منذ أحداث 2011 عمّت الصراعات الساحة الليبية حيث أفرزت مشهدا فوضيا إذ أصبح الجميع مهددا في أمنه و سلامته الجسدية.
الصحفي بما هو جندي الحقيقة الذي يعمل بشكل مستمر داخل حلبة الصراع يعتبر أكثر الأطراف تهديدا جراء هذا الوضع.
ويعيش الصحافي في ليبيا في ظل الوضع الأمني الحالي، داخل حلقة من التهديدات والمخاطر التي تختلف في شكلها من مكالمات هاتفية مجهولة المصدر وعنف جسدي على غرار الإختطاف وتدمير المعدات أو مصادرتها أو الاعتداء على المؤسسة الإعلامية لتصل إلى حد الإغتيال. من ذلك دقت المؤسسات الدولية التي تعنى بمتابعة الوضع الصحفي نواقيس الخطر للحالة الليبية.
آخر ضحايا هذه الإستهدافات المصور الصحفي محمد بن خليفة الذي يعمل مع وكالة "أسوشيتد برس"الذي قتل، اليوم السبت، أثناء تغطيته اشتباكات جنوب طرابلس.
وتوفي بن خليفة متأثرا بجروحه إثر إصابته بشظايا قذيفة سقطت بالقرب منه.
وعبّر عدد من زملاءه عن حزنهم من فقدات بن خليفة وقالوا ''لقد خسرت ليبيا انسانا راقيا اليوم''، وتداولوا هاشتاغ 'الصحفي إنسانا وليس إرهابيا'، تنديدا بالحادثة.
يشار إلى أن الاشتباكات المسلحة جنوب العاصمة خلفت حتى الآن أكثر من 10 قتلى و48 جريحا، بحسب إدارة شؤون الجرحى.
مقتل الزميل محمد بن خليفة يثير مجددا أزمة العمل الصحفي في ليبيا الذي لازال مهددا في حياته بشكل متواصل بدون أي ذنب.
إذ قالت هيومن رايتس ووتش في تقرير نشر سنة 2015 إن جماعات مسلحة مختلفة في ليبيا هاجمت، وخطفت ورهبت وهددت وقتلت بطريقة عنيفة صحفيين ليبيين وأفلتت من العقاب على مدى العامين الماضيين، مما حدا بالعديد إلى الفرار من البلاد أو فرض الرقابة الذاتية على نفسه. وفي الوقت عينه، تعمل المحاكم على ملاحقة الصحفيين وغيرهم قضائياً بتهمة التشهير بالمسؤولين الحكوميين وغيرها من التهم التي تنتهك حرية التعبير.
فقد أصبحت مؤشرات تردي وضع قطاع الإعلام مثيرة للمخاوف، ليس فقط لليبيين بل للعديد من المنظمات الدولية المهتمة بحرية الصحافة والإعلام في العالم. فقد كشف تقرير منظمة مراسلون بلا حدود لسنة 2017 حول تصنيف حرية الصحافة في العالم أن ليبيا تحتل المركز 164 من أصل 180 دولة في ترتيب حرية الصحافة في العالم، كما شهدت ليبيا هروب ما يقرب الخمسين صحافيا إلى دول أخرى بسبب التهديدات التي تطال سلامتهم البدنية وسلامة عائلاتهم. كما أشار التقرير إلى أن عدد الانتهاكات في حق الصحافيين يتزايد باطراد "وسط إفلات تام من العقاب في سياق حرب لا تتردد أطرافها المتناحرة في استهداف الأصوات الحرة".
وألقى هذا الوضع الأمني والسياسي بظلال وخيمة على واقع الصحافة والإعلام في ليبيا، وساهم بشكل كبير في قمع حرية التعبير، بعد أن وجد الصحافيين أنفسهم عرضة للاغتيال والخطف والتعذيب دون حماية أمنية ولا قضائية ولا قانونية. وقد وثقت وحدة الرصد والتوثيق مابين يناير عام 2012 وديسمبر عام 2015 ، 384 جريمة واعتداء جسيم تعرض له الصحفيون ووسائل إعلام عدة مابين القتل العمد والشروع بالقتل أو الاختطاف والتعذيب والاعتقال التعسفي والاعتداء بالضرب فضلاً عن الملاحقات القضائية الجائرة بقوانين باهتة.
وفي العام 2016، تم تسجيل 107 حالة اعتداء عنيفة ضد الصحفيين، بحسب المركز الليبي لحرية الصحافة. وهاجمت الجماعات المسلحة العاملين في وسائط الإعلام في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك الاعتداءات البدنية وقتل صحفيين اثنين. ووفقا للمركز، لقي تسعة صحفيين مصرعهم أثناء أداء واجبهم فى ليبيا منذ عام 2014.
وفي مايو 2017، رصد قسم شئون الصحافة والإعلام وقسم تقصى الحقائق والرصد والتوثيق باللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا منذ بداية عام 2017 وقوع 32 حالة اعتداء وانتهاكات بحق الصحفيين والإعلاميين والمؤسسات الإعلامية فى ليبيا تباينت بين الاختطاف والاعتقال القسرى ووقف بث الوسائل الإعلام المسموعة والاعتداءات على مقر قنوات فضائية وراديو مسموعة وتهديدات بالقتل والاختطاف لصحفيين وإعلاميين.
فيما أكد مقرر"اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا"، أحمد حمزة، في تصريح لوكالة "سبوتنيك" الروسية، إن "عمليات الخطف والاعتقال التعسفي والإخفاء القسري في ليبيا باتت شائعة وظاهرة بشكل كبير"، مشيراً إلى أن عدد الضحايا في العام 2017، بلغ 186 حالة خطف، و143 حالة اعتقال تعسفي، بالإضافةً إلى رصد 34 حالة اعتداء واعتقال غير قانوني وتهديدات ضد الصحافيين والناشطين المدافعين عن حقوق الإنسان.
وفي مايو 2018، قالت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا في بيان لها، بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، أن هذه الذكرى السنوية العالمية، تأتي "في ظل استمرار الانتهاكات والتضييق على حرية الصحافة والإعلام والكلمة والوصول إلى المعلومة وعدم السماح للرأي المخالف بالتعبير الحر بحق الصحفيين والإعلاميين والمؤسسات الإعلامية في ليبيا.
يرى مراقبون أن الصحافة الليبية تمر بأحلك فتراتها منذ سنة 2011 حيث أن الجناة يقايضون جنود الحقيقة بحياتهم بدون أي تتبعات أمنية أو قضائية تذكر و لا إجراءات حكومية تدفع نحو توفير الحد الأدنى من ظروف العمل الآمن.
حيث لا تتعدى السلطة في ليبيا منطق الرثائيات و بيانات التضامن و التعاطف الذي يخرج عن طابعه المناسباتي و البروتوكولي البحت.
رحم الله الزميل محمد بن خليفة
رافقت السلامة كل الزملاء المتواجدين على الميدان.