تراوح الأوضاع الأمنية لمتردية مكانها، وخاصة في العاصمة الليبية، في ظل تواصل مسلسل العنف الذي يكرسه انتشار المليشيات المسلحة في المدينة وتجدد الصراع بينها من أجل السيطرة على الأرض أو تحقيق بعض المكاسب الاقتصادية والعسكرية، بالرغم من محاولات حكومة الوفاق الحد من سطوة هذه المليشيات.
وفي خضم هذا التردي الأمني، تتحرك العناصر الإرهابية في العاصمة الليبية، بهدف تنفيذ عمليات إرهابية تستهدف منشآت حيوية وتوقع خسائر كبيرة وتبث البلبلة في البلاد بما يحقق مكاسب هامة لهذه التنظيمات، وسط مخاوف من إمكانية أن تزيد الهجمات الإرهابية في ظل الانقسام السياسي والمؤسساتي بالبلاد.
هجوم إرهابي
إلى ذلك، تعرض مقر وزارة الخارجية الليبية التابعة لحكومة الوفاق الوطني، بالعاصمة طرابلس، الثلاثاء 25 ديسمبر 2018، لهجوم انتحاري، سقط على إثره 3 قتلي و9 جرحى.وأفادت مصادر مطلعة، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الليبية، بأن الهجوم الارهابي نفذه اربعة مسلحين؛ حيث فجر اثنان نفسهما، فيما قتل الثالث في تبادل لإطلاق النار مع حراس المبنى.
وعن ملابسات الهجوم، أفاد مصدر أمني لبوابة افريقيا الاخبارية ، إن "ثلاثة مهاجمين فتحوا النار باتجاه المبنى قبل أن يتمكن اثنان منهم من دخوله وتفجير نفسيهما بداخله، وقتل حرس الوزارة المهاجم الثالث" ، فيما أفادت مصادر من الوزارة بأن انتحاريين اثنين فجرا نفسيهما في الطابق الثالث من البناية.
وتظهر صور تداولتها وسائل التواصل الإجتماعي اندلاع النيران في عدد من السيارات داخل وخارج المبنى إضافة لوجود أشلاء جثة الانتحاري منفذ الهجوم.
وأشارت وسائل إعلام ليبية إلى أن عدد من المقرات الحكومية في العاصمة الليبية تم إخلائها، بعد الهجوم، بسبب تهديدات امنية.من جهتها، قالت وزارة الخارجية في حكومة الوفاق الوطني، في بيان، إنّ "عناصر إرهابية نفّذت، صباح اليوم الثلاثاء، هجوماً انتحارياً على مقرّ وزارة الخارجية في طرابلس".
وأوضحت أنّ "الإرهابيين فتحوا النار، أثناء هجومهم على المقرّ، فيما قام أحدهم بتفجير نفسه داخله، مخلّفاً ثلاثة قتلى وعدداً من الجرحى". وأكدت الوزارة أنّ "مثل هذه العمليات لن تثنينا عن أداء مهامنا وممارسة واجبنا في استكمال مسيرة الاستقرار السياسي من أجل ليبيا واحدة، دولة ذات سيادة تتسع للجميع، دولة ديمقراطية، ودولة قانون ومؤسسات لا مكان فيها للإرهاب والتطرف". مضيفة أنّ "الشعب الليبي يخوض حرباً على الإرهاب بالنيابة عن العالم، ويتوجب على المجتمع الدولي الاضطلاع بمسؤولياته في مساعدة الليبيين في مكافحة الإرهاب".
بدوره، أعلن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني عن توجيه أوامر للجهات الأمنية لبدء التحقيق بحادث الاعتداء، وإيعازه إليها بضرورة تكثيف دورياتها وتشديد المراقبة في العاصمة طرابلس "تتبعاً لخيوط أي دليل قد يقود إلى مقترفي العمل الإرهابي.
بصمات داعش
ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الهجوم، غير أنّ طريقة الهجوم ووجود انتحاري تشير بقوة إلى صلة تنظيم داعش بالعملية. واتهم طارق الدواس الناطق باسم القوات الخاصة التابعة لوزارة الداخلية تنظيم الدولة الإسلامية بتنفيذ الهجوم.
وقال إن "التفجير الغادر كان من قبل المجموعات المارقة من مجموعات داعش.وصرح الدواس لوكالة فرانس برس أن "سيارة مفخخة" انفجرت أولا بالقرب من المبنى ما دفع قوات الأمن إلى التوجه إلى الموقع. وأضاف أن انتحاريا دخل بعد ذلك المبنى حيث قام بتفجير نفسه في الطابق الثاني.
وقتل مهاجم ثان في حرم المبنى بعد انفجار حقيبة كان يحملها بينما قتلت قوات الأمن في الخارج المهاجم الثالث الذي لم يكن مسلحا و"كان لديه سترة واقية للرصاص فقط.ويعتبر هذا الهجوم الإرهابي على الخارجية الليبية، مماثلا لهجوم شنه "داعش"، على مقر المفوضية الوطنية العليا للانتخابات بغوط الشعال، بالعاصمة الليبية طرابلس، مطلع مايو الماضي، حيث أكد التنظيم حينها عبر وكالة أنباء "أعماق" مسؤوليته عن الهجوم متوعدا بالمزيد.وأسفر الهجوم حينها عن سقوط عدد كبير من الضحايا بين قتيل وجريح وتسبب في إحداث دمار كبير في مقر المفوضية بحسب ما نقلت وسائل الإعلام.
وتعهد فائز السراج رئيس حكومة الوفاق في طرابلس بأن المتورطين في الهجوم الإرهابي "لن يفلتوا من العقاب ولن يجدوا مكانا آمنا في ليبيا"، معتبرا أن "هذه العملية الإرهابية محاولة يائسة لتعطيل المسار الديمقراطي وإجهاض التجربة في مهدها.لكن التنظيم عاد مجددا ليضرب في قلب العاصمة الليبية، حيث هاجمت عناصره مقر المؤسسة الوطنية للنفط بطرابلس، الأمر الذي أدى إلى وقوع عدد من الانفجارات داخل المبنى وإطلاق نار كثيف، كما تم احتجاز عدد من الموظفين مؤقتا كرهائن إلى حين وصول قوات الأمن لتحرر من كان في الداخل.
وأدى الهجوم إلى مقتل شخصين اثنين من موظفي المؤسسة كما جرح 10 أفراد وتم نقلهم للمستشفيات لتلقي العلاج.فوضى وعجزويؤكد الكثيرون أن العناصر الإرهابية تستغل حالة اللصراع المسلح في العاصمة الليبية طرابلس وغياب الأمن.وأقر وزير الداخلية الليبي فتحي باش آغا في مؤتمر صحافي الثلاثاء بأنّ "الفوضى الأمنية مستمرة الآن" في ليبيا ما تسبب بايجاد "بيئة خصبة" لتنظيم الدولة الإسلامية في البلد العربي الواقع في شمال إفريقيا.
وأضاف بأن الترتيبات الأمنية لم يتم تنفيذها على الإطلاق واصفاً الوضع الأمني بأنه هش وفوضوي وقال: "الكل يملك من الذكاء والقدرة على التمييز من هو الذي يعمل بمهنية ومن هو الفوضوي". وأشار باشاآغا بأن موارد وزارة الداخلية وقدرتها اللوجستية والمالية حالياً ومخازنها يساوي صفر فيما تملك داعش المال والموارد والعقيدة الفاسدة العابرة للحدود.
ومن جهته كشف سيالة بأن استهداف وزارة الخارجية كان متوقعاً وبأنه نبّه كثيراً من مخاطر تستهدفها ولكن ليس من مهامها كوزارة تأمينها بل هي مهام الجهات الأخرى، مؤكداً بأن الوثائق المهمة لازالت فى مأمن. وطالب سيالة مجلس الأمن ولجنة العقوبات التابعة له والمجتمع الدولي برفع حظر جزئي على بعض الأسلحة النوعية التي تمكن قواتهم من مواجهة الإرهابيين. وشهدت العاصمة في 26 أغسطس/آب الماضي اشتباكات هي الأعنف بين المليشيات، واستمرت لنحو شهر.
وعلى أثر ذلك أعلن فايز السراج رئيس حكومة الوفاق تشكيل لجنة عرفت بـ"لجنة الترتيبات الأمنية"، وذلك بهدف إرساء الأمن داخل العاصمة الليبية بقوات شرطة نظامية، وإنهاء دور الميليشيات المسلحة التي تسيطر على المدينة منذ سنوات. ولكن وبالرغم من الحديث عن تحسن الأمن في طرابلس، فإن واقع الأحداث على الأرض يكشف العكس، حيث ما تزال المدينة تعيش حالة من عدم الاستقرار، كشفت عنها موجة الإغتيالات المستمرة التي طالت قيادات أمنية وعناصر مليشياوية، في إطار تصفية حسابات زادت من منسوب لفوضى في المدينة وهو المناخ المناسب الذي تحبذه كل التنظيمات المتطرفة لأنه يساعدها على البقاء والنشاط بعيدا عن أي مراقبة.