مازال الواقع الليبي يراوح مكانه بين انسداد الأفق السياسي وتواصل التصعيد بين الفرقاء،وتردي الوضع الأمني.وتمثل هذه  العوامل مصدرا لتفشي الفوضى في هذا البلد المترامي الأطراف،وهو ما مثل بيئة خطيرة لتحالف الجماعات الإرهابية،التي شكلت ومازالت تشكل خطرا تجاوز ليبيا نحو دول جوارها.

ويثير الصراع المستمر في العاصمة الليبية طرابلس منذ أكثر من شهر،مخاوف السلطات التونسية،من إمكانية أن تطاول تداعياتها الأراضي التونسية،خاصة في ظل الحديث عن انتقال العديد من المقاتلين الأجانب الى ليبيا دعما للمليشيات المسلحة في حربها ضد الجيش الوطني الليبي،وهو ما جعل وزارة الخارجية التونسية تعبر عن قلقها مما يجري.

وقال وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي إن بلاده تتابع قضية وصول مقاتلين أجانب إلى ليبيا قادمين من سوريا والعراق.وأشار الجهيناوي، في مؤتمر صحفي مشترك مع مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي فيدريكا موغيريني، إلى أن عدد هؤلاء المقاتلين الأجانب المتواجدين داخل ليبيا غير معروف حتى الآن، مشددا على ضرورة وقف إطلاق النار في البلاد وعودة أطراف النزاع إلى طاولة الحوار.

وتصاعدت مؤخرا التحذيرات من انتقال عناصر ارهابية الى ليبيا عن طريق دول تسعى لمنع سقوط المليشيات الموالية لها في العاصمة طرابلس.وأكد وزير الخارجية والتعاون الدولي في الحكومة الليبية المؤقتة، عبد الهادي حويج،مؤخرا في تصريح لصحيفة "العرب" اللندنية،أنّ تركيا تسيّر رحلات جوية مباشرة إلى مدينة مصراتة لنقل مقاتلين من جبهة النصرة في سوريا..

وكشفت تقارير ليبية وعربية، خلال الأيام القليلة الماضية؛ أنّ "السلطات التركية كثفت من عمليات تجميع العناصر الإرهابية الفارة من المعارك في سوريا، خاصة أفراد تنظيم "جبهة النصرة"؛ حيث شرعت في نقلهم جواً إلى الأراضي الليبية لدعم الميليشيات المسلحة المنتشرة في العاصمة طرابلس".وأكّد اللواء أحمد المسماري، الناطق الرسمي باسم الجيش الليبي،خلال مؤتمر صحفي على وجود "خط جوي وبحري مفتوح بين تركيا ومصراتة لنقل العتاد العسكري والإرهابيين إلى ليبيا".

وبعد الهزائم التي منيت بها التنظيمات الارهابية في سوريا وسقوط معاقلها هناك،تصاعدت التساؤلات حول مصير هذه التنظيمات وعلى رأسها "جبهة النصرة و"داعش".وأشار العديد من المراقبين أن تركيا المرتبطة بعلاقات وطيدة مع هذه التنظيمات ستعمل على نقلهم الى دول أخرى لخدمة أجنداتها على غرار ليبيا حيث تسعى أنقرة لاطالة أمد الفوضى هناك.

وتثير محاولات الجماعات الإرهابية لتحويل ليبيا الى ملاذ جديد لها بعد انحسار نفوذها في سوريا والعراق،مخاوف السلطات التونسية من إمكانية تسلل الجهاديين إلى البلاد وتنفيذ هجمات إرهابية مشابهة لتلك التي حصلت خلال السنوات الماضية،خاصة وأن عددا كبيرا من المقاتلين في صفوف التنظيمات الارهابية من جنسيات تونسية.

وشكّل خطر التونسيين المقاتلين في صفوف تنظيم داعش بليبيا، محور اهتمام الأجهزة الأمنية منذ سنوات لا سيما في ظل تقارير إعلامية وتصريحات رسمية تتحدث عن أعداد كبيرة للمقاتلين التونسيين،فبحسب الأمم المتحدة انضم نحو 4 آلاف تونسي إلى تنظيم داعش في سوريا والعراق منذ عام 2011، بينما التحق نحو 1500 شخص آخرين بالتنظيم في ليبيا.

ودفع الصراع في العاصمة الليبية بالسلطات التونسية الى رفع درجة التأهب على الحدود مع ليبيا، واتخاذ الاحتياطات الميدانية كافة لتأمين الحدود الجنوبية الشرقية ومواجهة التداعيات المُحتملة للحرب في طرابلس.وأكد وزير الداخلية التونسية هشام الفوراتي أن التنسيق بين القوات العسكرية والأمنية، في اعلى مستوياته في مناطق الجنوب التونسي، وأن مجلس الأمن القومي أقر وضع خطة أمنية استعدادا لكل طارئ.

كما دفعت المخاوف بمجلس الأمن القومي إلى إعلان حالة الطوارئ القصوى، على الرغم من أن رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي كان قد أعلن قبل شهر، أنه لن يجدد بقرار منه، إعلان حالة الطوارئ، وأحال مشروع القانون على مجلس النواب لتحديد الحالات التي يمكن فيها إعلان ذلك، وبرر موقفه بالانتقادات الموجهة لرئيس الجمهورية بشأن استمرار حالة الطوارئ في تونس. لكن انعكاس الأوضاع العسكرية في العاصمة الليبية طرابلس، أجبر رئيس الجمهورية وأعضاء مجلس الأمن القومي على اتخاذ هذا الإجراء مرة جديدة.

وعانت تونس خلال السنوات الماضية من هجمات ارهابية، أبرزها اعتداءين على المتحف الوطني ومنتجع سياحي في تونس.وقُتل في الاعتداءين اللذين أعلن تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) مسؤوليته عنهما العام 2015 ، 59 سائحاً أجنبياً،وقال مسؤولون تونسيون إن المهاجمين تدربوا في ليبيا.

وفي مارس 2016،أعلن تنظيم "داعش" عن تبنيه لما أسماه "غزوة بن قردان" وهي الهجوم الإرهابي الفاشل الذي شنه على مدينة بن قردان التونسية على الحدود مع ليبيا، أيام قليلة بعد استهدافه من قبل القوات الأمريكية في مدينة صبراتة المحاذية للحدود مع تونس.وقد تكبد "داعش" في هجومه على بن قردان خسائر كبيرة تمثلت في القضاء على 55 فردا من أتباعه، إضافة إلى خسارة عتاد كبير ومتطور. كما انكشفت مخططاته لقوات الأمن والسلطات التونسية.

وكثفت تونس مؤخرا من حملاتها الأمنية على الحدود حيث تمكنت من احباط العديد من محاولات التسلل لأفارقة القادمين من ليبيا نحو التراب التونسي.كما نجحت في احباط مخططات ارهابية تهدف لزعزعة أمن البلاد وآخرها تمكن الوحدة الوطنية للبحث في جرائم الإرهاب والجرائم المنظمة والماسة بسلامة التراب الوطني،الخميس 16 مايو/أيار 2019، بالتنسيق مع الإدارة المركزية للاستعلامات العامة بالإدارة العامة للمصالح المختصة بالإدارة العامة للأمن الوطني من إحباط عملية إرهابية تمّ التخطيط لتنفيذها خلال شهر رمضان وذلك بالكشف عن مخزن للمتفجرات بجبل سمامة كان معدا لاستهداف الدوريات الأمنية والعسكرية بالمنطقة.

وقالت وزارة الداخلية في بيان لها أنّ العمليّة جاءت بناء على معلومات استخباراتية دقيقة مفادها تخطيط عناصر ما يُسمى بـ "كتيبة عقبة بن نافع" لإستهداف الوحدات الأمنية والعسكرية بالقصرين.ولفتت إلى أنّ الوحدات الأمنيّة تمكّنت في ذات العملية من حجز 11 لُغما أرضيا مُعدا لاستهداف العربات والأشخاص و6 بطاريات وجهاز تحكم للتفجير عن بعد وكمية هامة من مادة الأمونتير وأكثر من 30 كلغ من المتفجرات و33 صاعقا وسلاح ناري نوع "ماغنوم" وجهاز لاسلكي.

من جهة أخرى،تتخوف السلطات التونسية من أن تدفع وتيرة الصراع العنيف في العاصمة الليبية طرابلس بموجات نزوح كبيرة لليبيين الفارين من خطر الاشتباكات.وهو ما أكده رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد، خلال مؤتمر صحافي عقده في تونس مع نظيره الإيطالي جوزيبي كونتي،حين أشار الى المخاوف إزاء نزوح عدد كبير من الليبيين إلى تونس كما حدث عام 2011.

وأورد الشاهد أن "تونس وإيطاليا من أكثر الدول تضرراً من النزاع في ليبيا منذ 2011، وثمة تخوف من تكرار تجربة 2011 بشأن نزوح اللاجئين إلى تونس بعدد كبير". وأردف أن "الوضع الأمني في ليبيا مقلق جداً... وتبقى تونس وإيطاليا على أقصى درجات الحذر".كما أشار إلى وجود تخوف من الإرهاب، لا سيما أن الحدود بين الحدود التونسية الليبية تمتد لأكثر من 500 كلم، قبل أن يشير إلى أن قوات الأمن التونسية مستنفرة على طول الحدود.

ويشن الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر منذ الرابع من أبريل/نيسان الماضي عملية عسكرية بهدف تحرير العاصمة الليبية من قبضة المليشيات المسلحة التي تسيطر عليها منذ سنوات.وبرزت في ساحة المعركة عدة شخصيات مطلوبة محليا ودوليا اضافة الى عناصر ارهابية تقاتل في صفوف المليشيات ضد الجيش الليبي.

وفي الوقت الذي تتواصل فيه التحركات الاقليمية والدولية في محاولة لايقاف الصراع في العاصمة الليبية والعودة الى طاولة الحوار،تتضح تحركات دول أخرى أبرزها تركيا التي تسعى لتأجيج الحرب والدفع بالسلاح والعناصر الارهابية من سوريا الى ليبيا في محاولة لانقاذ المليشيات الموالية لها والتي تمثل ذراعها الطويل لنهب ثروات ليبيا.ويرى مراقبون أن نجاح الجيش الليبي في انهاء نفوذ المليشيات سينهي التدخلات السلبية في البلاد وسيكون نقطة البداية لارساء المصالحة وبناء الدولة.