وجد المزارعون ومرّبو الماشية في منطقة نورماندي الفرنسية، الذين كانوا يأملون في إمداد إيران بالآلاف من رؤوس الماشية كل عام، الباب لهذا السوق الجديد الواسع موصداً في وجوههم، بسبب العقوبات الأميركية على طهران بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي.
وفي 2016 وقّعت المزارع الفرنسية اتفاقاً مع أكبر مجموعة لمعالجة اللحوم في إيران بعد إبرام الجمهورية الإسلامية اتفاقاً مع الدول الكبرى لخفض نشاطاتها النووية مقابل تخفيف العقوبات عليها.
وكان الهدف هو تزويد إيران بأبقار شاروليه، التي تعدّ من أفضل سلالات الأبقار في العالم، للمساعدة على “إعادة بناء قطاع الماشية العالية الجودة” في الشرق الأوسط، بحسب ما أعلنت ناتالي غوليه، عضو مجلس الشيوخ الفرنسي عن منطقة نورماندي، لوكالة الصحافة الفرنسية هذا الأسبوع.
وأضافت غوليه “كنا نأمل في أن نصدّر منتجات أخرى مثل أعلاف الأبقار واللحوم المعالجة”، حيث لا تبدو الشركات المتعددة الجنسيات وحدها ضحية العقوبات الجديدة التي فرضتها واشنطن على طهران.
وعقب قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي، فإن هذا المشروع الذي تتراوح قيمته ما بين 11 و17 مليون دولار يمكن أن يتوقف، حيث إنه بموجب العقوبات الجديدة التي بدأ سريانها الثلاثاء، فإن أيّ شركة تتعامل مع إيران يمكن أن تتعرض لعقوبات من قبل واشنطن.
وكتب ترامب في تغريدة هذا الأسبوع “أي شخص يتعامل تجارياً مع إيران لن يتعامل تجارياً مع الولايات المتحدة”. وحذّر محللون من أنه سيكون من شبه المستحيل حماية أيّ مصدّر من الإجراءات الأميركية “العابرة للمناطق” حتى لو لم يكن يتعامل مع الولايات المتحدة، وذلك بسبب انكشاف البنوك الكبيرة من النظام المالي الأميركي والتعاملات بالدولار.
وأكدت غوليه أن البنوك الفرنسية المشاركة في مشروع الأبقار “ترفض حالياً قبول الأموال الإيرانية”، كما أن الشركة التي تؤمن على الصادرات انسحبت من المشروع، فيما أعلن هيرفيه موران، رئيس منطقة نورماندي، أن المشروع توقف لكن “لم يتم التخلي عنه”.
وأضاف موران “نحن بانتظار تفاصيل عن الحظر وردّ الفعل الأوروبي”، في إشارة إلى وعود مسؤولين أوروبيين بإيجاد طرق لحماية شركاتهم من العقوبات الأميركية، إلا أن العديد من الشركات الفرنسية ومن بينها شركة توتال النفطية العملاقة وشركة “بي.أس.أي” لصناعة السيارات اللتين أوقفتا عملياتهما في إيران.
وأكّدت غوليه أن الإيرانيين “يريدون القيام بهذه الصفقة”، مضيفة أنها تبحث كذلك عن بدائل مالية، قائلة “لم لا نلجأ إلى البتكوين؟”، فيما أعلنت طهران أنها تدرس استخدام العملات الرقمية الخارجة عن رقابة النظام المصرفي لتفادي العقوبات الأميركية التي تستهدف في دفعتها الثانية النفط الإيراني بحلول نوفمبر القادم.
ولجأت السلطات الإيرانية إلى حلول يائسة لاستمرار شريان الحياة الأخير لاقتصاد البلاد في ظل سباق دولي للالتزام بالعقوبات الأميركية، وصل إلى حد أن العراق سيلتزم بتلك العقوبات رغم النفوذ الإيراني الواسع في بغداد.
وقال محمد جهرمي وزير الاتصالات وتقنية المعلومات الإيراني إن رئيس الجمهورية حسن روحاني، أوعز بعقد اجتماع مشترك بين البنك المركزي ووزارة الاتصالات، بشأن بحث إمكانية استخدام العملات الرقمية، وتقديم اقتراحات جديدة لتداولها.
ويتزامن هذا التحرك الإيراني مع بدء سريان الحزمة الأولى من العقوبات الأميركية الثلاثاء، والتي تحظر على طهران شراء الدولار وتجارة الذهب والمعادن الثمينة، والمعادن الصناعية مثل الألمنيوم والحديد والفحم، إضافة إلى البرمجيات الصناعية، وجميع النشاطات المتعلقة بصناعتي السيارات والطيران.