لا يزال التوتّر الدبلوماسي سائدا بين مدريد والرباط منذ ماي 2021 بعد الأزمة الغير مسبوقة التي شهدتها العلاقات بين البلدين على خلفية دخول إبراهيم غالي، زعيم جبهة "البوليساريو" بـ"هوية مزيفة"، إلى الآراضي الإسبانية. لتعلّل الأخيرة دخوله بتلقيه العلاج من فيروس كورونا، وهو ما أغضب الرباط وأثار حفيظتها ضدّ شريكتها الأوروبية التي تربطها بها علاقات وشراكات وملفات كثيرة.
وفي تصريحاته الأخير وصف رئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز، العلاقات الإسبانية المغربية بالإيجابية مؤكدا أن التشاور مستمر مع المغرب بشأن العديد من القضايا منها الهجرة والتطور الاقتصادي والأمن وقال سانشيز أن "البلدين يحاولان إعادة بناء علاقات سياسية جديدة ستكون استثنائية..." وكانت الحكومة الإسبانية قد أعلنت في بيان سابق عن "بوادر إيجابية" من السلطات المغربية، مشيرة أن هناك "فرصة كبيرة" لإعادة صياغة العلاقات مع المغرب في الفترة المقبلة، بعد التوتر الحاصل في الأشهر الأخيرة. وأكّد سانشيز أن "الاتصالات الدبلوماسية ما زالت مستمرة بين مدريد والرباط لتجاوز نقاط الخلاف".
من جهتها جاءت تصريحات الملك الإسباني فيليبي السادس، في وقت سابق، إيجابية ومحفّزة لتحسين العلاقات بين البلدين حيث أكد أن العلاقات التي تجمع بلاده مع دول المنطقة المغاربية تكتسي "طابعا استراتيجيا". وقال الملك الإسباني أن الحكومتين الإسبانية والمغربية قد"اتفقتا على القيام سويا بإعادة تحديد علاقة للقرن الحادي والعشرين، بناءً على أسس أكثر قوة ومتانة". مؤكدا على أهمية "السير معا من أجل الشروع في تجسيد هذه العلاقة بدءا من الآن".
وردا على هذه تصريحات الملك الإسباني فيليبي السادس قال المتحدث باسم الحكومة المغربية مصطفى بايتاس الحكومة المغربية، إن إعادة علاقات بلادها مع إسبانيا تحتاج إلى كثير من الوضوح. وأضاف "قبل سنتين،تكلم الملك في خطابات أخرى، وحدّد الإطار المرجعي للعلاقات الخارجية لبلدنا مع مجموعة من الدول في مبدأين رئيسيين هما الطموح والوضوح"، مؤكدا أن "الطموح موجود وعبرت عنه إسبانيا، لكن لكي يتعزز الطموح نحتاج إلى الكثير من الوضوح".
ورغم هذه التصريحات "الإيجابية" إلا أن المغرب أنهى بداية شهر فبراير، مهام عدد من المسؤولين البارزين في سفارة المملكة بإسبانيا وهو ما يؤكد استمرار الأزمة الصامتة بين الرباط ومدريد. فقد قررت المملكة المغربية إنهاء مهام كل من فريد أولحاج، القائم بأعمال السفارة المغربية في إسبانيا، وإبراهيم خليل العلوي، ومحمد أمين تيكاع، المسؤولين الكبيرين بذات السفارة. وجاءت هذه الخطوة بعد نحو 9 أشهر من سحب المغرب لسفيرته في مدريد كريمة بن يعيش.
وأوضحت صحيفة "أوكي دياريو" الإسبانية أن الطاقم الدبلوماسي المقرب من السفيرة المغربية كريمة بنيعيش، والذي رافقها منذ أن كانت سفيرة للمغرب في البرتغال، أعفي من مهامه من سفارة المملكة في مدريد التي كانت يتولاها منذ 2018، وهما المستشاران إبراهيم خليل العلوي ومحمد أمين تقعية، فضلا عن القائم بالأعمال فريد أولحاج، رغم أن مغادرته بررت ببلوغه سن التقاعد.
فيما نقلت صحيفة "هسبريس" المغربية عن مصدر وصفته بالمطلع، نفيه قرار الرباط تخفيض تمثيليته الدبلوماسية في العاصمة الإسبانية مدريد، مفيدا أن "الأمر يتعلق فقط بإنهاء فترة عمل بعض المسؤولين". وأضاف المصدر، أن هذا الاجراء يأتي في "إطار ما دأبت عليه وزارة الخارجية من تغيير في مناصب البعثات كل أربع سنوات"، وهي المناصب التي ينتظر أن يتم تعويضها قريبا في إطار حركية دبلوماسية جرت بها العادة لتجديد دماء الفريق الدبلوماسي، وفق الصحيفة المغربية.
وفي المقابل أعلنت إسبانيا الأسبوع الماضي أنّها ستساعد المغرب على "ضمان أمنه في مجال الطاقة" عبر السماح له باستيراد الغاز عبر خط أنابيب الغاز المغاربي الأوروبي "جي إم إي" الذي كانت الجزائر تستخدمه لتصدير الغاز إلى أوروبا قبل أن تتوقف عن استخدامه في نهاية تشرين الأول/أكتوبر. وقالت وزارة التحوّل البيئي الإسبانية أن "المغرب طلب دعما لضمان أمنه في مجال الطاقة على أساس علاقاتنا التجارية، واسبانيا ردت إيجابا كما كانت ستفعل مع أيّشريك أو جار".
وأضافت "سيكون في مقدور المغرب الحصول على الغاز الطبيعي المُسال من الأسواق الدولية، وإيصاله إلى مصنع لإعادة التحويل في شبه الجزيرة الإسبانية، واستخدام خط أنابيب الغاز المغاربي (جي إم إي) لنقله إلى أراضيه"، دون التصريح بأي تفاصيل إضافية حول الاتفاق وفق ما أوردته فرانس براس.
تمثل استجابة اسبانيا لمساعدة جارتها المغرب في ظل الإحتقان والتوتر الذي يسود علاقاتهما"خطوة إيجابية" نحو حوارات مطوّلة لحل الخلافات وتجديد العلاقات خاصة في ظل الشراكات والملفات الكثيرة التي تجمعهما. ورغم ما يسود العلاقة من غموض واهتزاز متواصل لمؤشرات التوتر إلا أن الخبراء والمراقبون يرون أن حتمية التواصل والتعاون لحل الملفات الشائكة التي تربطهما تفرض عليهما هدنة ولما لا حلاّ ناجعا للتوترات.