رغم الوعود بالتنمية والرخاء التي قدمت إلى العراقيين عند الإطاحة بنظام صدام حسين في 2003، يتطلب الأمر اليوم أعواماً في العراق، للحصول على وظيفة في مؤسسات حكومية، فيما لا يزال القطاع الخاص ضعيفاً.
ويعد الدخول إلى القطاع الحكومي فوزاً، رغم أنه يشكل عبئاً متواصلا على ميزانية البلاد، أنفق ثلثها خلال في 2019، رواتب للموظفين في القطاع الحكومي.
ويحلم المتظاهر مهند فاضل، منذ حصوله قبل سنوات على الماجستير في التربية البدنية، بالحصول على وظيفة حكومية.
ويقول هذا الشاب: "درست وتخرجت منذ أكثر من 20 عاماً، ولم أحصل على فرصة عمل في اختصاصي".
ويشير إلى حصوله على "عقد محاضر جامعي، أتقاضى عن كل محاضرة 4 آلاف دينار عراقي (قرابة 3 دولارات)، أي نحو 40 دولاراً شهرياً".
وأضاف "لكن ذلك لا يكفي لتلبية متطلبات الحياة، لذلك اضطر في بعض الأحيان للعمل سائق تاكسي. لكن الظروف الاجتماعية والتقاليد باتت تطاردني، ففكرت ذات مرة إذا استأجرني أحد طلبتي في الجامعة كيف سيكون موقفي؟".
وتابع قائلاً: "فتحت محلاً صغيراً من منزلي لبيع الحلوى للأطفال وبعض المواد الغذائية، ولا يتجاوز دخلي اليومي الـ 5 آلاف دينار عراقي (4 دولارات)، وتزوجت حديثاً وأسكن مع عائلتي في بيت صغير".
ويضيف "أتكفل بدخلي ودخل عائلتي. هل يعقل أن يكون دخل عائلة من 5 أفراد 150 دولاراً شهرياً في أغنى بلد في العالم ويملك ثالث احتياطي نفطي عالمياً؟".
ومنذ 2003، حقق النفط، المورد الوحيد للعملة الأجنبية والذي يوفر 90 % من ميزانية البلاد، أكثر من 830 مليار دولار، فيما تبخر بسبب الفساد في الفترة ذاتها حوالي 450 مليار دولار.
فيما تتحدى أم صلاح بشجاعة التقاليد السائدة في العراق بالمشاركة يومياً في الاحتجاجات في جنوب البلاد، على غرار عشرات الآلاف الذين يتظاهرون منذ نحو شهرين رغم القمع الذي أسفر عن مقتل المئات، معبرة عن رفضها لطبقة حاكمة "لم تقدم أي خدمة" للشعب.
وتقطع هذه الأرملة، الطريق ذهاباً وإياباً سيراً على الأقدام للتظاهر مع أبنائها السبعة، جميعهم عاطلون عن العمل وسط مدينة الديوانية، جنوب العراق.
وتقول هذه السيدة التي ترتدي عباءة تقليدية سوداء، لوكالة فرانس برس: "آتي يومياً من منزلي الذي يبعد حوالي 4 كيلومترات عن ساحة التظاهر سيراً على الأقدام لأني لا أملك في أغلب الأحيان مالاً لأجرة التاكسي، للمشاركة في التظاهرات والوقوف مع أبنائي المتظاهرين لتحسين أوضاعهم المعيشية والاقتصادية".
وتابعت "أعود في أوقات متأخرة أغلب الأحيان سيراً على الأقدام إلى منزلي في حي عشوائي بأطراف المدينة".
ولا توفر السلطات حالياً أي شيء لها، ما دفع أم صلاح، إلى بناء منزل بسيط تسكنه مع أبنائها في أحد الأحياء العشوائية التي تنتشر في مدن متعددة ويعيش فيها اليوم حوالي 3 ملايين عراقي.
وتحدثت أم صلاح بحزن عميق عن رحيل زوجها، قائلة: "تعرض زوجي إلى مرض، ولم نستطيع علاجه لأننا لا نملك المال الكافي، والخدمات الطبية في المستشفيات الحكومية رديئة، توفي بسبب المرض والفقر الذي فتك به".
وانطلقت الاحتجاجات منذ 1 أكتوبر(تشرين الأول) الماضي، في بغداد، ومدن جنوبية، للمطالبة بـ"إسقاط النظام" وتغيير الطبقة السياسية التي تحكم البلاد منذ 16 عاماً، التي يتهمها المتظاهرون بالفساد، وبالفشل في إدارة البلاد.
8 ملايين فقير
ويرى أستاذ الاقتصاد موسى خلف أن "العامل الاقتصادي المتردي للفرد العراقي، هو أساس الاحتجاجات التي عمت أغلب مدن وسط وجنوب العراق".
ويعتبر أن "انخفاض مستوى دخل الفرد، الذي يصل إلى أقل من 600 دولار سنوياً، وارتفاع معدل الفقر إلى حوالي 25%، والبطالة إلى 30%، عوامل كافية للتظاهر والاحتجاج ضد الحكومة".
ويشير خلف إلى وجود "أكثر من 8 ملايين فرد تحت مستوى خط الفقر" في البلد الذي يسكنه 40 مليون نسمة.
وقبل انطلاق موجة الاحتجاجات، اتخذت السلطات المحلية في محافظات جنوبية عدة، مجموعة تدابير بينها إزالة مجمعات سكنية عشوائية، دون تقديم بديل لأصحابها، ما أدى الى إشعال شرارة تظاهرات مناهضة للسلطات.
وفي أحد هذه المجمعات، في محافظة واسط جنوب بغداد، أحرق شاب نفسه بعد مصادرة عربة جوالة كانت تمثل مصدر رزقه الوحيد في بلد يمثل العاطلون عن العمل واحداً من بين كل 4 شبان، وتمثل نسبة الشباب دون الـ25 عاما 60 % من السكان.
وعبر خلف عن تأييده لمطالب المحتجين، بالقول، إن "إصلاح الوضع الاقتصادي في العراق، لا يحتاج إلى أكثر من نظام اقتصادي عقلاني قائم على استغلال موارد البلاد بصورة مثلى، وقائم على معطيات علمية اقتصادية، وليس النفع والمكتسبات السياسية".
وبدوره، يقول الطبيب حسين ماني في ساحة التحرير الرمزية في وسط بغداد إنه "منذ 2003، لم يفعلوا غير زيادة البطالة، دمروا الزراعة، والصناعة، وتخلفت المدارس والمستشفيات، زرعوا الطائفية وسرقوا نفطنا".
ويرى متظاهر شاب أن الطبقة السياسية لن ترحل إلا "عندما يسقط النظام، وتكون هناك فرص عمل، ومياه، وكهرباء".