الأحداث الأمنية التي تخللت سنة 2013، ستبقى آثارها في المغرب الكبير لسنوات طويلة ما لم تتحرك البلدان الآن لاتخاذ إجراءات ملائمة.فالسنة بدأت بمواجهات حاسمة ضد المتطرفين المتحالفين مع القاعدة في شمال مالي وانتهت بتحوّل الخطر الإرهابي إلى الجنوب الليبي وشمال النيجر ومنطقة الحدود الجزائرية-التونسية.وكان أبرز حدث أمني شهدته المنطقة هي العملية التي شنتها القوات الفرنسية-الإفريقية في يناير 2013 ضد الجماعات الإرهابية شمال مالي. حيث دكت الطائرات الحربية وقوات الجيش معاقل القاعدة وحركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا وأنصار الدين.

العملية قضت على العديد من القيادات الإرهابية، ودمرت مخازن السلاح وطرق التموين. لكنها دفعت في نفس الوقت الناجين منهم للفرار إلى شمال مالي وليبيا، حيث يوفر الوضع الأمني المضطرب بيئة مثالية لإيجاد موطئ قدم لهم.وعقب الحرب في مالي، شوهد مختار بلمختار (المكنى خالد أبو العباس أو " لعور ") وهو يشتري السلاح قرب مدينتي سبها وأوباري في الجنوب الليبي.

الترسانة التي اقتناها في ليبيا مكنته في وقت لاحق من تنفيذ الحصار القاتل على مركب الغاز عين أميناس بالجزائر و تفجيرات النيجر الانتحارية في أرليت وأغاديز.في هذا الصدد، يقول الصحفي محمد معلوم "يمكن القول بأن سنة 2013 كانت سنة جهاد بالنسبة للإرهابيين لأنه تم فتح أماكن للجهاد جعلتهم يتوجهون إليها ويتعرف بعضهم على بعض، ولذا فإن وجودهم في سوريا سبقته مرحلة تنسيق في ليبيا ومالي".ويضيف معلوم أن مختلف هذه المحطات تمنحهم فرصة لتبادل الخبرات والخطط والإستراتيجيات الحربية.ويرى الصحفي أن الوضع الأمني في ليبيا تفاقم بفعل الأزمات في سوريا ومصر.وأوضح قائلا "بات الإرهابيون ينظرون إلى تلك الوضعية باعتبارها أكثر من ملائمة لربط الصلة ببعض الإرهابيين الجدد في مصر والاستفادة معنويا من التفوق الذي حققته الجماعات المتشددة في سوريا في بداية اندلاع الثورة".

بيد أن الفشل العسكري للمجموعات الإرهابية جعلها تبحث عن بدائل أخرى.وفي محاولة للتواصل مع الشباب في المغرب الكبير والساحل، أطلقوا عدة مواقع جهادية وفتحوا حسابات على شبكات التواصل الاجتماعي وعلى رأسها تويتر لتجنيد الشباب والتواصل مع المريدين.المحلل سيد أحمد ولد اطفيل يرى أن هناك سهولة في التجنيد في المغرب الكبير أمام الاستخدام الواسع للإعلام الاجتماعي.وأشار إلى أنه خلال 2013 "تمكنت القاعدة من السيطرة على ولايات كبيرة في شمال مالي وعززت نفوذها في ليبيا والنيجر وهذا بطبيعة الحال من شأنه أن يجلب الكثير من المنخرطين المؤمنين بفكر القاعدة وقوتها، حيث استطاعت اختراق النيجر وقتلت بعض الحراس ووصلت إلى مركب عين أميناس".وحذر بالقول "هذه الويلة ستظل مستمرة لعدة سنوات ما لم تغير حكومات الدول المغاربية إستراتيجيتها".وأوضح أن الإرهابيين يستغلون يأس الشباب "وتقنع الشاب بأن الخلاص يكمن في طريق الجهاد".فيما يتساءل الناشط محمد آغ أحمدو عن آفاق الاستقرار في شمال مالي.

فمجموعات الطوارق التي شكلت جزءا من الاضطراب في السنة الماضية ما زالت تطرح نفس التحدي ما لم تنفتح عليها الحكومة المالية المنتخبة لإيجاد تسوية لمشكل الطوارق.ويقول لمغاربية إن هذا هو سبب استمرار التفجيرات في كيدال. ذلك أن بقايا جيوب الإرهاب لم يتم القضاء عليها وقد تدفع ببعض شباب الطوارق إلى التحالف معها في السنة القادمة لخلق جبهة هدفها إحباط المخططات التنموية في شمال مالي واستهداف القوات الأممية.ويرى الكاتب الموريتاني المقيم في السعودية المهدي ولد أحمد طالب بأنه لا فرق بين سنة 2013 أو 2014 من حيث طريقة مواجهة الخطر الإرهابي.وقال إنه على الدول المغاربية أن تحذو حذو موريتانيا واعتماد الحوار مع الإرهابيين لأن الدول التي استخدمت العنف ما زالت عاجزة عن القضاء على الإرهاب.

ويضيف ولد أحمد طالب "يمكن محاربة ظاهرة الإرهاب إذا حاربنا أسبابها التي أدت إلى ظهورها في تلك المجتمعات ومن أهم تلك الأسباب الظلم وعدم إقامة العدل بين الفئات الأكثر فقرا وتسلط علية القوم باسم النفوذ السلطوي. التسلط يرفض قبول الآراء المخالفة".ويتابع الكاتب "عدم قبول النصح من هؤلاء الشباب يدعوهم إلى استخدام العنف، فالحوار الجاد والحديث الصريح مع القوم هو الذي سيقضي على هذه الظاهرة، أما أساليب القوة ومصادرة الرأي فستجعلهم يصرون على موقفهم".أما المصطفى ولد البشير باحث موريتاني في التاريخ المغاربي، يرى أن السبيل الوحيد لوضع حد للعنف المتطرف هو العمل معا.وقال "لا يمكن أن تتكاتف الجهود المغاربية لمحاربة الإرهاب بأشكاله إلا باتفاق أمني مشترك بين الدول الخمسة وبموجبه تتحد الجهود الأمنية والجهود اللوجستية لمقاومته والقضاء عليه".ويختم بالقول "من ثم يمكن كذلك التعاون المغاربي المشترك في تثقيف الشباب المغاربي حول خطورة التطرف والإرهاب والتكفير وتوعية الشباب حول الاعتدال والوسطية وعدم الغلو في الدين".

*نقلا عن "مغاربية"