على الطريق الرابط بين مدينة "اعيون العتروس " ومدينة "كوبني" في الشرق الموريتاني لا يعدم المار ولا الزائر شواهد الإهمال والنسيان الرسمي لهذه المنطقة ذات الخزان الانتخابي الذي كثيرا ما أنقذ عروشا موريتانية من الانهيار ...
أزمة خدمات تضعف عرى الانتماء
أزمات مياه وكهرباء وصحة وتعليم يتحدث عنها السكان بقلوب ملؤها الحسرة ، ووعود انتخابية حسبوها خيرا ذات يوم ، حتى إذا حان موعدها لم يجدوا شيئا ...
الكثير من السكان لا يجدون كبير غضاضة في التعبير عن عدم جدوائية حمل الجنسية الموريتانية ما دامت لا تكفل لصاحبها أبسط الحقوق في وطنه ، بل ويعبر بعضهم ــ لبوابة إفريقيا ــ عن ارتباطه بدولة مالي المجاورة أكثر من وطنه الأم فالقريب "من قربت مودته " .
تعلق الإنسان في الشرق الموريتاني بالجارة مالي تعضده عوامل الجغرافيا والتاريخ والمصير المشترك ، فموريتانيا البلد العربي الذي تمتد حدوده الجغرافية مع جمهورية مالي على أكثر من ألفي كلم، تأثرت بشكل كبير بالحرب الفرنسية على جارتها، بالرغم من سياسة النأي بالنفس التي اتخذتها الحكومة الموريتانية.
وتزداد معاناة المحافظات المتاخمة لمالي والتي تعاني جفافا قاحلا بسبب انعدام الامطار التي يعتمد عليها ابناؤها في الزراعة والرعي وتربية المواشي.
علاقات التجارة والسياحة
وبينما لا تتمتع مالي بمنفذ بحري، وتستورد 90 في المئة من وارداتها عبر موانئ بحرية موريتانية، وهي البلد الأكثر فقرا في القارة السمراء، فإن تأثر الموريتانيين بالحرب تجاوز تلك الصادرات الموريتانية من الأسماك ومواد البناء، والصادرات المالية من الحبوب والحمضيات. وقد تراجعت الصناعة السياحية، التي من أبرزها قرار فرنسا عام 2007 إلغاء رالي باريس ـ داكار. وهذا كانت خمسون في المئة من محطاته تتموضع على الأراضي الموريتانية، فكان موسما مدرا للدخل يكسب خلالها سكان الشمال والشرق الموريتانيون ما يعينهم خلال أيامه الثمانية. لكن تلك الخسارة لا تقارن بنتائج الحرب.
ففي مطلع شهر ايار/ مايو من كل عام يبدأ البحث عن مراع في مالي المجاورة، وقد اعتاد الموريتانيون، الذين يملكون وفق إحصاءات رسمية ما يزيد على العشرين مليون رأس من الجمال والأبقار والأغنام على تلك الزيارة الموسمية للمنتجعات المالية التي تتمتع بموسم أمطار مبكر، فيقومون بتغذية غالبية مواشيهم.
وهذا تقليد يعود الى قرون، وهو أحد أنماط الارتباط الشعبي بين البلدين، ضمن تواصل دائم من خلال علاقات تجارية وعرقية.
فموريتانيا لا تعرف الأمطار قبل شهر تموز /يوليو، ويعتمد شرقها على مراعي جارتها، في بلد يرى فيه العربي في شمال مالي أن الموريتانيين يشكلون امتدادا عرقيا وقبلياً له.
وتشكل قبائل "كنته" وبطونها التي ينحدر منها الشيخ سيدي المختار، وهو واحد من ابرز الزعامات الروحية (قام السلفيون بتدنيس ضريحه في الشمال المالي)، ويعيش أسلافه وقسم من أحفاده في موريتانيا.
أمة الجسد الواحد
لا مبالاة الإنسان في موريتانيا الشرقية بالانتماء لموريتانيا "الدولة " لا يماثله سوى تعلقه بالقضايا العربية وحضورها في وجدانه وتلك هي "أم المعارك " ..
رغم أنف النسيان والخذلان يتذكر أبناء الشرق الموريتاني كل المراحل الصعبة التي مرت بها الأمة العربية ، يفرحون بانتصاراتها ويحزنون حين يتذكرون الهزائم والانبطاح ...
هنا وعلى الطريق قبل أن تكلم أحدا تحضر الممانعة بقوة فيستحضر السكان "أم المعارك " ذلك الاسم الذي أطلقه الرئيس العراقي السابق صدام حسين على الحرب التي دارت بين الجيش العراقي وقوات التحالف العدواني المكونة من ثلاثين دولة بينها دول عربية .
كما تحضر معارك حزب الله وبطولاته في وجه العدو الإسرائيلي ولا يجد المواطنون هنا سبيلا لتخليد لهذه البطولات أحسن من نصب منارة للحزب تذكر الناسي وتنبه الغافل .
وبخجل وعلى الطريق المتهالك الرابط بين "العيون وكوبني " في الشرق الموريتاني يحضر حلف الاعتدال "العربي " بخجل ممثلا في "شرم شيخ " لا تحوي على فندق ولا منتجع وبلا مقاهي ترفيهية وبدون ملاهي أو كازونات ...شرم شيخ في الشرق الموريتاني دون رتوش تعيش بسلام غير مزيف ...
إنها قوة انتماء تستعصي على الانمحاء يستحق التحية والإشادة .