قال الصادق المهدي، زعيم حزب الأمة القومي المعارض في السودان، إنه "لا يوجد حتى الآن دلائل على عدم جدية الرئيس عمر البشير في دعوته للحوار"، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن "الإنتفاضة الشعبية" ستكون خياره في حال ثبتت عدم جدية البشير.وأضاف المهدي في مقابلة مع وكالة الأناضول أنه "إذا ثبتت لنا الجدية سننتظر، لكن إذا لم تثبت فلا نرى داعيا للانتظار، ونعتقد حتى الآن أنهم لا يتلاعبون لأن الزمن ضدهم وليس معهم ويزيد من الضغوط عليهم وعزلتهم داخليا وخارجيا".

وأوضح المهدي أن العزلة الخارجية للنظام واحدة من 6 عوامل كانت سببا في دعوته المعارضة للحوار، قائلا إن "النظام تأثر بالاستقطاب العلماني الإخواني (نسبة إلى جماعة الإخوان المسلمين) في مصر لأنه محسوب على الإخوان بصورة أو أخرى فالموقف الآن صار حرب باردة في المنطقة كلها تقف على طرفيها المملكة العربية السعودية وقطر وحلفاء محليين في المنطقة"، على حد قوله.

ورأى المهدي أن زيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد للخرطوم مؤخرا "سينظر لها في بقية العالم العربي والإسلامي بموجب الاستقطاب الموجود وستسير في إطاره وسيعتبرها الآخرون مزيدا من الدلائل على أن النظام السوداني هو إخواني الاتجاه لأن موقف قطر الآن فيه رعاية للخط الإخواني عموما".

ولم يستبعد المهدي وهو آخر رئيس وزراء منتخب انقلب عليه الرئيس البشير مدعوما من الإسلاميين في 1989 أن تتخذ الرياض إجراءات ضد الخرطوم بسبب زيارة تميم على غرار وقف بنوك سعودية تعاملاتها مع البنوك السودانية ومنع طائرة الرئيس البشير من عبور أجوء المملكة في طريقه إلى طهران للمشاركة في حفل تنصيب الرئيس روحاني في أغسطس/ الماضي.

وقال المهدي إن "المملكة عندها سياسة واضحة ونشطة في ما يتعلق بالدور الإيراني في المنطقة والصراع السني الشيعي وفي ما يتعلق بالموقف من الإخوان ما جعل من الموقف أكثر حدة من أي مرحلة مضت"، وذلك في إشارة إلى التقارب بين الخرطوم وطهران أيضا.

وفيما يلي نص الحوار

* في البدء ما هو تقييمك لدوافع الرئيس عمر البشير في الدعوة للحوار ومدى ثقتكم فيه؟

أعتقد أن هناك عوامل أكبر من العوامل التي صاحبت دعواته للحوار في الفترة الماضية عدة عوامل أهمها هي تدهور الوضع الإقتصادي بعد انفصال الجنوب وفقدان عائدات النفط ما اضطر الحكومة لإتخاذ إجراءات تقشفية تسببت في هبة سبتمبر الماضي (احتجاجات شعبية خلفت عشرات القتلى) وهو الآن مضطر لاتخاذ إجراءات مماثلة ستسبب في هبات شعبية جديدة، العامل الثاني هو تشكيل الحركات المسلحة لتحالف الجبهة الثورية ونسقت فيما بينها في الجبهات القتالية في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق ما زاد من أثرها الاستنزافي على الحكومة.

ثالثا وجود تململ شديد داخل الحزب الحاكم وخروج عناصر منه أحصيناها في 8 تيارات تتكلم الآن بلغة مماثلة للغتنا، وهذه هي المرة الأولى التي يواجه فيها هذا النوع لأنه في السابق كان يعاني من انقسام لكن الآن يشهد تفتتا، أضف لذلك بروز نقد داخل القوات النظامية ترتب عليه محاولة انقلابية فاشلة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2012 من ضباط محسوبين على النظام، والعامل الرابع ظهور مجموعات إسلامية تتهم الحزب الحاكم بتشويه الشعار الإسلامي وتعارضه بشدة من اليمين في ذات الوقت الذي يواجه معارضة من اليسار.

وخامسا ما يواجهه النظام من عزلة من الغرب والأسرة الدولية بسبب المأساة التي يواجهها المدنيون في مناطق الحرب وعدم التزامه بالاتفاقيات الإنسانية الدولية ومن ناحية أخرى تأثر النظام بالاستقطاب العلماني الإخواني في مصر لأنه محسوب على الأخوان بصورة أو أخرى فالموقف الآن صار حرب باردة في المنطقة كلها تقف على طرفيها المملكة العربية السعودية وقطر وحلفاء محليين في المنطقة أضف لذلك النزاع في جنوب السودان إذا انحاز النظام لطرف فهذا مشكلة وإذا لم ينحز أيضا مشكلة.

* وما هي دوافعكم أنتم لقبول الحوار دون شروط مسبقة كما فعلت الحركات المسلحة وأحزاب أخرى؟

لهذه العوامل، لو كنا سياسيين لتركنا النظام يواجه أخطائه، لكن نعتقد أن واجبنا الوطني المساهمة في إيجاد مخرج حتى لا يحدث فراغ تملأه المليشيات المسلحة وهي الآن 50 مليشيا في الغالب لها أجندات قبلية وليست قومية ستمزق البلد، والنظام الآن يواجه ضغوطا حقيقية وكل الدلائل تشير إلى أنه جاد في الحوار، ونحن وافقنا عليه لأنه أحد وسيلتين نعتمدهما لمشروع النظام الجديد الذي نتبناه وهي خيار التفاوض، وإذا ثبت لنا عدم جدية النظام في الحوار سنلجأ للوسيلة الثانية وهي التعبئة لانتفاضة شعبية.

* كم من الزمن حتى يتأكد لكم جدية النظام من عدمه للجوء إلى خيار الانتفاضة؟

إذا ثبتت لنا الجدية سننتظر لكن إذا لم تثبت فلا نرى داعيا للانتظار ونعتقد حتى الآن أنهم لا يتلاعبون، والمهم أن الزمن ضدهم وليس معهم ويزيد من الضغوط عليهم وعزلتهم.

* لكن أحزاب في تحالف المعارضة قالت إن منع الأمن لها من إقامة ندوة في ميدان عام واقتحام أحد دورها ومصادرة عدة صحف في الفترة الماضية دليلا على اتهامها النظام بعدم الجدية ويعزز شروطها لقبول الحوار وعلى رأسها إطلاق الحريات العامة؟

بوضوح بالنسبة لنا هناك أناس داخل التحالف مبدئيا ضد أي حوار، وفي رأيي هم ينتظرون جهة ما تقوم بالتغيير ويقفون معها وهم ليس لهم استعداد ولا قدرات يغيروا بها لكن الواقع الموجود أنهم لا يملكون بديلا غير الحوار ونحن لسنا منزعجين ممن يتكلمون بهذه اللغة لكني أظن أن هناك أطرافا كثيرة في التحالف موافقة على الحوار وتراه معقولا.ما سلوك الأمن والانتهاكات التي يمارسها مفهومة في إطار أننا لم نتفق بعد ونحن منتظرون حتى نتفق على شئ وبعدها إذا حدثت مخالفات نرى، وهناك أيضا من في المعارضة عمل أشياء فيها هجوم مضاد، على كل حال نحن لا نرى إذا كان هناك طرف بيده السلطة وقال لك أريد التحاور معك تقول له لا أريد التحاور بل تقول له نعمل الحوار بضوابط والاختبار الحقيقي لجدية النظام أو عدمها أن يدخل معنا في اتفاق وأن يلتزم به.

* البعض يرى أن الدعوة للحوار تحولت إلى مجرد دعوة للمصالحة والوحدة مجددا بين شقي النظام من الإسلاميين حزب المؤتمر الوطني الحاكم والمؤتمر الشعبي بقيادة حسن الترابي؟

في رأيي هذه إشارات كاذبة لعدة أسباب هي أن أي لقاء حصري بينهما سيزيد عزلة النظام داخليا وخارجيا، لأن سمعة الفترة التي كان الطرفان فيها متحدين هي أسوأ سمعة في تاريخ النظام، ثانيا أي طرف بعد انشقاقهما قال في الآخر ما قاله مالك في الخمر (في إشارة إلى حرب التصريحات التي اندلعت بينهما) فإذا التقيا في إطار ثنائي وليس قومي فهذا يهدم مصداقيتهما معا وسيتأكد للناس أنهما لا يتعاملان بمبدئية وإنما صراعات سلطة، ثم هناك اتهام جاهز وهو أن اللقاء الثنائي سينظر له كتضامن مع الحركة الإخوانية العالمية وليس من منطلق المصلحة الوطنية وهذا يزيد من مضرة اللقاء وليس قوته وأعتقد أن المتخوفين من عبارة الإسلام السياسي يسارعون بهذا الاتهام، لكنه كلام سطحي ليس به إدراك.

* لكن ما رأيك حول موقف الترابي المفاجئ وتخليه عن العداء العنيف مع البشير وقبوله دعوة الحوار دون شروط ؟

واضح تماما أن هذه القيادات على طول الخط كانت قيادات براغماتية وليست مبدئية وهذه التطورات يجب أن تفهم في إطار الموقف العام في السودان، ونحن في حزب الأمة مثلا يناسبنا جدا أن يلتقي الطرفان ضدنا لأنه يحدد وضعا موضوعيا للقوى السياسية ووجود المؤتمر الشعبي معنا كان مشوشا لموقف المعارضة وإذا التقيا من أجل المصلحة الوطنية، هذا أيضا يناسبنا لأنه يدفع مقترحنا للحل القومي، وإذا التقيا على سياساتهم القديمة والنهج الإقصائي للآخر والتمكيني فسيضران بعضهما البعض.

* وماذا عن الحديث أن النظام يريد صناعة حلف جديد منكم بجانب حزب الترابي والحزب الاتحادي الديمقراطي أي ما يمكن أن يطلق عليه مجموعة الأحزاب الإسلامية ؟

الحزب الحاكم ظل يقول من وقت مبكر أنه يريد جمع الإسلاميين في صعيد واحد ونحن نقول أي إسلام؟، لأن هناك إسلام إخواني وإسلام باجتهادات أخرى نحن نتحدث عن الإسلام الذي يحترم الحريات العامة إسلام يحترم مدنية الدولة وحقوق الآخرين الدينية فنظرتنا للإسلام مختلفة ولا يمكن أن نجتمع مع من نظرتهم للإسلام إقصائية للآخر ومضرة للإسلام نفسه والكلام عن الإسلام بالتجربة السودانية والتجربة المصرية مضر للإسلام لكن التجربة التونسية مفيدة لأن فيها هندسة لقبول الآخر، ونعتقد أن مظلة الإسلام واسعة، ونحن لا يمكن أن نقبل براية إسلامية أخوانية كإنتماء لكن نقبل بهم كمفاوض ومحاور ولدي الآن كتاب تحت الطبع ننتظر إجازته من المصنفات عنوانه "الهوية السودانية بين التسبيك والتفكيك" قلت فيه إن الدعوة الإسلامية الأخوانية تفكيكية تقود إلى استقطاب يفكك البلد ونحن نتكلم عن دعوة إسلامية تسبيكية تسبك البلد.

* قلت إن السودان متأثر من الاستقطاب الذي تعيشه مصر كيف تقرأ هذا مع زيارة أمير قطر للسودان خاصة بعد سحب سفراء السعودية والإمارات والبحرين من قطر، وتصنيف الرياض للأخوان المسلمين جماعة إرهابية؟

لدينا في السودان نوعان، أناس مرجعيتهم إخوانية حتما سيتعاطفون مع الأخوان في مصر وآخرون مرجعيتهم علمانية سيكون تعاطفهم حتما مع جبهة الإنقاذ (يقصد بذلك الأحزاب الليبرالية) ونحن وحدنا الذين نعتبر نفسنا إسلاميين غير إخوانيين لذلك منذ البداية قدمنا رأيا مختلفا وقلنا إن دورنا ليس الاستقطاب ولا الانتماء لواحد من التيارين، إنما العمل على جمع الكلمة وإيجاد مخرج ليس هنا فقط بل الصراع السني الشيعي والأخواني السلفي، وسنظل غير منحازين لأننا ندرك أن القوى السياسية الأخرى منحازة ومستقطبة.أما زيارة الشيخ تميم مع أنها يمكن تطرح على أساس أنها زيارة في إطار التنمية سينظر لها في بقية العالم العربي والإسلامي بموجب الاستقطاب الموجود وستوضع في إطاره، وسيعتبرها الآخرون مزيدا من الدلائل على أن النظام السوداني هو إخواني الاتجاه لأن موقف قطر الآن فيه رعاية للخط الأخواني عموما. ونحن نتحدث بلغة ثانية ونريد أن تنظر قطر والمملكة (السعودية) إلى مشروعنا وهو مشروع تجنب الحرب.

* هل تستطيع الخرطوم دفع فاتورة استقباله بما يزيد توتر علاقاتها مع السعودية المتوترة أصلا بسبب ما يراه البعض التقارب مع طهران؟

في نظري ليس بمقدورها دفعها وإذا النظام قبل نصائحنا واجتهاداتنا سيتراجع من هذه المرجعية الأخوانية إلى مرجعية سودانية تضمنا كلنا.

*هل تتوقع أن تتخذ الرياض مزيد من الإجراءات ضد الخرطوم بسبب الزيارة؟

كل شئ وارد ، وواضح تماما أن المملكة عندها سياسة واضحة ونشطة في ما يتعلق بالدور الإيراني في المنطقة والصراع السني الشيعي وفي ما يتعلق بالموقف من الأخوان ما جعل من الموقف أكثر حدة من أي مرحلة مضت.