منذ منتصف مايو/أيار 2014 الماضي،تاريخ انطلاق "عملية كرامة ليبيا" العسكرية التي أعلن القيام بها الجيش الليبي بقيادة اللواء خليفة حفتر بغرض القضاء على بعض الجماعات التي توصف بأنها "إرهابية" و القبائل الليبية تتراوح في مواقفها بين الدعم الضمني و الحياد ،حتى وصلت حرائق الصراع إلى شوارع العاصمة طرابلس و مطارها الدولي و بلغ الأمر حد إعلان فصائل جهادية عن "إمارة إسلامية " في عاصمة الشرق بنغازي .و تردت الأوضاع الإنسانية و تفاقم عدد النازحين في الداخل و الخارج ،كما أصبحت البلاد تواجه شبح العزلة عن العالم بعد أن قررت أغلب البعثات الدبلوماسية إغلاق سفاراتها و الخروج من ليبيا هرب من الموت خطفا أو اغتيالا أو برصاص الميليشيات الطائش.

في هذا المشهد القاتم ،أصبحنا نشاهد تحركات قبلية على المستوى السياسي و العسكري ،خاصة بعد إعلان الحكومة الليبية عن طلبها للتدخل الخارجي في حال تواصلت الأوضاع على ماهو عليه ،كما أعطت نتائج الانتخابات النيابية دفعا كبيرا للعديد من القبائل و القوى الاجتماعية الليبية في تحديد موقفها من أطراف الصراع ،في أعقاب الفشل الذريع الذي منيت به الأحزاب الإسلامية و على رأسها جماعة الإخوان المسلمين في مقابل تقدم كبير للقوى المدنية و الليبرالية .

القبائل من عمق شعبي إلى رديف عسكري لعملية "الكرامة"

حين انطلقت عملية الكرامة في مايو الماضي سارعت العديد من القوى القبلية الليبية إلى دعمها و دعم أهدافها في مواجهة الإرهاب و القضاء على التنظيمات المتطرفة . تراوحت أشكال الدعم بين دعم سياسي و شعبي و دعم عسكري و مشاركة ميدانية تمثلت أساسا في مشاركة كتائب "الصواعق" و "القعقاع" التابعة لقبيلة الزنتان (غرب) في المواجهات المسلحة مع الميليشيات الإسلامية المتطرفة،و أخر المواجهات "معركة مطار طرابلس الدولي".المعركة الأخيرة كانت ضارية إلى أبعد الحدود فالميليشيات الإسلامية قد ألقت بثقلها فيها نظرا لحساسية الموقع كمنفذ جوي حيوي و طبيعة الخصم فالهدف كان "كسر شوكة حليف قوي للواء خليفة حفتر".

و لحسم المعركة عمدت قبيلة الزنتان إلى مد جسور التواصل مع قبائل ليبية أخرى ذات شأن بالرغم من ولائها السابق للعقيد الراحل معمر القذافي و كسبها إلى جانبها في المعركة ،فأطلقت سراح العشرات من أبناء هذه القبائل ممن كانوا يقبعون في سجونها باعتبارهم محسوبين على النظام السابق لعل أبرزهم العميد تنتوش الذي يعتبر من أهم القيادات العسكرية في نظام القذافي .

ويعتبر الإفراج عن تنتوش رسالة ايجابية من الزنتان إلى قبيلة ورشفانة ستساعد على تجاوز الماضي وبناء تحالف قبلي جديد لدعم قوات الجيش الليبي التي تتعرض لهجوم غرفة ثوار ليبيا والميلشيات المسلحة بهدف أخراج القوات المحسوبة على الزنتان من العاصمة طرابلس وخاصة من مطار طرابلس الدولي ومحيطه. (1)

في المقابل دعمت هذه القبائل قوات الجيش الليبي و قوات قبيلة الزنتان عسكريا في معركة المطار و استطعت قطع العديد من طرق الدعم اللوجيستي للمليشيات الإسلامية في محيط العاصمة طرابلس.

وقد انضمت كتيبة من لواء ورشفانة - أكبر القبائل العربية الليبية القريبة من العاصمة طرابلس - إلى معركة طرابلس كما يطلق عليها ، كما انضم إلى قوات الجيش الليبى ممثل فى لواءى القعقاع والمدنى وكتيبة الصواعق متطوعون من عشرات القبائل منها ، الرجبان ، ورشفانة ، النوائل ، العجيلات ، التبو والطوارق ، القنطرار ، ورفلة ، ترهونة ، الفرجان ، الصيعان ، الأصابعة، والمشاشية ، المقارحة ، القذاذفة ، الجعافرة ، قماطة ، القواليش ، أولاد إبريك ، وأولاد أبوسيف ، أم الجرسان والغنائمة. (2)

و في هذا السياق تمكنت قوات عسكرية تابعة للواء ورشفانة رفقة مُتطوّعين آخرين من بقية القبائل بالمنطقة، من السيطرة على "مُعسكر الـ 27" غرب العاصمة طرابلس،التابع لغرفة عمليات ثوار ليبيا، تحت إمرة شعبان هدية المكنى بـ«أبوعبيدة الزاوي»،و هو فصيل إسلامي متشدد. (3)

و كان مجلس القبائل الليبية، قد أصدر في الأول من أغسطس 2014 الجاري بيانا دعا فيه "جميع أفراد القوات المسلحة الليبية باستلام السلاح الموجود بحوزة المليشيات والكتائب والدروع الخارجة عن القانون وعودة الشرطة والقضاء إلى تحمل مسئولياتهم والعودة إلى أعمالهم،مؤكدا أنه في حالة الاستجابة لهذا النداء سيصبح أبناء الشعب الليبي شركاء في معركة واحدة لبناء الوطن وتقديم طرحا جديدا لأبناء الشعب الليبي يتجاوز هذا الواقع المزرى والمهين إلى واقع جديد يبعث الأمل في النفوس ويضمن الحرية في إطار الاستقرار الأمني للجميع". (4)

من جانب أخر كشف أحمد قذاف الدم، منسق العلاقات الليبية المصرية السابق، وابن عم الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، عن أن " القبائل الليبية الكبيرة والتي تشكل 70% من الشعب اجتمعت في منطقة على تخوم طرابلس، وشكلت قيادة جديدة سيعلن عنها قريبا لقيادة ليبيا في المرحلة المقبلة." (5)

ما يعني أن المحطات السياسية القادمة في ليبيا سيكون للقبائل دور كبير فيها بعد "خمول" دام أكثر من ثلاث سنوات أثر سلبا على الوضع السياسي و الاجتماعي للبلاد في بلد مازال للقبيلة فيه دور مركزي اعتمدت عليه كل النظم السابقة من الملكية و حتى جماهيرية العقيد الراحل.

البرلمان الجديد و خسارة الإخوان "للمعول التشريعي"

كما في الوضع الميداني ،تعيش القوى الإسلامية بقيادة جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا تقهقرا على المستوى السياسي و الشعبي .فبعد أن كانت تسيطر على الأغلبية في المؤتمر الوطني العام و بعد أن مررت عديد القوانين و التعيينات السامية في الدولة ،أخفقت القوى الإسلامية في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت في شهر يوليو 2014 الماضي، حيث لم تحصل إلا على 23 مقعدًا من أصل 188 مقعدًا فيما حازت القوى الليبرالية و المدنية إلى جانب المستقلين على الأغلبية النيابية داخل البرلمان ما سيعطيها شرعية أقوى كانت تفتقدها في الماضي ،و ما سينعكس على تصور شكل الدولة (المدنية) و مؤسساتها في المستقبل .

لم يعترف الإسلاميون بالهزيمة كما رفضوا الاعتراف بالقرارات الصادرة عن البرلمان الجديد ،مستغلين في ذلك "فجوة قانونية شكلية" فبعد أن قرار مجلس النواب الانعقاد في مدينة طبرق (شرق البلاد) برر الإخوان  مقاطعته، بحجة أن الإعلان الدستوري والتعديلات التي أجراها «المؤتمر الوطني العام» ( البرلمان السابق) نصت على أن مدينة بنغازي هي المقر الرسمي لمجلس النواب، فيما اعتمد المجلس النيابي الجديد على استشارة من وزير الداخلية المكلف صالح مازق، الذي أكد أن مدينتي طرابلس وبنغازي غير آمنتين لانعقاد جلسات مجلس النواب. (6)

فيما بعد تبين أن الأسباب الحقيقية التي تكمن خلف الرفض "الاخواني" للبرلمان الجديد هي خسارة الجماعة و أحلافها "الجهادية" لمناخ الفوضى المغذي لحركة السيطرة التي تنتهجها على مؤسسات الدولة ،فالقرارات التي اتخذها المجلس في أيامه الأولى،كفيلة لوحدها،بتحجيم سطوة الميليشيات و المجاميع المسلحة الخارجة عن كيان الدولة ،كما حضي المجلس بدعم دولي و إقليمي كبير وضع الإخوان في حرج و من خلفهم حلفهم الإقليمي (التركي- القطري)و من بين هذه القرارات :

  • حل جميع التشكيلات المسلحة المشرعنة من قبل المؤتمر الوطني العام(البرلمان السابق المسيطر عليه اخوانيا) ، وإلغاء جميع التكليفات التي كلفت بها سابقًا من رئيس المؤتمر.و تكليف اللجنة القانونية لصياغة مقترح قانون إلغاء هذه التشكيلات، تمهيدًا لعرضها في أقرب وقت على مجلس النواب للتصويت عليها. (7)
  • التصويت على قرار يجيز تدخل الأمم المتحدة من أجل حماية المدنيين والمؤسسات في مواجهة الميليشيات. (8)

القوى الداعمة للبرلمان الجديد :

-التيار الليبرالي

- تحالف القوى الوطنية

- قبائل الزنتان (غرب البلاد)

- كتيبة القعقاع (فصيل قبلي )

- كتيبة الصواعق ( فصيل قبلي)

- قوات "عملية الكرامة" (الجيش النظامي)

- لواء ورشفانة (فصيل قبلي – دعم ضمني)

القوى الرافضة للبرلمان الجديد

- حزب العدالة و البناء (ذراع جماعة الاخوان)

- التيار الاسلامي

- هيئة علماء ليبيا

- المجلس الأعلى للثوار (ميليشيا اخوانية)

- غرفة عمليات ثوار ليبيا (ميليشيا اخوانية)

- مجلس شورى ثوار بنغازي (ميليشيا جهادية)

- قوات درع ليبيا ( ميليشيا جهوية –مصراته)

 

مستقبل الصراع بين الحوار و البندقية

مع تصاعد وتيرة الصراع و ما يخلفه من ضحايا في صفوف المدنيين و من خسائر كبيرة للدولة كما حدث في مطار طرابلس الدولي الذي تحول أثرا بعد عين خلال أيام قليلة ،تتزايد الحاجة إلى تدخل كل القوى الإقليمية و الدولية الفاعلة (الجامعة العربية ،دول الجوار،الأمم المتحدة،الاتحاد الأوروبي،الولايات المتحدة) من أجل أن يجلس الفرقاء إلى طاولة الحوار ،أو يصار إلى مؤتمر جامع يتفق فيه الليبيون على شكل الدولة و دستورها و على كل النقاط الخلافية العالقة على قاعدة "الإرادة الشعبية" دون أن يتخلف طرف عن الاعتراف بهذه الإرادة في حال الهزيمة كما فعلت جماعة الإخوان المسلمين في الاستحقاق الانتخابي الأخير.

غير أن الحسم بالحوار ليس كافيا في "المسألة الليبية" فهناك قوى لا تعترف باللعبة الديمقراطية أصلا،و لا بالدولة المدنية و لا بــ"الأخر السياسي و الفكري و الثقافي" هذه القوى الجهادية – الإرهابية لن يحسم معها الصراع إلا في الميدان خاصة و إنها أصبحت تهديد حقيقي لجيران ليبيا في مصر و تونس و الجزائر و "مركزا إقليميا للنشاط الإرهابي" و الحسم يتطلب مساعدة السلطة المركزية الليبية على :

  • إعادة بناء القوات المسلحة و بناء جهاز خاصة بمكافحة الإرهاب.
  • مزيد التنسيق الأمني و العسكري و الاستخباراتي مع دول الإقليم (مصر،تونس،الجزائر..).
  • إصدار قوانين و تشريعات تخص مكافحة الإرهاب و تمويله و غسيل الأموال .
  • إعادة بناء جهاز الشرطة الليبية و تقديم تدريب ميداني و معلوماتي يتماشى و التغيرات الحاصلة على المستوى العالمي (تكنولوجيا و نظريا..).
  • توحيد المؤسسات الدينية و تجريم منابر التكفير و الفتنة الإعلامية و التعليمية و تنظيم المساجد.
  • مراقبة التمويل الأجنبي للأحزاب و الجمعيات خاصة من طرف قوى إقليمية متخصصة في دعم الإرهاب في المنطقة .

إلى جانب هذه النقاط ،على السلطة السياسية الجديدة في ليبيا دعم و تبني "عملية الكرامة" التي أطلقها اللواء خليفة حفتر فهي تتقاطع كليا مع هدف الدولة المركزي في بسط سلطتها على البلاد و نزع سلاح المليشيات و إعادة هيبة الدولة و فرض الأمن.و كان معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى – المقرب من الدوائر الحاكمة – قد دعا في ورقة له نشرت الشهر الحالي إلى إقامة حوار سياسي بين اللواء حفتر و "مجلس النواب" من أجل بلوغ ثلاثة أهداف هي:

 -  تأكيد دعم اللواء حفتر للعملية الديمقراطية التي أضعفتها تهديداته السابقة بحلّ "المؤتمر الوطني العام" .

- تشجيع حفتر على التخفيف من حدة خطاباته ضد الأحزاب السياسية الإسلامية التي جمع فيها كافة عناصر التطرف الإسلامي، وبالتالي قد يسهم في إنهاء مقاطعتها لـ "مجلس النواب".

- التوفيق في النهاية بين قوات اللواء حفتر، التي تتكون بشكل رئيسي من عناصر الجيش والشرطة، وبين "مجلس النواب" وشرعيته الحديثة. (9)

المصادر

 

(1)-  http://bit.ly/1pOyemy

(2)- http://bit.ly/1psRQxP

(3)- http://bit.ly/1radxW9

(4)- http://bit.ly/VkWnpW

(5)- http://bit.ly/1p7NU4U

(6)- http://bit.ly/1vJS6wW

(7)- http://bit.ly/1mKHpB1

(8)- http://bit.ly/1p7OdwF

(9)- http://bit.ly/XivzZl

 

*نقلا عن معهد العربية للدراسات