أشار الكاتب ديرك فاندوال، في مقال صدر على موقع صحيفة نيويورك تايمز، إلى أن الـ11 مبعوثا خاصا الذين التقوا في باريس أواخر الشهر الماضي لتباحث الأزمة في ليبيا، أصدروا بيانا ختاميا تضمن توصيات كانت متوقعة، حيث تتمثل في دعم الحكومة الرسمية مع مقترحات لتمثيل جميع الأطراف، بالإضافة إلى دعوة "الميليشيات" إلى حلّ نفسها، واقترحوا أن تترأس الأمم المتحدة حوارا شاملا بين الأطراف المتناحرة.

ووفق تقدير الأستاذ المساعد في كلية دارتموث البريطانية، فإن ما تحتاج إليه ليبيا، بدلا من ذلك، هو قوات حفظ سلام أوروبية من شأنها أن تحمي الحكومة الليبية الوليدة في الشرق من "الجماعات المسلحة" التي تطعن حاليا في سلطتها، والسماح لها بإعادة بناء مؤسسات الدولة.

انقسام

وبين الكاتب أن البلاد انقسمت حاليا بين حكومتين متنافستين: القديمة في طرابلس والجديدة في طبرق شرق ليبيا. وكل طرف له وزراؤه ومجلس الوزراء والمجلس التشريعي ومجموعته الخاصة من "الميليشيات".

وأضاف أن مصرف ليبيا المركزي هو الآخر يتهدده خطر السقوط تحت ضغط الكتائب في طرابلس، وهو ما سيكون عنصر زعزعة للاستقرار بشكل كبير، فبغض النظر عن المنحى الأيديولوجي، تتلقى الجميع الكتائب المسلحة الدعم الحكومي عبر عمليات الصرف من البنك المركزي، وفي حين يسعى المؤتمر الوطني العام في طرابلس للسيطرة على المصرف المركزي، فإن ذلك سيمكنه من وقف تدفق الأموال إلى الكتائب "غير الإسلامية"، وهو ما يعني تصعيد القتال.

واعتبر الكاتب أن ليبيا على حافة حرب أهلية، وقد تؤدَي الفوضى هناك إلى زعزعة استقرار المنطقة من خلال تحول البلاد إلى ساحة حرب بالوكالة، ففي حين أن قطر تدعم علنا بعض الكتائب الإسلامية، قصفت الإمارات العربية المتحدة ومصر العديد من المواقع في جميع أنحاء طرابلس.

حوار يحتضر

من ناحية أخرى، يبدو أن جهود الحوار تحتضر ولا يمكن لأي جهد دبلوماسي أن يقوم بإحيائه، وقد قامت عدة دول غربية من بينها الولايات المتحدة، فضلا عن بعثة الأمم المتحدة للدعم، بعدة جهود لجلب جميع الفصائل إلى طاولة حوار واحدة، وهو ما فشلت فيه مرارا وتكرارا لأنه لا يمكن لأي طرف أن يقدم لهذه الكتائب ما يكفي من الحوافز للتعاون.

وأبرز الأستاذ المساعد في كلية دارتموث البريطانية أن وجود قوات دولية هو الوحيد الكفيل بأن يحدث الفرق اليوم في ليبيا، ولكن بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا لم يكن هدفها تضمن مثل هذه القوة، بل كانت أهدافها المساعدة في بناء مؤسسات الحكم.

وأكَدا ديرك أنه لا يمكن لمجلس الأمن أن يوسع من مهام البعثة، فروسيا، التي اتَهمت الغرب بتجاوز مهمة حماية المدنيين في 2011، ستعترض على أية قرار يدعو إلى تحول البعثة إلى قوة تدخل، كما أن الحكومة الأمريكية ليست مستعدة لإرسال المزيد من قواتها إلى الخارج، خاصة بعد أن سحبت قواتها من أفغانستان، وسعيها حاليا لقطع الطريق على "الإسلاميين" في العراق.

مسؤولية أوروبية

واعتبر كاتب المقال أن مسؤولية إنشاء قوة لحفظ السلام في ليبيا تقع بشكل مباشر على عاتق الدول الأوروبية، ونظرا لمصالحها الاقتصادية والسياسية القائمة منذ فترة طويلة في شمال إفريقيا، فهي الخاسرة الكبرى من انهيار ليبيا، كما أن الأوروبيين كانوا في طليعة الداعمين للحملة الغربية على ليبيا في 2011.

والنموذج لهذا الإجراء، حسب ديرك، يمكن أن يكون على غرار قوة المساعدة الأمنية الدولية التي قادها حلف "الناتو" لوقف حركة طالبان في أفغانستان، بدعم مخابراتي ولوجستي أمريكي، وسيكون الإجراء الأول هو دعم حكومة عبد الله الثني في طبرق عن طريق حماية البنية التحتية الحيوية والمؤسسات الحكومية، ومنع الكتائب من التنقل في المناطق المنافسة والسيطرة على تدفق الأسلحة.

ورغم أن مساحة ليبيا شاسعة، فإنه يجب أن تقتصر عمليات القوة الجديدة على الشريط الساحلي أين تقع المؤسسات الحكومية الرئيسية، مما يستلزم بضعة آلاف من الجنود.

وأوضح ديرك فايدوال أن إنشاء قوة حفظ سلام هي إجراء صعب لأوروبا، سياسيا واقتصاديا وماليا، ولكن البديل لذلك أسوأ، كما أن تشجيع المحادثات غير المثمرة يعني الوقوع بشكل شبه مؤكد في صراع استنزاف بين الحكومة الليبية والكتائب المسلحة وزعزعة الاستقرار في المغرب العربي ومنطقة الساحل، وتسريع نسق الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا.