منذ أسبوع احتفل العالم بيوم حرية الصحافة المصادف للثالث من مايو، وهو يوم حددته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، لتحيي عبره ذكرى اعتماد إعلان ويندهوك التاريخي الذي تم في اجتماع للصحافيين الأفارقة في 3 مايو 1991. كان هدف هذا الإعلان تذكير الحكومات بضرورة احترامها لحرية الصحافة، كما ونصَّ هذا الإعلان على ضمان بيئة إعلامية حرة وآمنة للصحافيين، وكذلك يعتبر الثالث من أيار يوم لتأمل الصحافيين والإعلاميين حول قضايا حرية الصحافة وأخلاقياتها.
هذا العام، وفق اليونسكو، كان تركيز الضوء على الجوانب المتعددة لتأثير ما استجد من تطورات في وسائل الرقابة الحكومية وغير الحكومية، وجمع البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي على الصحافة وحرية التعبير والخصوصية. ويُسلط الضوء كذلك على التحديات المتصلة ببقاء وسائل الإعلام في العصر الرقمي ونجاحها، والتهديدات التي تقوض ثقة الجمهور نتيجة الرقابة والهجمات الرقمية على الصحافيين، وعواقب ذلك كله على ثقة الجمهور في الاتصالات الرقمية.
إن الورقة النقاشية التي صدرت مؤخرا عن تقرير الاتجاهات العالمية ليونسكو وعُنونت بـ ”تهديدات تُسكت الصحفيين: الاتجاهات على صعيد سلامة الصحفيين“ تُسلط الضوء على تقويض المراقبة والقرصنة للصحافة. وتجلى ذلك بوضوح في العروض التي قدمها الصحفيون الاستقصائيون والباحثون، مما دعا خبراء الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان إلى مطالبة جميع الدول بفرض حظر عالمي مؤقت على بيع تقنيات المراقبة ونقلها.
وبمناسبة الاحتفال بهذا اليوم، أكدت منظمة "مراسلون بلا حدود" غير الحكومية في تقريرها، أن حرية الصحافة واصلت تراجعها في عدد من البلدان.
على الصعيد المغاربي، كل البلدان المغاربية تقهقرت مقارنة بالأعوام الماضية، وتعتبر تونس هي الأفضل في مجال حرية الصحافة، ورغم تراجعها احتلت الرتبة 94 عالميا، بينما حلت موريتانيا في الرتبة 97 عالميا، ثم الجزائر في الرتبة 134، وبعدها المغرب في الرتبة 135، في حين حلت ليبيا في المرتبة 165.
وبهذه المناسبة "اليوم العالمي لحرية الصحافة"، رصدت منظمة حريات الإعلام والتعبير بالمغرب "حاتم" عبر برنامجها التطبيقي "مرصد حريات" العديد من الخروقات والانتهاكات التي تمس حرية التعبير الرقمي والإعلامي، مشيرة في بيان لها بالمناسبة، أنه إضافة إلى الهشاشة التي يعرفها حقلي الإعلام والتواصل الرقمي بالمملكة، مازال الصحافيون والصحافيات والمؤسسات الإعلامية ترزح تحت تأثير التداعيات السلبية التي خلفتها جائحة كورونا وظروف أمنية خانقة وشروط اقتصادية صعبة، يزيدها الدعم المقدم من قبل الحكومة للقطاع بسبب توجيهه "للباطرونا الإعلامية" على حساب العاملين في قطاع الإعلام والصحافة، بمن فيها المعتدين بشراسة على حقوق الصحافيين وشروط عملهم الاجتماعية والمهنية والمادية.
وأعلنت شبكة "مراسلون بلا حدود" الدولية، تراجع تونس في التصنيف العالمي لحرية الصحافة، لتحتل المركز 94 في العام الجاري (من أصل 180 دولة)، بعد أن كانت في المرتبة 73 العام الماضي، بمعدل تراجع بلغ 21 نقطة. ووفق التقرير السنوي لـ"مراسلون بلا حدود" الذي نشرته على موقعها الإلكتروني، مؤخرا، تزامنا مع إحياء "اليوم العالمي لحرية الصحافة". وقالت المنظمة إن هذا التراجع الحاد في ترتيب تونس سببه الإجراءات الاستثنائية التي كان الرئيس قيس سعيد قد أعلن عنها يوم 25 يوليو 2021. وأشارت المنظمة في تقريرها إلى أن ترهيب الصحفيين أصبح أمرا شائعا في الساحة التونسية، حيث يتعرض الفاعلون الإعلاميون لأعمال العنف على أيدي المتظاهرين.
وأكد التقرير أنه من النادر أن يتم الاعتداء جسديا على الصحفيين في موريتانيا؛ لكنهم أحيانا يكونون عرضة للتهجم اللفظي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مضيفا أن المراسلين يتنقلون بحرية تامة في كافة مناطق البلاد باستثناء المناطق العسكرية المغلقة بمحاذاة الحدود الشرقية والشمالية التي لا يسمح بالوصول إليها دون إذن مسبق.
ورفعت 21 منظمة حقوقية، يوم الأربعاء، ثمانية مطالب تهدف لحماية حرية الصحافة بليبيا، من بينها المطالبة بإصدار قانون جديد لتنظيم القطاع الإعلامي في ليبيا، وتجريم الحبس الاحتياطي بالنسبة لجميع جرائم النشر والبث.
وحذرت مصادر إعلامية من أن حرية الصحافة تواجه العديد من الخطوط الحمراء في الجزائر، حيث أن مجرد الإشارة إلى الفساد أو قمع المظاهرات من شأنه أن يكلف الصحفيين التهديدات والاعتقالات.
لكن المخاطر التي تتهدد حرية الصحافة لا يمكن اختزالها في ممارسات التضييق التي يتعرض له الصحفيون، وتصدر من هذه الجهة الأمنية أو من تلك الجهة القضائية، أي لا يمكن اختزال الخطر في العامل الخارجي المتمثل في القمع الناجم عن الشطط في استعمال السلطة، بل الخطر الذي يهددها ناجم أيضا عن "سوء التعبير" عن قضايا الشأن العمومي، أو الاستعمال الجاهل لحرية التعبير بسبب رداءة التكوين وعدم الإلمام بحيثيات الموضوع المعالج والجهل بالقانون. تلك هي التحديات التي تعترض مجال الصحافة المغاربية، وجعلتها عرضة للتضييق والقمع أو للابتزاز والمساومة.
باختصار، إن ما يهدد حرية الصحافة: القمع الناجم عن النزعة السلطوية المتضخمة في القوانين وفي الممارسات من جهة وغياب جودة العمل الصحفي الناجم عن التطفل والتسيب من جهة ثانية.
أضف إلى ذلك مكر بعض الجهات المتربصة ببعضها، وهي تسعى لتصفية حسابها مع جهات أخرى، تستغل موهبة وبراءة صحفيين شبابا وتتعمد في توريطهم في قضايا مفخخة وتجعل منهم ضحايا خدمة لمآربها. يحدث هذا في الجزائر كما في المغرب على الأقل بحكم معرفتي بهذين البلدين.
منذ أعوام، في عدد من البلدان الغربية، نشأ ما يسمى بصحافة الحلول والصحافة البناءة، وهو صنف من العمل الصحفي لا يكتفي بعرض القضايا والمشاكل، بل يعمل على تشخيصها بشكل واقعي وعلمي ويُعدّ لها العدة ليس فقط رصدا للأسباب بل يقترح جملة من الحلول من خلال إشراكه لفريق من الخبراء وذوي الاختصاص، وإشراك حتى المعنيين بالأمر. وهذا ما نحتاجه في بلداننا المغاربية.