بعد ديوانها الأول "العشق المزمن" وديوانها الثاني "إشراقة الجرح والعشق"، أصدر حديثا للشاعرة المغربية حكيمة الشاوي ديوانها الثالث "من يجرؤ على العشق".

حكيمة الشاوي واحدة من الأقلام والأصوات النسائية المزعجة للتيارات الاسلاموية، بلغ بها الإزعاج إلى أن أهدر دمها وتوعدت بالقتل والتحريض عليه، ضدّ مواقفها الجريئة والمنادية للمساواة والعدالة والكرامة، وهي صوت سياسي وحقوقي جهور وسط رفاقها ورفيقاتها في الوطن، جعلت من القلم منبراً لها تعتليه دون تحفظ أو تردد، تكتب للجرح، كي ترتّقه، تكتب للوطن كي تعزيه أحيانا، وكي توقظه أحاييناً، تكتب للإنسان في كل الأرض؛ ترش الجلاد بمدادها وتحاكم السجان بقوافيها، إذ يصنف صوتها خارج الإجماع، ونشازا خارج منظومة مقيدة بالنص الديني، وبأعراف القبيلة، ترسم للأفراد رقعا صغيرة ملغومة بخطوط حمراء كثيرة.
الشّاعرة حكيمة الشّاوي، امتطت فوّهة القلم وصوبتها على تجاه الأصنام، وتجاه كل الدوغمائيات.
نفتح مع هذه الشاعرة المتمردة والغريدة خارج السّرب، أوراق ديوانها نسألها ونسائلها، ونقف عند عتبة العشق: من يجرؤ عليه؟
 

ماذا يعني للشاعرة حكيمة الشاوي هذا الإصدار الشعري الثالث؟

-  هذا الاصدار الشعري الثالث : "من يجرؤ على العشق "، يعني بالنسبة إلي، أنني مازلت على قيد الحياة ، وأنني أتنفس شعرا، وأتجرع عشقا لهذا الوطن والإنسان، وأنني مازلت أحمل رسالة الشعر النبيلة، وأزحف على الجمر، وأمسك مشعل الأمل بيساري، رغم كل مشاهد الحروب والدمار التي  تكتسح كوكب الانسان، وتحرق العالم العربي، في ربيعه المجهض. ويعني لي أيضا أن القيم النبيلة ستنهض من رمادها، وأن عالما انسانيا آخر ممكن.

ماهي قيمته العلمية والثقافية داخل المشهد الإبداعي المغربي عموما؟

-  قيمة الديوان العلمية والثقافية داخل المشهد الابداعي المغربي عموما، أنه جاء محملا بمعاناة وانتهاكات حقوق الانسان، سواء في مرحلة ما قبل ربيع الرصاص العربي أو أثناءه، أو بعده، وهو بذلك يلملم أشلاء الانسان في خارطة العالم العربي، وبقايا الدمار التي تناثرت بفعل احتراق ربيعه المجهض، ويؤرخ لأحداث اجتماعية وسياسية، ويحفظ ذاكرتها للأجيال القادمة بإصرار.

كما أن ديواني هو استمرار للقصيدة العربية المقاومة، وللشعر السياسي.

الكل يعرف حكيمة الشاوي وجرأتها في الكتابة، ألم يتسبب لك ذلك متاعب وعراقيل بخصوص تعامل المطبعات ودور النشر مع أعمالك؟

-  الجرأة في الكتابة عموما، وفي الشعر خصوصا، ضرورية، لأن الابداع عموما توأم الحرية، والحرية تعني الجرأة، وكما قال أحد الشعراء : "الشعر هو السير على خط النار"، طبعا هذه الجرأة تتسبب في بعض المتاعب والمشاكل، كما حدث لي مع بعض التوجهات السياسية والدينية المنغلقة، بالمقابل فإن هناك ترحيبا من طرف المطبعات ودور النشر، وإقبالا وتجاوبا من طرف القراء.

إلى أي حد تستحضر حكيمة الشاوي الشاعرة أرواح رفاقها في كتاباتها الذين قضوا، آخرهم الراحل أحمد بنجلون؟

-  الشعر هو المُعَبِّر بقوة عن الألم والفقدان، أكثر من الكلام العادي، رغم أنه يعجز في أحيان كثيرة، أمام الموت، الذي يشكل أقصى درجات الايلام، خاصة إذا تعلق الأمر بالشهداء والرفاق والأصدقاء، وأنا كتبت لأرواح كل هؤلاء الذين احترقْنا بنار فقدانهم، كتبت عن المهدي بنبركة، وعمر بنجلون، وسعيدة لمنبهي، والحسين المانوزي، وشكري بلعيد، وشهداء الحراك العربي، وكتبت عن محمد بوكرين، ومحمد جودار، وعن زهور العلوي، والمهدي المنجرة، وغيرهم.

وآخرهم  الفقيد والمناضل الفذ الرفيق احمد بنجلون، الذي شكل فقدانه فراغا في الساحة النضالية، وخسارة كبرى للفكر اليساري وطنيا وعربيا.

ما قراءتك لإبداعات المناضلين المغاربة؟ وهل هناك تقصير من جهتهم بخصوص نشر أعمالهم؟

-   ابداعات المناضلين المغاربة الذين يحملون هواجس قضايا الوطن والإنسان، وهموم ومشاكل العالم، قليلة، وناذرا ما تنشر،  مقارنة بإبداعات الشعراء المتفرغين، الذين تسكنهم هواجس الذات والحياة، ويجدون هوامش للكتابة.

أعتقد أنه ليس تقصيرا من جهتهم في نشر أعمالهم، ولكن دوامة النضال تبتلعهم، وتشد الخناق عليهم،  فلا يجدون فسحة للقلم كي ينزف آلاما وأحلاما.

سؤال آخير، من يجرؤ على العشق؟

-  كل من يعشق بصدق، فهو يجرؤ، حتى وإن احترق بالعشق، وهذا ينطبق على كل مجالات الفعل الانساني، وكل من يعشق الوطن، والإنسان، والحرية والكرامة، والقيم والجمال، ويناضل من أجلها، فهو يجرؤ.

 أتمنى أن نصاب بداء العشق المزمن، ويجري مع الدماء في عروقنا، وينتشر عطره حولنا، لأنه أصل الكون، والحياة والإنسان، وهو منظف الروح من تلوثات الواقع، وهو القادر على ركوب التحديات، وصنع المستقبل.