شهدت مختلف القطاعات في ليبيا لاسيما قطاع الصحة تغيرا كبيرا جراء ما دار في البلاد من أحداث في السبع سنوات الأخيرة، حيث يشكل توفير الرعاية الصحية اللازمة للمواطنين أكبر التحديات التي تعترض الحكومة الليبية، وقد زادت الاضطرابات الأمنية التي تشهدها البلاد الوضع سوءا.
واتفق المسؤولون المحليون وممثلو المنظمات الدولية المعنية بالأمر انهياره، بسبب تأثير الأحداث على العاملين فيه.
بعد أن شهد قطاع الصحة تحسنا ملحوظا منذ السبعينات في إطار سياسة الدولة لمقاومة الأوبئة و الأمراض حيث سجل تطورا ضخما سمح ببناء أكثر من 1400 وحدة ومركز للرعاية الصحية الأساسيةوبتشييد 96 مستشفى متخصص وجامعي ومركزي وريفي، علاوة على تخصيص أكثر من 3% من الناتج المحلي لتطوير القطاع ما سمح ببناء عدة كليات للطب البشري منذ سنة 1971.
أما إثر الأحداث الأخيرة في 2011، فقد شهد القطاع تقهقرا مريبا بأتم معنى الكلمة حيث أقرت دراسة لموقع بروكينكز الأمريكي أن سبع سنوات من النزاع المستمر في ليبيا تركت النظام الصحي على وشك الانهيار.
وقد غادر نحو 80 في المائة من العاملين الصحيين الأجانب والذين شكلوا جوهر النظام الصحي ما قبل عام 2011.
ومن الصعب توظيف عمال جدد ، ويعمل مقدمو خدمات الرعاية المتبقون في ظروف بالغة الصعوبة. كما أثرت عسكرة المرافق الصحية والمساعدات الإنسانية على ظروف العمل حيث تم تهديد الموظفين بقوة السلاح والضرب والخطف. بدوره ، أدى النهب والقصف وتدمير المرافق الطبية إلى نقص مزمن في الأدوية والمعدات ونقص في الموظفين وزيادة أسعار الأدوية.
كما تتمثل تمظهرات الأزمة كذلك في النقص أو عدم توفر الأطقم الطبية والأدوية، وإغلاق العديد من المستشفيات أبوابها أمام المرضى بعد نفاد الأدوية.
بالتعاون مع وزارة الصحة الليبية ومنظمة الصحة العالمية ، أجرى البنك العالمي مسحًا سريعًا في مارس 2018 في مرافق الرعاية الصحية الأولية (PHC) على 1012 مريضا (510 في بنغازي و 502 في طرابلس) و 510 مقدمي خدمة (273 و 237 في بنغازي وطرابلس ، على التوالي)، كان 98 في المئة منهم ليبيون مدربون، وقد أظهرت البيانات ما يلي:
-القرب من العيادة لا يضمن استخدامها. ما يقرب من ثلث عدد المرضى لا يذهبون إلى العيادة الأقرب إلى منزلهم. كان الافتقار إلى الأطباء والممرضات والأدوية والاكتظاظ السبب الرئيسي في استخدام المرضى لمراكز بعيدة للرعاية الصحية الأولية.
-هناك فجوات كبيرة في جودة الرعاية المقدمة. لم يتذكر العديد من المرضى تلقي فحوص جسدية أو عمليات فحص للعلامات الحيوية لدى زيارتهم مراكز الرعاية الصحية الأولية. وقد ذكر 21 في المئة فقط أنه تم أخذ درجات حرارتهم ؛ فيما أفاد 13 في المائة أنه تم قياس نبضهم ، وتحدث 27 في المائة عن قياس ضغط دمهم.
في هذا الصدد،قال رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم إلى ليبيا غسان سلامة،في إحدى إحاطاته أمام مجلس الأمن الدولي، إن القطاع الصحي في ليبيا يواجه أزمة،وأغلب مستشفيات البلاد لا تعمل، و تعاني نقصًا في إمدادات الأدوية، مشيرًا إلى تعطل الأجهزة الطبية الحديثة وأنها تُركت دون صيانة، وأوضح سلامة أن بعض الأطباء الليبيين يحذرون من عرضة ليبيا؛ لانتشار وبائي محتمل.
يشير مراقبون أن مشاكل القطاع الصحي في ليبيا لا يمكن أن تعالج إلا في إطار حل شامل لأن إيجاد الحل في قطاع ما بمعزل عن غيره سيبقى محاولة عبثية تستوجب التكاليف الباهضة ولكنها لا تأتي بالحلول الحقيقية.