تتصاعد وتيرة العنف في تونس باستمرار وتتّخذ أوجها وأشكال عدّة من التعنيف اللفظي والمادي، خاصة ضد المرأة، وصولا إلى القتل والتنكيل والإنتحار. وقد أصبح استعمال الأعيرة النارية و"الطلقات الشاردة" شكلا جديدا متجدّدا في الإنهاء الإختياري للحياة، الإنتحار، أو في الشجارات والثأر وحتى "على وجه الخطأ".

 توفّى عون أمن صباح اليوم الاثنين 30 أغسطس/أوت 2021، في المستشفى الجهوي بسليانة(شمال غرب تونس) متأثرا بجروحه، بعد أن أطلق على نفسه النار داخل منزله. ووفق جريدة الشروق التونسية  فإن عون الأمن دخل الى احدى غرف منزله، وأطلق رصاصة على مستوى رأسه. وقد انتبه الجيران إلى صوت الرصاصة فتم نقله إلى المستشفى إلاّ أنّه فارق الحياة. "صورة بشعة" تكررت عديد المرات في صفوف الأمنيين التونسيين الذين قرروا وضع حد لحياتهم برصاصات سلاحهم الخاص.

في مشهد آخر هز الشارع التونسي خلال شهر مايو/ماي الماضي  أقدم عون حرس قاطن بولاية الكاف (شمال تونس) على إطلاق النار على زوجته من سلاحه الخاص إثر خلاف عائلي، وتوفيت بعد نقلها إلى المستشفى متأثّرة بجروحها. حيث تعرضت، رفقة الشارني التي أصبحت أيقونة العنف الأسري في تونس، لسبع طلقات نارية فى عدة أجزاء من جسمها من سلاح زوجها الخاص. وقد تم إلقاء القبض عليه من طرف دورية مشتركة تابعة لمنطقة الامن الوطني بالكاف وتمّ حجز سلاحه.

جمعيات حقوقية: مقتل رفقة الشارني هو نتيجة منطق "الزمالة الأمنية والتضامن  المهني" | الشاهدسوسن معالج توّجه رسالة قاسية بعد مقتل رفقة الشارني | Laha Magazine

مشاهد كثيرة لاستعمال السلاح والطلقات النارية تتكرّر باستمرار في الشارع التونسي وتتخذ أشكالا عديدة تصب جميعها في خانة "العنف الشديد" بغض النظر عن الدوافع والأسباب. في مشهد يحاكي "المسلسلات والأفلام" أواخر الشهر الحالي، تقول أم الهالكة التي كانت حاملا وأم لطفلين، في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء، أنّ أبناءها كانوا جالسين أمام منزلهم وأطلق عليهم الرصاص حوالي الساعة الثالثة والنصف صباحا من سيارة على متنها مجموعة من الأشخاص وأنّ ابنتها الوحيدة كانت حاملا ونائمة وخرجت من المنزل لأنّها كانت خائفة أن يلحق أخواتها أذى فعادت السيارة وأطلقت عليها النار، مؤكّدة أنّ ابنها من مواليد 1993 أصيب على مستوى العينين وأصيب معه أصدقاؤه من أبناء الجيران.

وأضافت أنّه بعد نقل المصابين إلى المستشفى عادت المجموعة لتحاول إطلاق الرصاص عليهم غير أنّها تحصنت مع أطفال ابنتها وجارتها في المنزل. وأكدت أنّ ذات المجموعة أطلقت الرصاص على أحد المارة وقالت إنّهم لا يعرفون الشخص الذي كان يطلق النار أو المجموعة التي كانت معه. فيما أفاد أخ الضحية أنّ ثلاثة أشخاص كانوا في سيارة ومعهم سلاح (بندقية) وخلفهم مباشرة سيارة ثانية.

فيما أفاد الكاتب العام للنقابة الجهوية لقوات الأمن الداخلي بالمنستير(الساحل التونسي) مراد بن صالح في تصريح إعلامي أنّ الضحية أم لطفلين توفيت متأثرة بطلق ناري مع إصابة ثمانية أشخاص آخرين برصاص بندقية صيد لشاب يبلغ من العمر 18 سنة وهو من أصحاب السوابق العدلية. وقد تمكنت الوحدات الأمنية التابعة لاقليم الأمن الوطني بالمنستير والمناطق الراجعة لها بالنظر معززة بالفرقة الوطنية لمقاومة الإجرام بالقرجاني من إلقاء القبض على مرتكب جريمة القتل الشنيعة وحجز بندقية الصيد المستعملة فى الجريمة و السيارة التى استعملت فى عملية القتل.

في حادثة شنيعة أخرى بالساحل التونسي، خلال نفس الفترة، عمد بائع للخمر خلسة، إلى إطلاق النار على جاره من بندقية صيد أسفرت عن وفاته على عين المكان وقد نجحت وحدات الأمن بسوسة بالتنسيق مع فرقة مساكن من القبض على الجاني الذي تحصن بمنزل مهجور بالجهة بعد ارتكاب جريمته.

في مشهد آخر ووجه مختلف لعملة "الطلقات الشاردة" أقدم كهل أصيل معتمدية سبيطلة من ولاية القصرين (وسط تونس)، خلال الليلة الفاصلة بين الأحد والاثنين 23 أغسطس/ أوت 2021، على قتل زوجته وابنته على وجه الخطأ باستعمال بندقية صيد.، وجدّت الحادثة في حفل زفاف حيث استعمل الجاني بندقية صيد بغرض احتفالات الزفاف، مما تسبب في إصابات مباشرة للهالكتين،وفق موقع الإعلام المحلية، وقد سلّم الكهل نفسه إلى وحدات الحرس الوطني التي اتخذت الإجراءات القانونية اللازمة في حقه.

هذه المشاهد الخمس، نقطة من فيض الجرائم البشعة التي تفشت في المجتمع التونسي بسبب استعمال السلاح عمدا أو"عن طريق الخطأ" مخلفة بذلك ضحايا كثر وتداعيات وخيمة على مجتمع بات يسوده العنف فحسب آخر تقرير للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية حول نسب العنف في البلاد، سجّل العنف الإجرامي ارتفاعا بنسبة تزيد على 63 في المئة عام 2020 عما كانت عليه عام 2019. ويتصدّر هذا النمط من العنف المتمثل في القتل، والاعتداءات، والسرقات، والتعنيف، الأنواع الأخرى المسجلة في تونس، ويليه العنف الانفعالي ثم الجنسي.

هنا تطرح أسئلة عديدة عن الواقع التونسي والتطلعات خاصة مع الظرف الدقيق والحسّاس الذي تمر به البلاد الغارقة في دوامة أزمات حادة سياسية واقتصادية واجتماعية وينضاف إليها المجتمعيّة بتنامي ظواهر العنف والقتل والسرقة والإختطاف والإغتصاب وغيرها، ولا ننسى آفة الإرهاب وما صاحبها من ملفات غامضة وتسفير واغتيالات و...فهل تقف تونس على شفا الهاوية أم على شفا انعاش "قلبي" عاجل لشعب عانى سنوات طوال من عدم الاستقرار على كل الأصعدة.