كسر الهجوم الإرهابي على مقر المؤسسة الوطنية الليبية للنفط في العاصمة طرابلس الهدوء الأمني في المدينة، التي شهدت قبل ذلك إشتباكات هي الأعنف منذ سنوات بين عدد من الميليشيات المسلحة في إطار الصراع المتجدد على النفوذ وهو ما أسفر عن خسائر بشرية ومادية كبيرة وسط موجة إدانات محلية ودولية.
وهاجم مسلحون، الاثنين 10 سبتمبر 2018، مقر المؤسسة الوطنية الليبية للنفط في العاصمة طرابلس،ما أسفر عن سقوط 4 قتلى (اثنين من الموظفين، والإرهابيين)، بالإضافة إلى 10 جرحى إصاباتهم متفاوتة، بينهم امرأتان. بحسب وزارة الصحة في حكومة الوفاق الوطني الليبية. وأشارت الوزارة إلى وجود إصابات أخرى إثر استنشاق دخان الانفجار، وخرجت على الفور من المستشفى.
وتسود حالة من القلق العاصمة الليبية بينما يتصاعد الاحتقان الشعبي من عجز الحكومة عن معالجة هشاشة الوضع الأمني ،في ظل عجزها عن السيطرة على الأوضاع وفرض الأمن وتعويلها على عدة ميليشيات أعلنت ولاءها لها، لتأمين العاصمة مقابل إضفاء الشرعية عليها.
** رفع حالة التأهب
وأعلنت وزارة الداخلية في حكومة الوفاق الليبية حالة الطوارئ مجددا، بعد الهجوم الإرهابي على مقر مؤسسة النفط في طرابلس.وطالبت الوزارة، في بيان صادر عنها مساء الإثنين، بـ"أخذ الحيطة والحذر بين جميع الأجهزة الأمنية التابعة لها"، كما طالبت المواطنين بضرورة التعاون مع رجال الأمن بالتبليغ عن أي أعمال مشبوهة أو خروقات أمنية.
وقالت وزارة الداخلية إن "الأمن مسؤولية تضامنية، ولمحاربة الإرهاب يجب توحيد الجهود والإمكانات بين جميع أبناء الوطن"، داعية المواطنين إلى سرعة الإبلاغ عن أي خروقات أمنية..
ونشرت قوة الردع الخاصة، إحدى أهم الكتائب الأمنية التابعة للوزارة، صوراً، قالت إنها أخذتها من كاميرات المراقبة بمقر المؤسسة، تظهر ثلاثة أشخاص من ذوي البشرة السمراء يرتدون سترات متفجرة قاموا بالرماية داخل المؤسسة وقاموا بتفجير أنفسهم ولم تتضح جنسياتهم إلى حد هذه اللحظة، لكنها أكدت أنهم من عناصر تنظيم "داعش" الإرهابي، رغم أن الأخير لم يتبن الهجوم حتى الآن.
وكان وزير الداخلية المفوض، العميد عبدالسلام عاشور، قال إن المؤشرات الأولية تفيد بأن المجموعة المسلحة التي اقتحمت مقر المؤسسة الوطنية للنفط بطرابلس تنتمي لتنظيم «داعش»، مشيرًا إلى أن "عددهم ستة أشخاص من ذوي البشرة السمراء".
وبدورها،أدانت وزارة الدفاع في حكومة الوفاق الوطني الهجوم الإرهابي الذي تعرضت له المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس، قائلة إن "هذا الهجوم الإرهابي لن يثنيها عن الوقوف بجانب النهج الذي اختاره الشعب الليبي"، مؤكدة ملاحقة "كل من تسول له نفسه المساس بأمن الوطن والمواطن، جنبًا إلى جنب مع المؤسسات الأمنية في ليبيا".وأهابت الوزارة،"بأبناء الشعب الليبي بضرورة التضامن ونبذ الفرقة والوقوف صفًا واحدًا ضد الإرهاب الذي لا يفرق بين أبناء الوطن، ومجابهة كل من يحاول العبث بمقدراتنا".
ويأتي الهجوم بعد أقل من أسبوع من هدنة هشة علقت اشتباكات طاحنة بينميليشيات مسلحة متناحرة في طرابلس وذلك في أعنف إشتباكات في ليبيا التي تعاني الاضطرابات منذ العام 2011.وتغلق المجموعات المسلحة حقول النفط من حين لآخر للضغط من أجل تلبية مطالبها، لكن مقر المؤسسة الوطنية للنفط ظل بعيدا عن العنف في البلاد إلى حين إستهدافه الإثنين،ليكون ثاني منشأة حكومية تتعرض للهجوم بعد مقر المفوضية الوطنية العليا للانتخابات بغوط الشعال،في مايو/ أيار الماضي.
** مخاوف
وتشير الهجمات الارهابية على اصرار الجماعات الإرهابية على المراهنة على الانقسام واستثماره للتمدد والتوغل في البلاد،خاصة مع حالة الفوضى التي تسببها الصراعات المسلحة المتجددة.ويخشى الكثيرون أن يكون الهجوم الذي استهدف مقر المؤسسة الوطنية للنفط،بداية لهجمات أخرى محتملة.
وكان المتحدث باسم القيادة العامة للجيش الليبي أحمد المسماري،قد أكد في مؤتمر صحفي، أن الهجوم على مقر المؤسسة الوطنية للنفط "يأتي استكمالا للأعمال الإرهابية التي استهدفت خلال الأشهر والسنوات الماضية البنية التحتية النفطية بمنطقة الهلال النفطي".ودعا كافة الجهات في طرابلس لاتخاذ الحيطة والحذر لأن هذه الهجمات وفق ما هو متوفر من معلومات ربما لن تكون الأخيرة.
وبدورها أشارت "إرم نيوز"،إلى ورود معلومات تفيد بأن الهجوم على مقر مؤسسة النفط "مقدمة لهجمات أوسع".ونقلت عن خبير أمني،أن المعلومات التي وسمت بـ"السرية للغاية"،تضمنت قائمة تشمل مقرات المصرف المركزي، ووزارة المالية، ومؤسسة الاستثمار ومديرية الأمن الخارجي التابعة للمخابرات وغيرها.
ويشير الكثير من المتابعين للشأن الليبي،إلى أن الهجوم الأخير أكد إن مقار ومنشآت عدة في العاصمة ليست مؤمنة ضد هجمات إرهابية، مثلما لا يمكن للمؤسسات الأمنية العمل في ظل الإنقسامات التي تطغى على الساحة وهو ما يعطي مجالا وبيئة خصبة للعناصر الإرهابية والإجرامية للتحرك وممارسة أنشطتها دون رادع.
** فشل أمني وإحتجاجات
واعتبر مراقبون،أن الهجوم الانتحارى على مقر المؤسسة الوطنية للنفط فى طرابلس، يثبت أن المليشيات التى تتحصل على الميزانيات الضخمة عبر ابتزاز حكومة الوفاق الليبية، ستظل فاشلة وغير قادرة على حماية المواطن ومؤسسات الدولة.
وبحسب الكثيرين فأن الترتيبات الأمنية للعاصمة طرابلس أصبحت ضرورة أكثر من أي وقت مضى، وسط مخاوف وتحذيرات من أن تُشكّل الفوضى الأمنية في طرابلس مدخلاً واسعاً تنفذ منه المنظمات الإرهابية التي توارت في مدن أخرى نحو العاصمة.
وهو ما ذهب إليه عضو مجلس النواب فتحي باشاغا،الذي قال في تصريحات صحفية الثلاثاء، إن المجلس الرئاسي لم يهتم بالخطط الأمنية الخاصة بالترتيبات الأمنية ولم يضعها في أي برنامج، وهو من يتحمل المسؤولية باعتباره صاحب الشرعية المحلية والدولية، وفقا للاتفاق السياسي.
وأضاف باشاغا أنه لا وجود لعمل أمني حقيقي داخل طرابلس، ولا جدية من قبل الحكومة في بسط الأمن، بل هي مجرد محاولات من كتائب ومجموعات مسلحة لبعض الأجهزة التى تقع في دائرة منفصلة عن دوائر الدولة، وعن الحكومة التي اجتمعت مرة واحدة في 6 أشهر في تسيب كامل من أعلى السلطة إلى آخر فرد في أي جهاز أمني.
وأرجع باشاغا تمكن تنظيم الدولة من تنفيذ العملية؛ للقتال "الدائر بين الإخوة" ما تسبب بإضعاف القبضة الأمنية داخلها، مشير إلى أن عملية الفساد والنهب للمال العام، والتسيب جزء آخر ساعد تنظيم الدولة في النمو والتحرك داخل البلاد، خاصة وأن التنظيم ينمو في بيئة الفوضى.
وبدوره اعتبر اللواء السابع مشاة فى ليبيا أن الهجوم الانتحاري على مقر المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس، يثبت أن المليشيات التي تتحصل على الميزانيات الضخمة عبر ابتزاز حكومة الوفاق الليبية، ستظل فاشلة وغير قادرة على حماية المواطن ومؤسسات الدولة.وقال اللواء السابع، إن المواطن البسيط سيظل يدفع ضريبة الفوضى الأمنية، ما لم تقم وتُمكَن المؤسسات الأمنية الرسمية المحترفة من عملها الطبيعي، مستنكرًا العمل الإرهابي الذي طال الموظفين الآمنين في مقر المؤسسة الوطنية للنفط في العاصمة طرابلس.
من جهة أخرى،دفع الهجوم الإرهابي الذي تعرضت له المؤسسة الوطنية للنفط،لموجة غضب شعبية تجاه تردي الأوضاع الأمنية والمعيشية.وشهدت مدينة الزاوية الليبية، مساء الإثنين، مظاهرات ضد رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، فايز السراج، وسط دعوات له بالتنحي عن منصبه، عقب فشله في تحقيق الاستقرار واستعادة الأمن بالعاصمة طرابلس.وأعلن المتظاهرون استعدادهم لمواصلة التظاهر حتى إسقاط ما وصفوها بـ"حكومة الإخوان"، في إشارة إلى حكومة الوفاق.
وحمّل المتظاهرون السراج المسؤولية عن تدهور الأوضاع الأمنية بالبلاد والانقطاع المتواصل للكهرباء وتدهور الخدمات، داعين إلى "انتفاضة شعبية ضدّ حكومة الوفاق الليبية والميليشيات المسلحة".ونقلت "إرم نيوز"،عن شهود عيان،أنّ "سبب غضب المحتجين هو الهجوم الانتحاري الذي استهدف،المؤسسة الوطنية للنفط وانقطاع التيار الكهربائي"، مؤكدين"“بدء الانتفاضة بطرابلس على ما وصفوها بـ(حكومة الإخوان)".
وتعاني عدّة مدن في ليبيا، ومدينة طرابلس بشكل خاص، من أزمة غياب الأمن، لاسيما بعد المعارك الأخيرة التي شهدتها العاصمة، علاوة على أزمة الكهرباء، بعد أن رفضت بعض المناطق فرض فترات طرح الأحمال التي اقترحتها شركة الكهرباء، التي لم تقدم أي حلول قابلة للتنفيذ في المنطقة الغربية.
وتلقي الأوضاع الأمنية المتردية بظلالها على العاصمة الليبية،التى تعاني منذ سنوات من إنتشار الميليشيات التي تمتهن الخطف والإغتيال.ورغم وصول حكومة الوفاق الوطني،برئاسة فايز السراج،الى العاصمة الليبية في 30 مارس 2016،وفي جعبتها تأييد دولي واسع، لم تستطع حل أزمات البلاد الأمنية حيث فشلت في احتواء المليشيات المسلحة المنتشرة خاصة في العاصمة وفي بسط سلطتها على كل البلاد.لتبقى العاصمة الليبية بحسب المراقبين،أسيرة للصراعات الميليشياوية ما جعل سكانها يعانون من ظروف معيشية وأمنية متردية.