تنطلق اليوم عملية تسجيل الراغبين في خوض الاستحقاق الرئاسي المُقرر تنظيم دورته الأولى في 23 نوفمبر، وسط مناورات سياسية وحسابات شخصية تنوعت أدواتها، في مشهد مُثير.

وقالت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في بيان لها، إن “باب الترشح للانتخابات الرئاسية سوف يفتح يوم الاثنين 08 سبتمبر 2014، ويتواصل إلى غاية 22 من نفس الشهر”.

وبهذا الإعلان، تدخل تونس بشكل رسمي في مربع الانتخابات الرئاسية الأولى من نوعها منذ الإطاحة بنظام بن علي في 14 يناير 2011، وهو مربع فاض بعدد الحالمين بالوصول إلى قصر قرطاج الذين تزاحموا خلال الأيام القليلة الماضية حتى اقترب عددهم من 50 مترشحا من شرائح وفئات اجتماعية مُختلفة، ومرجعيات سياسية وفكرية متنوعة ومُتصادمة في أحيان كثيرة.

وبحسب بيانات، فإن عدد المترشحين لهذا الاستحقاق الذين أعلنوا حصولهم على تزكية 10 نواب من المجلس التأسيسي (البرلمان) وصل إلى 5، فيما بلغ عدد الذين حصلوا على تزكية شعبية، أي 10 آلاف توقيع 9 مُترشحين، مقابل 3 مُترشحين فقط أعلنوا عن جمعهم بين التزكيتين النيابية والشعبية.

وينص القانون الانتخابي التونسي على ضرورة حصول المُترشحين على تزكية عشرة نواب من المجلس التأسيسي أو عشرة آلاف ناخب، أو الحصول على موافقة 40 من رؤساء المجالس البلدية لقبول ملف الترشح.

وفيما تنظر الدوائر السياسية والشعبية لهذا الاستحقاق الذي تحول إلى ما يُشبه “سوق عكاظ” بالنظر إلى كثرة المُترشحين، وارتباطا بثمن التزكية النيابية الواحدة الذي وصل إلى حدود 200 ألف دينار (نحو 120 ألف دولار)، تكثفت المناورات السياسية، وتعقدت الحسابات الشخصية التي جعلت الكل في تونس يريد أن يُصبح رئيسا للبلاد.

ولعل أبرز تلك المناورات هو القرار الذي اتخذه مجلس شورى حركة النهضة الإسلامية ليلة السبت-الأحد المُتعلق بالتمسك باقتراح راشد الغنوشي الذي يدعو إلى رئيس توافقي، ودعم مرشح من خارج الحركة.

وقال عبداللطيف المكي القيادي في حركة النهضة الإسلامية المحسوب على “الصقور”، في أعقاب اجتماعات مجلس شورى حركته، إن “مجلس الشورى صادق على مقترح الرئيس التوافقي بعد دراسته والتصويت عليه”.

 

ولم يذكر اسم الرئيس التوافقي الذي تريده حركة النهضة الإسلامية، ولكنه أشار في المقابل إلى أن حركته “حددت مواصفات الرئيس المقبل المتمثلة في شخصية تحفظ وحدة التونسيين، وتحمي الديمقراطية، وتحقق أهداف الثورة”، على حد تعبيره.

ويرى مراقبون أن هذا القرار الذي اتخذه مجلس شورى حركة النهضة الإسلامية هو “فخ سياسي” نصبه راشد الغنوشي بهدف مُحاصرة حمادي الجبالي الأمين العام السابق لحركة النهضة من جهة، وجعل المرشحين يهرولون نحو النهضة، من جهة ثانية، وصولا إلى إفراغ الانتخابات من محتواها التنافسي.

وتغيب حمادي الجبالي الذي استقال من الأمانة العامة لحركة النهضة الإسلامية في وقت سابق عن اجتماعات مجلس شورى حركته، وذلك في مؤشر على تزايد حدة التوتر بينه وبين صقور حركة النهضة، وهو توتر مرشح إلى أن يصل إلى حد القطيعة.

وبحسب مصادر من داخل حركة النهضة الإسلامية، فإن وفدا من هذه الحركة اجتمع في وقت سابق مع حمادي الجبالي المُعتكف حاليا في منطقة الساحل التونسي، وبحث معه مسألة الترشح للرئاسية، حيث قال الجبالي إنه سيلتزم بقرار الحركة في صورة رشحت شخصا من داخلها، كما أنه سيلتزم بقراراتها في صورة اختيارها شخصية أخرى، ولكنه قد يترشح بصفة مستقل إذا أبقت النهضة على صيغة الرئيس التوافقي بشكلها الفضفاض.

وأكدت صحيفة ”العرب” أن وفد حركة النهضة لم يستسغ موقف الجبالي، واعتبره تحديا لذلك دفع في اتجاه إجراء سلسلة من المشاورات مع عدد من الشخصيات السياسية التي أبدت نيتها خوض السباق الرئاسي، تخللتها إغراءات وشروط.

وقد وعدت حركة النهضة في هذا السياق، الرئيس المؤقت منصف المرزوقي بأنها ستكون معه وتدعمه في صورة تمكن من تجاوز الدورة الأولى لهذا الاستحقاق الرئاسي، ولكنها امتنعت عن تقديم وعود واضحة للمرشح أحمد نجيب الشابي، فيما استبعدت إمكانية دعم مصطفى بن جعفر وذلك على خلفية موقفه السابق الذي أوقف فيه عمل المجلس التأسيسي، وهي خطوة يبدو أن النهضة لن تنساها، وهي بذلك تريد معاقبته عليها.

وفي المقابل، يبدو أن حمادي الجبالي الذي لا يُخفي رغبته في الترشح للانتخابات الرئاسية كمُستقل، مُصمم على تجاوز قرار مجلس شورى الحركة، وإرباك مُخططات الغنوشي، حيث كثف من تحركاته تمهيدا للترشح لهذا الاستحقاق، ما يعني أن حركة النهضة ستكون في ورطة بحيث تقع في نفس الفخ الذي وضعته.