترأس رابطة كاتبات المغرب فرع اسفي، مدينتها التي تسكن اعمقها بتاريخها ومميزاتها وأكلاتها وأهلها، تحكي لنا في لقاء مع بوابة افريقيا الاخبارية عن آسفي او "حاضرة المحيط "كما يحب ابناؤها تسميتها "تقول نادية"،  تقع اسفي على ساحل المحيط الأطلسي بين مدينتي الجديدة والصويرة، بين خطي طول 31-36 شمالاً، وترتفع عن سطح البحر أكثر من 500م، تبعد عن الدار البيضاء 200كم تقريباً، وعن مراكش 160كم، يبلغ عدد سكانها 800000 نسمة حسب تقديرات عام 2007م، وتبلغ مساحة إقليمها 6344كم2.

 *عشق الحكاية

تعشق الشاعرة متفق ، الحكاية منذ صغرها ،تعبر عن هذا العشق بالقول" اعشق الحكاية  ..عشقي لها هو عشق الجدة التي كانت تبيت تحكي لي ولاخوتي الحكايات حتى يداهمنا النوم.. ماتت الجدة  ...توقفت عن الحكي.. لكن عشق الحكاية لم يمت  بل كبر ليصير  حلما ..ليصير مسؤولية وطنية".

 هذا العشق الحكواتي كان هو الأسلوب الذي اختارته الشاعرة لتعرفنا باسفي، وتصف الحديث عن مدينتها " بحديث عن العشق والحلم والفرح"

فأسفي أو حاضرة المحيط كما اسماها  ابن خلدون هي أسطورة يرويها  التاريخ ،تأسيسها يضرب في اعماق التاريخ و حيكت حوله العديد من الحكايات والأساطير"

ويشير المؤرخ عبدالله الدكالي السلاوي الى ان اسفي مذكورة في تاريخ تيسو الفرنسي الذي ترجم الدرج اليوناني المشتمل على اسماء المدن التي اسسها حانون القرطاجي. وبهذا تكون من المرافيء الخمسة التي بناها حانون القرطاجي والذي امر ببناء معبد لاله البحر بوصيدون   في المكان الذي يوجد  حاليا الولي سيدي بوزيد خلال الرحلة التي قام بها في القرن الخامس قبل الميلاد كما جاء في التقرير الذي كتبه حانون عن رحلته والذي ترجمه المؤرخ الإغريقي هيرودت  .

في حين نجد المؤرخ الفرنسي فرنسوا برجي بان من بنى المدينة هم اهل صور حين نزحوا الى مكانها فارين من البطش العبري.

ويروي الحميري ان الشيطان نزع بين بني سام و بني حام فنشبت بينهم حروب كانت الدائرة فيها لسام وبنيه وكان آخر امر حام ان هرب الى مصر وتفرق بنوع  ومضى على وجهة يؤم المغرب حتى انتهى إلى السوس الاقصى الى موضع يعرف  اليوم باسفي.

 ويشير ابن خلدون  بان نشأة المدينة تعود الى القبائل المصمودية البربرية التي تعتبر اقدم ساكنة بها.

 ويأتي الفتح الاسلامي على يد عقبة بن نافع الفهري سنة 62ه‍ وبذلك تكون اسفي اول مدينة بالمغرب تعتنق الاسلام. 

*آثار غيرت التاريخ

  ويستمر الحكي في ازقة اسفي عنها " مدينة حيرت الاركيولوجيين و المؤرخين  اذ لا زالت تخرج من باطنها حفريات تدل على تاريخها العريق.. ففي سنة 1962يتم العثور على ساق تمثال يعود الى الحقبة الرومانية..

وفي سنة 2017 تم اكتشاف جمجمة أقدم انسان عاقل على وجه الارض بمنطقة ايغود بإقليم آسفي حتى الان والتي تعود الى اكثر من 300الف سنة ، وهو اكتشاف غير مجرى التاريخ .

*التسمية

وكما حيك حول نشأتها الاساطير، فتسميتها كذلك " حسب رئيسة رابطة كاتبات المغرب" ، فالمؤرخ الفرنسي فرنسوا برجي يقول بان اسم المدينة هو اسم لمقدس عند الفينيقيين  في حين نجد  المؤرخ الفقيه الكانوني بأن اسمها مأخوذة من قول البربر للضوء اسف بضم الفاء  وكسر السين ويعني  ضوء المنارة  وهي الفكرة التي يؤكدها ابن خلدون بينما يرجع عالم الجغرافيا المغربي الشريف الادريسي اصل تسميتها إلى جماعة الفتية الذين غامروا بركوب بحر الظلمات بدافع الاستطلاع خلال القرن الرابع الهجري حيث انتهى بهم المطاف إلى هذا المكان فصاح قائدهم "اسفي " ومن تم أطلق على المنطقة  اسم اسفي. 

وقد يكون اسفي مشتق من الكلمة البربرية اسيف والتي تعني مجرى الواد والنهر  خصوصا وان المدينة لا زال يخترقها وادي الشعبة .

كما نجد الرواية العبرية حسب شمعون ليفي ان اسفي تنحدر من كلمة اسيف بكسر السين وفتح الفاء تعني الجماعة أو المجلس  ويؤكد هذا الاعتقاد استيطان اليهود منذ القدم بالمدينة وهذا ايضا ما اكد عليه الباحث اسفي تيمول بان اسفي كان جزءا من الدولة البرغواطية التي كانت تدين باليهودية. 

* التعايش الثقافي

ان العودة لهذه الروافد المتنوعة، يظهر ،حسب متفق، التعايش الذي عرفته المدينة بين كل مكوناتها الملية والاثنية اذ تعايش  فوق ارضها كل من المسلمين واليهود والمسيحيين ولازالوا بكل الود والمحبة .

ودون ان تعزل اليهود في الملاح كما في باقي المدن المغربية .

 تقول  الشاعرة المغربية نادية متفق، عن مسارها العلمي المتنوع "  بعد حصولي على الباكلوريا " الثانوية العامة، التحقت بكلية العلوم القانونية والاقتصادية " كلية الحقوق "، وبعد ان درست بها للسنة الثانية ..لم اجد نفسي بالقانون. فغيرت الشعبة والتحقت بكلية الآداب حصلت على شهادتي الجامعية ثم التحقت بمدرسة عليا للإدارة حيث حصلت على دبلوم  في التسيير الإداري" ، لكنها عادت  مرة اخرى الى دروب الابداع  "التحقت بمعهد الفنون الجميلة" وتواصلت "ولا زالت الى الان طالبة بالكلية المتعددة التخصصات باسفي ، لكن هذه المرة  في شعبة الادب الفرنسي"

* اقتصاد اسفي

 وللتعريف اكثر بأسفي ،تحكي شاعرتنا عن  ثرواتها البحرية الغنية "حيث تأسست بها منذ الثلاثينات صناعة تصبيرية مزدهرة  بسبب توفر الثروة السمكية التي يزخر بها ساحل آسفي، و وفرة اليد العاملة، اذ كان ميناء  آسفي أول ميناء في العالم مصدر لسمك السردين"

"كما تزخر أرضها بثروات طبيعية هامة، أهمها الفوسفاط البارتين والجبس، اذ تشكل آسفي ثاني  مدخر من الثروة الوطنية للفوسفاط وبسبب هذه الثروة تم إنشاء المركب الكيماوي بآسفي كأضخم مشروع صناعي بالمغرب" .

*فخاراسفي

 اضافة الى الثروات البحرية ،تشتهر اسفي بصناعة الخزف او الفخار" اذ تم تصنيف تل الفخارين سنة 1920  وأصبحت صناعة الفخار تعتبر ثراتا ثقافيا وكذلك من أهم القطاعات السوسيو اقتصادية بالمدينة"

 ويتميز هذا الفن  كما تسمية الشاعرة " بخصوصيتة في الالوان والزخرف والنقوش جعله يصل إلى العالمية" .

*حاضرة تعزف تاريخها

"مدينة تعزف تاريخها" هكذا تصف الشاعرة نادية ،تنوع الموروث الموسيقي لاسفي،فالأخيرة  "صنعت لنفسها لحنًا متعددا تعدد  موروثها القديم، إذ تنفرد الحاضرة  بأشكال وتعابير موسيقية أصيلة، كفن العيطة الذي يشكل واحدًا من أهم الأحداث في تاريخ اسفي بل وفي المغرب  ككل وتعود شهرة العيطة بآسفي إلى ارتباطها بأحداث تاريخية خلال نهاية القرن الـ19، حيث كان  القايد عيسى بن عمر  يحكم منطقة عبدة انطلاقًا من قصبته التي ما زالت أطلالها  قائمة شمال شرق المدينة، حيث خلدت العيطة  /خربوشة أحداثًا وعبرت عن نظام سوسيو اقتصادي" .

 وايضا كنتيجة "لهجرة عدد من العائلات  عقب سقوط الأندلس ورث أهل آسفي عن المورسكيين موسيقى "الآلة" التي  ظهرت داخل سور المدينة".

صدر للشاعرة نادية متفق ديوانين تحت عنوان"ما فكرت لأوجد"

و"حكاية غجرية".

* الطبخ المسيفوي 

 تتميز اسفي بطبخها وحلوياتها المتفردة نتيجة تنوعها الحضاري  "الحضارات اليهودية والاندلسية والاسلامية" هذا التلاقح تقول الشاعرة "اعطانا ثقافة طبخ متميزة ومتنوعة ،  كحلوة المصابان والكعك وحلويات اخرى وأطباق السمك المتعددة التي تنفرد بها المدينة"

* مائدة رمضان

 اما بخصوص مائدة رمضان عند المسفيوين، شأنها شأن باقي المدن المغربية لا تخلو من الحلوى " الشباكية والتمر والشريحة والحريرة والحليب أو العصير والمسمن زيادة على ما لذ وطاب.

  وتضيف بأن " ما يميزها هو طبق السمك الذي يزخر به بحر آسفي إذ يعد طبقا رئيسا على مائدة الافطار..."

*عادات رمضان

ولا يغفل المسفويون خلال شهر رمضان شهر الغفران في اصطحاب أبنائهم إلى المساجد و الزوايا حيث يتوافدون عليها بكثرة للتقرب إلى الله  اكثر خاصة لأداء صلاة التراويح، حيث تعج مساجد المدينة بأفواج المصلين من شيوخ ونساء وأطفال .

كما يقبل العديد من سكان آسفي خلال هذا الشهر على مزاولة عدة أنشطة مختلفة سواء بالنهار أو خلال الليل، كما أن ممارسة الرياضة لها دور كبير حيث لا تخلوا الغابات المجاورة سواء بعد العصر أو بالليل من ممارسي الرياضة.

 وتشهد شوارع المدينة خلال ليالي رمضان بآسفي حركة دؤوبة بعد الافطار وأداء صلاة التراويح.

 

*رمضان كورونا

 وتستدرك الشاعرة متفق "الى انه في زمن الوباء أزاله الله عنا..هناك سكون يعم المدينة. فلا رياضة تمارس في حدائق المدينة وغاباتها ولا انشطة ثقافية او دينية تملأ قاعاتها" .

*لسان جدتي

 أما عن أهم مؤلفاتها فالمؤلف "لسان جدتي" مكانة خاصة عند الشاعرة نادية متفق ،وهو كتاب يوثق للحكاية الشعبية بمنطقة عبدة.

 ويدخل هذا المؤلف ضمن  "أهم انشغالاتي  والتي تهتن بتوثيق  التراث الشفهي من حكاية، مثل، اهزوجة، وكلمة منقرضة، اذ قمت بتوثيق الحملة الشعبية المغربية من كل ربوع الوطن وجمعت ما يزيد عن ستمائة حكاية  ستخرج الى الوجود قريبا إن شاء الله ايمانا مني بان الموروث الشفهي  عموما والحكاية خاصة هي هوية ولا يجب ان تضيع".