عندما وصلت هجمات المسلحين الإسلاميين إلى مسافة 50 مترا من مقر الرئيس الصومالي أرغموا السلطات على إعادة رسم خططهم الأمنية في العاصمة مقديشو.

كان هجومهم الدموي في 21 فبراير على المجمع الرئاسي المعروف باسم فيلا الصومال أقرب نقطة يصل إليها المتمردون المرتبطون بتنظيم القاعدة من الرئيس حسن شيخ محمود.

وأبرز الهجوم الذي شنته حركة الشباب على قلب جهاز الحكم في البلاد وكذلك هجوم دموي على مركز تجاري في العاصمة الكينية نيروبي قبل ذلك بخمسة أشهر القدرة التدميرية للمسلحين في الداخل والخارج، وألقى مزيدا من الشكوك على تعهد الرئيس محمود بتحسين الوضع الأمني.

وقالت سميرة فرح (30 عاما) مرددة شكوكا واسعة الانتشار في قدرة الرئيس على إخماد حركة الشباب: "الوعود الحلوة من الحكومة هي الشيء المعتاد في مقديشو. وكذلك انفجارات القنابل."

ومنذ فبراير أخذت الحكومة الصومالية المدعومة من الغرب وأجهزتها الأمنية خطوات جديدة لتحسين الأمن واستعادة ثقة الرأي العام الذي ربما يكون أكثر حلفائهم فاعلية.

ويعمل مسئولو المخابرات والقادة العسكريون لقوات حفظ السلام القادمة من دول إفريقية أخرى في مبنى واحد.

وطلبت القيادة من الوزراء النزول إلى أحياء مقديشو الستة عشر ليكونوا أقرب إلى الناس ولإعادة بناء الثقة في الحكومة على أمل أن يفضح أفراد الشعب المتمردين المشتبه بهم.

وقال الوزير السابق عبدي رشيد حاشي، رئيس معهد هيريتيج للدراسات السياسية: "قبل ذلك كان الوزراء يجلسون في فيلا الصومال مرتدين ربطات العنق، أما الآن فسيكونون أقرب للناس والواقع"، وأضاف: "الخطة متأخرة عاما لكن لم يفت أوان البدء قط."

وعزل الرئيس محمود رئيس بلدية المدينة وطلب من رئيس البلدية الجديد تنفيذ خطة أمنية تحث المواطنين على الإبلاغ عن جيرانهم الذين يعتقد أنهم يتعاونون مع حركة الشباب.

وقال دبلوماسي غربي: "الهجوم على فيلا الصومال كان إنذارا. فالرئيس يأخذ الآن نهجا نشطا (إزاء الأمن) ولا أعتقد أن هذا كان الحال في السابق".

* تسلل

وما زال جيش الصومال الذي يحصل أفراده على مرتبات هزيلة ولا يتحلون بالانضباط العسكري المعهود مجموعة من الميليشيات المتنافسة أكثر منه قوة مقاتلة متماسكة.

وتعتمد حكومة محمود في بقائها على قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي التي يبلغ قوامها 22 ألف جندي وتواجه أجهزة الاستخبارات الصومالية صعوبات في مكافحة المتمردين.

وقال محمد علي جامع، مدير وزارة الأمن الوطني الذي يشرف على جهاز المخابرات الصومالي والشرطة الوطنية: "بوسعنا زيادة الأعداد لكن المشكلة في التدريب والمعدات والنقل والاتصالات."

وتحقق بعض التقدم. ففي عام 2011 كانت الخنادق التي تخترق مقديشو هي الخط الأول لحركة التمرد التي قام بها الشباب، أما اليوم فالصوماليون العائدون إلى الوطن للمرة الأولى منذ بدأت الحرب الأهلية عام 1991 يمولون انتعاشا اقتصاديا.

وأحرزت قوات حفظ السلام الإفريقية نجاحا في إخراج الشباب من المدن الكبيرة، لكن المسلحين ما زالوا يسيطرون على المناطق الريفية والمراكز العمرانية الصغيرة، ويشنون منها هجماتهم الانتحارية استلهاما لفكر القاعدة.

ويقول مسئولون أمنيون صوماليون: إن المقاتلين المتشددين بدأوا يتسللون مرة أخرى إلى مقديشو التي يبلغ عدد سكانها نحو 1.5 مليون نسمة تحت وطأة هجوم عسكري جديد شنته قوات الاتحاد الإفريقي وقوات الحكومة الصومالية في مختلف أنحاء جنوب البلاد.

وتقول وثيقة حكومية جديدة لاستراتيجية الأمن في مقديشو: إنهم يعودون بحثا عن مخابئ و"لترويع المدنيين".

وقال ضابط مخابرات: إن حركة الشباب قادرة على تفخيخ السيارات وتجهيز سترات المتفجرات للانتحاريين في مقديشو، وإنها هربت متفجرات جاهزة إلى مدن أصغر تسيطر عليها الحكومة وقوات الاتحاد الإفريقي. وأصبحت المكاسب الأمنية التي تحققت في السنوات الثلاث الماضية في خطر.

وقال مستشار أمني غربي على دراية واسعة بالعاصمة مقديشو: "لم أر مقديشو بهذا السوء (من حيث الوضع الأمني) منذ فترة."

وكتب الأستاذ الجامعي كين منخاوس يقول في مجلة عسكرية أمريكية: إن حركة الشباب أصبحت "أضعف وأخطر على السواء" من ذي قبل. فقد تقلصت قدراتها القتالية الإجمالية في حين تنامت خبراتها في حرب الثوار.

وتتوقف الاستراتيجية الأمنية الجديدة لمقديشو التي رسمت بعد أيام فقط من الهجوم على فيلا الصومال على الحصول على المزيد من المعلومات الميدانية من شوارع المدينة.

ويواجه المسئولون الصوماليون تحديا يرفضون الاعتراف به وهو تسلل المتشددين إلى المؤسسات الحكومية.

وقال شهود: إن المسلحين الذين أغاروا على المجمع الرئاسي الذي يتمتع بحراسة مشددة في فبراير مخترقين نقاط تفتيش كانوا يرتدون زيا عسكريا وهو أسلوب استخدمته حركة الشباب من قبل.

ودفع ذلك رئيس الوزراء إلى طلب المساعدة من الدول الغربية.

وقال نيكولاس كاي الممثل الخاص للأمم المتحدة في الصومال في رسالة بالبريد الإلكتروني إلى ستة سفراء غربيين في 22 فبراير: إن رئيس الوزراء "سأل عما إذا كان من الممكن معاونة الصومال في تحقيق جنائي على مستوى عال يتطلب بحث ما إذا كانت حركة الشباب تحصل على دعم داخلي".

وأرسلت بريطانيا والولايات المتحدة محققين لتقديم العون. وقال كاي لرويترز: إن الأمم المتحدة قلصت عدد موظفيها في مقديشو بصفة مؤقتة بسبب الوضع الأمني المتدهور.

وفي هجوم آخر في فبراير الماضي بالعاصمة استهدفت حركة الشباب قافلة تابعة للأمم المتحدة بسيارة ملغومة خارج المطار.

وقال جامع، مدير وزارة الأمن الوطني، لرويترز: إن السكان المحليين هم أنجع سلاح لتفكيك شبكات المسلحين.

وأضاف: "يمكنهم رصد الجيران الجدد ومن يدخلون المدينة وأنشطة هؤلاء الجيران".

لكن السكان المحليين لا يشعرون بالارتياح لإبلاغ قوى الأمن عن المتمردين؛ إذ يشاع أن رجال الأمن يقبلون رشى من المقاتلين الإسلاميين المحتجزين.

وقال بيل عثمان وهو من الأعيان: "اعتدنا أن نقدم للشرطة معلومات عن أماكن اختباء المقاتلين. وتلقي الشرطة القبض على المقاتلين لكنها تطلق سراحهم بعد ساعات".

وأضاف "أعرف أناسا كثيرين فروا أو قتلوا بعد إطلاق سراح المقاتلين الذين حددوا هويتهم".