مازالت ليبيا تدفع ثمن التدخلات الخارجية التي تدفع نحو تأجيج الصراعات،حيث تواصل عدة دول وعلى رأسها تركيا تدخلاتها السلبية المتمثلة أساسا في إرسال الأسلحة مستغلة غياب سلطة الدولة وتواصل الصمت الدولي حيال تجاوزاتها التي تغذي الفوضى والعنف في هذا البلد الممزق بالإنقسامات. وآخر هذه التجاوزات والخروقات جاء مع ضبط جمارك ميناء الخمس (شرق العاصمة طرابلس) حاوية قادمة من تركيا، تضم كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر قدرت حسب بيان مركز جمارك الخمس،بثلاثة آلاف مسدس 9 ملم، و120 مسدساً، و400 بندقية صيد، بالإضافة إلى 2.3 مليون طلقة.
تحقيق دولي
وفي أعقاب الكشف عن شحنة الأسلحة والذخيرة التركية،طالب الجيش الوطني الليبي، مجلس الأمن، بفتح تحقيق "فوري"،متهما في بيان له، تركيا بـ"محاولة زعزعة استقرار ليبيا عبر دعم الإرهاب، وإطالة عمر الأزمة من خلال عملائها في البلاد".
وقال البيان إن "القيادة العامة للقوات المسلحة العربية الليبية تابعت وبقلق بالغ تمكن السلطات في ميناء الخمس غرب ليبيا يومي 17 و 18 ديسمبر الجاري من ضبط شحنتي أسلحة ضخمتين وذخائر قادمة من تركيا".
وأضاف أن "عدد الذخائر في هاتين الشحنتين فاق 4.2 مليون رصاصة، بما يكفي لقتل قرابة 80% من الشعب الليبي، إضافة لآلاف المسدسات والبنادق ولوازمها بما فيها تلك القابلة للتحوير بكواتم صوت لتنفيذ الاغتيالات، وهذا ما يدل على استعمالها في عمليات إرهابية داخل الأراضي الليبية.
وتابع البيان:"إننا نضع العالم أجمع مجددًا أمام مسؤولياته تجاه ما تقوم به تركيا من زعزعة لأمن ليبيا واستقرارها بدعم للإرهاب".مؤكدا أن تركيا لم ولن تتوقف عن تصدير شحنات الأسلحة إلى ليبيا.مشيرا إلى الأدلة والإثباتات التي سبق أن قدمها الجيش الليبي التي تؤكد تورط تركيا ودول أخرى في إسناد الإرهابيين في ليبيا.
وطالب الجيش "مجلس الأمن الدولي، والأمم المتحدة وبعثتها في ليبيا، بإدانة تركيا، وفتح تحقيق فوري حولها، واتخاذ موقف جدّي حيال ارتكابها لجريمة إرهابية بخرقها لقرارات مجلس الأمن رقم 1973 لسنة 2011 بشأن ليبيا والقرار رقم 1373 لسنة 2001 والخاص بحظر تمويل كافة الأشخاص والمنظمات الإرهابية والملزم لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
من جهته،أعرب أحمد حمزة، رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا،ن قلقه بعد ضبط هذه الشحنة الكبيرة من الذخائر والأسلحة عبر ميناء الخمس، بواسطة مسؤولين أمنيين وعسكريين في الميناء، محذراً من مغبة "الاستمرار في خرق حظر التسليح المفروض من قبل مجلس الأمن الدولي على ليبيا".
ونقلت صحيفة "الشرق الأوسط"،ن حمزة قوله أن"هذه الشحنات من الأسلحة والذخائر ستسهم في تصعيد العنف والاقتتال بين الأطراف المتنازعة في البلاد، والذي من شأنه أن ينعكس على أمن وسلامة وحياة المدنيين". وطالب حمزة لجنة الخبراء الدوليين بمجلس الأمن الدولي المعنية بليبيا، بـ"فتح تحقيق شامل مع الأطراف المسؤولة عن استيراد هذه الحاوية، وكيفية تسهيل تسييرها عبر الموانئ التركية"، لافتاً إلى أنها "تعد ثاني شحنة سلاح قادمة من تركيا تُضبط خلال هذا العام".
كما دعا رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا، لجنة الخبراء الدوليين إلى "فتح تحقيق مع السلطات التركية حول هذه الشحنات، ومدى التزام السلطات هناك بقرارات مجلس الأمن الدولي تجاه ليبيا".
ليست الأولى
وهذه ليست المرة الأولى التي يجري فيها ضبط أسلحة ومتفجرات قادمة من تركيا إلى ليبيا. ففي يناير الماضي ضَبط خفر السواحل اليوناني سفينة شحن تحمل مواد متفجرة خلال إبحارها من تركيا إلى ليبيا، ووصف السفينة بأنها عبارة عن "قنبلة متحركة". وضبط على السفينة 29 صندوقا تحتوي على صواعق ومواد متفجرة منها نترات الأمونيوم".
وقال الأدميرال يانيس سوتيريو من خفر السواحل اليوناني "كان يمكن أن يسفر ذلك عن نتائج لا يمكن التكهن بها على الناس والبيئة". وتابع "ادعى ربان السفينة أنه كان يبحر إلى جيبوتي، لكن تبيّن لاحقا أن الوجهة الحقيقة هي مرفأ مصراتة في ليبيا.
وقبل ذلك، كشفت اليونان في يناير 2013 أنها عثرت على أسلحة تركية على متن سفينة متجهة إلى ليبيا بعد توقّفها في اليونان بسبب سوء الأحوال الجوية.وفي ديسمبر من نفس العام ذكرت الصحافة المصرية أيضا أن إدارة الجمارك المصرية اعترضت أربع حاويات من الأسلحة قادمة من تركيا يعتقد أنها كانت موجهة للميليشيات الليبية.وفي أغسطس 2014 دمّرت قوات الجيش الوطني الليبي سفينة متجهة إلى ميناء درنة محمّلة بأسلحة قادمة من تركيا.
وبعد ثلاثة أشهرٍ، في نوفمبر 2014، ذكرت وسائل الإعلام التركية أن السلطات اليونانية عثرت على 20 ألف قطعة كلاشينكوف، على متن سفينة متجهة من أوكرانيا إلى ليبيا. وقال الربان التركي إن السفينة كانت متجهة إلى ميناء هطاي جنوبي تركيا، ولكن السلطات الليبية قالت إن بيانات حركة المرور البحرية أشارت إلى أنها كانت متجهة إلى ليبيا.
صمت دولي
يذكر أنه في مارس/آذار 2011، أصدر مجلس الأمن الدولي قراره رقم 1970، وطلب فيه من جميع الدول الأعضاء بالأمم المتحدة "منع بيع أو توريد الأسلحة وما يتصل بها من أعتدة إلى ليبيا، ويشمل ذلك الأسلحة والذخيرة والمركبات والمعدات العسكرية والمعدات شبه العسكرية وقطع الغيار". كما حظر القرار أيضًا أن "تشترى الدول الأعضاء، أي أسلحة وما يتصل بها من أعتدة من ليبيا.
ورغم فرض المجتمع الدولي منذ 2011 حظر التسليح على ليبيا،فإن الأمم المتحدة لم تتدخل لوضع حد للخروقات الواضحة من طرف أنقرة في حق ليبيا والليبيين رغم تعهد المبعوث الأممي غسان سلامة بالتحقيق في قضية سفينة المتفجرات التي ضبطت في يناير.
وعلق غسان سلامة،حينها قائلا: "ليبيا بحاجة إلى الأمن والسلم لا للصواعق والمتفجرات"، وأضاف سلامة عبر تدوينة له على موقع التدوينات المصغرة "تويتر"، إن ليبيا يكفيها ما فيها، مؤكدا أن القرار الدولي بمنع تصدير السلاح واضح وصريح ولجنة الخبراء ستقوم بعملها بمهنية وتجرد لجلاء حقيقة السفينة "أندروميدا"وغيرها.
ورغم تعهد سلامة بإن المنظمة الأممية ستحقق بشأن سفينة المتفجرات التركية التي كانت في طريقها إلى ليبيا،فإن البعثة الأممية لم تعلن إلى حد اليوم عن نتائج ذلك التحقيق، وهو ما يعمّق خيبة الليبيين الذين باتوا لا يثقون في أي طرف لإخراجهم من الأزمة العاصفة ببلادهم منذ سنوات.
ومنذ العام 2011، مثل انتشار السلاح أحد أهم التحديات التي تواجه المساعي الداخلية والدولية لإعادة الاستقرار إلى ليبيا.وفي ظل صمت دولي للخروقات،يستمر تدفق الأسلحة المتجهة للجماعات المسلحة،من دول داعمة لها وعلى رأسها تركيا، التي ترتبط بعلاقات إيديولوجية مع هذه الجماعات التي تسعى للسيطرة على البلاد.
وفي ظل سنوات الفوضى والدم التي مرت عليها،مازالت ليبيا ضحية التدخلات الخارجية من الدول الداعمة للجماعات المسلحة والتي تسعى لإطالة أمد الأزمة ما يهدد بإراقة المزيد من دماء الليبيين.ويرى مراقبون أنه وأمام الصمت الدولي على هذه التدخلات السلبية،فإن على الليبيين التعويل على أنفسهم وتجاوز خلافاتهم وارساء سلطة موحدة قادرة على حماية البلاد ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية.