"لم يكنِ الإعلامُ الليبيُّ -خلالَ سنواتِ الحرب، وأثناءَ هذه الأزمة الممتدَّة لعشر سنواتٍ- لم يكن في المستوى المطلوب.. لم يكن هذا الإعلامُ، في كثير من جوانبه، إعلامًا وطنيًّا، ولا مهنيًّا ولا محايدًا، ففقد كثيرًا من مصداقيَّته، بل وساهم بشكلٍ أو بآخرَ، في إطالة أمد الحرب، وتوسيع دائرة الاختلاف، والمساهمة في تمزيق النسيج الاجتماعي الليبيِّ.."، بهذه العبارات استهل رئيس الهيئة العامة للإعلام والثقافة السابق جمعة الفاخري، حديثه مع "بوابة إفريقيا الإخبارية" ليضعنا أمام واقع الإعلام الليبي وأهم الصعوبات والعراقيل التي تواجهه، وسبل تطوير الخطاب الإعلامي في ليبيا لتحقيق دوره في توحيد الوطن، وإلى نص الحوار


بداية.. كيف تقيم وضع ومستوى الإعلام في ليبيا خلال السنوات الأخيرة؟

-      لم يكنِ الإعلامُ الليبيُّ خلالَ سنواتِ الحرب، وأثناءَ هذه الأزمة الممتدَّة لعشر سنواتٍ، لم يكن في المستوى المطلوب، فأغلب وسائل الإعلام تتبعُ جهاتٍ أو جماعاتٍ بعينها، أو دولًا أجنبيَّةً، تنفذ أجنداتها، وتتلقَّى أوامرَها، وتأتمرُ بأمرِها، وتنتهي بنواهيها، ومن ثمَّ لم يكن هذا الإعلامُ، في كثير من جوانبه، إعلامًا وطنيًّا، ولا مهنيًّا ولا محايدًا، ففقد كثيرًا من مصداقيَّته، بل وساهم بشكلٍ أو بآخرَ، في إطالة أمد الحرب، وتوسيع دائرة الاختلاف، ومفاقمة العداواتِ، والمساهمة في تمزيق النسيج الاجتماعي الليبيِّ، وزرع الفتن والعداوات والبغضاء بين أبناء الشعب الليبيِّ الواحد.

وأرجو منَ اللهِ أن تنتهيَ الحربُ قريبًا، وأن يتجاوزَ الليبيُّونَ خلافاتهم، وأن يجتمعوا على كلمةٍ سواءٍ، لعلَّنا نرى أعلامًا مغايرًا، إعلامًا حقيقيًّا، يساهم في بناء الوطنِ، وإعادة إعمارِ ما أفسدته الحروبُ والنَّكباتُ؛ وفي مقدِّمتها وجداناتِ النَّاسِ.


ما رأيك في محتوى الخطاب الإعلامي المقدم في الوسائل الإعلامية الليبية؟  

-      كما أسلفت، هو محتوى تغلِّفه الكراهية، وتفغر فيه العداواتُ القميئةُ أفواهَها العفنَةَ، هوَ إعلامٌ من مواليدِ (برج الحربِ)، فلا يُرجَى منه خيرٌ، فهوَ إعلامٌ موجَّهٌ توجيهًا سيِّئًا، توجيهًا يخدم أغراضًا دنيئةً، فخطابه البائسُ ينطلق منِ الكراهيةِ، وينتهي عند التحريضِ على القتلِ، على قتلِ الليبيِّ أخاهُ للأسفِ الشَّديدِ.


ماهي سبل تطوير الخطاب الإعلامي في ليبيا وما شروط المحتوى الإعلامي الواجب توافرها؟

-      أوَّلاً أن تنهي هذه الحرب القذرة التي حصدت الأرواحَ والأرزاقَ، ودمَّرت المنظومة القيميَّة لأغلب النَّاسِ، وحشت وجداناتهم بالكراهيةِ والبغضاءِ، ورصَّتها بالتوجُّسِ من الآخرِ الأخِ والقريبِ والمواطنِ وابنِ البلد الآخرِ، وشحنت أعماقه بالارتيابِ من كلِّ شيءٍ، ثمَّ يمكننا بعد ذلك إعادة تنظيم المنظومة الإعلاميَّة، وتوجيه الخطاب الإعلامي في كلِّ الأقنية الإعلاميَّةِ إلى خطابٍ سلميٍّ يدعو إلى المحبَّة والإخاء والوئامِ، ونبذ الفرقَةِ، ونسيان العداوات، وقبلَ ذلكَ وبعدَهُ، لعنُ الحروبِ ومسبِّبيها ومعتنقيها والدَّاعينَ والمطبِّلينَ لها.

وأن يرتكزَ الخطابُ الإعلاميُّ كلُّهُ على المحبَّةِ والتذكيرِ بأهمِّيَّةِ التَّصالح والتَّسَامح، والتَّوحُّد، ونبذِ الخلافاتِ لبناءِ ليبيا الآمنة التي نبتغيها. 


ما أبرز العراقيل التي تواجه قطاع الإعلام بشكل عام في ليبيا؟ 

-      العراقيلُ كثيرةٌ جدًّا، أولها شُحُّ ما يخصَّص للإعلامِ من ميزانيَّاتٍ، للأسف هي أقلُّ بكثيرٍ ممَّا يخصَّص لقطاع الإعلام في بلدانٍ فقيرةٍ، مع ضعف القيادات الإعلاميَّة، وعدم قدرة المؤسَّسات الإعلاميَّة الكبرى، وعلى رأسها وزارة الإعلام والثقافة بمسمَّياتها وأجسامها الإداريَّة المختلفة، على تولِّي مسؤوليَّاتها في خلقِ إعلامٍ حقيقيٍّ، يواكبُ العصرَ، ويتماشى مع حاجة المجتمع للبناء والإصلاحِ والتوجيه نحوَ الأفضلِ.

عدم وجود خططٌ وبرامجُ تهدفُ إلى الرُّقيِّ بالإعلامِ، ورفع كفايات العاملين به، وتطوير مؤسَّساته، وترقية أدواته، وتجديد وسائلِهِ.


ماذا عن دور الإعلام في تعزيز ودعم المصالحة وثقافة الحوار وتقبل الآخر؟ 

-      إذا وعى الإعلاميُّون أهمَّيَّة دورهم في تجميع هذا الوطن المفتَّت المشتَّت، ولمِّ هذا الكيانِ الممزَّقِ، ورأب التصدُّعاتِ الجسيمَةِ التي خلقتها الحروبُ والنَّزاعاتُ، ولا شكَّ أنَّ رسالةَ الإعلامِ الليبيِّ في جمعِ الليبيِّينَ، وجسرِ هُوَّةِ الخلافِ، وتقريبِ وجهاتِ النظرِ، وردمِ خنادقِ العداواتِ، هي رسالةٌ مهمَّةٌ جدًّا، ودورُهُ عظيمٌ في تحقيق السَّلامِ، وإفشاءِ المحبَّةِ، ونشرِ ثقافةِ التَّصَالُحِ والتَّسَامُحِ. وهذا ما نأملُهُ من إعلاميي وطننا الغالي. 


صحافة المواطن.. والسوشيال ميديا أصبحت أكثر تأثيرا من وسائل الإعلام التقليدية، هل يرجع هذا إلى عدم وجود رقابة أو ضوابط عليها بما يتيح مساحة أكبر من حرية التعبير عن الرأي.. وكيف يمكن استغلال تلك الوسائل الجديدة وتوجيهها بما يفيد المجتمع الليبي؟  

-      أجل، فهي متاحةٌ للجميع، وبلا رقابةٍ تذكر، وبأسعارٍ مقبولةٍ؛ فبإمكان المرءِ أن يكونَ إعلاميًّا من بيته أو سيَّارته أو مكتبه، وأن يكون له قرَّاء ومشاهدونَ ومتابعونَ كثيرونَ من كلِّ بلدانٍ العالمِ، فالبراحُ الواسعُ المتاحُ للجميع، أحالَنَا جميعًا إلى إعلاميِّينَ (بقدرٍ)، طبعًا، لكنهُ مناخٌ واسعٌ للحرِّيَّة، وللتعبيرِ عن الذاتِ، وإبداءِ الرأي في كلِّ شيء؛ٍ وحولَ أيِّ شيءٍ، بدءًا من رغيف الخبزِ حتى رئيس الجمهوريَّةِ، حتَّى أنها صارت (هايد بارك) للمواطن ينفث فيها آلامه وآماله ومشاعره، وأحيانًا يصبُّ جام غضبه على كلِّ ما ومن ينغصُّ عيشه، ويئد طموحاته، ويقتل أحلامه.


ماذا عن الإصلاحات أو التوصيات المقترحة لتطوير الإعلام وإمكانية تنفيذها؟

-      أن تضطلع المؤسَّسات الإعلاميَّة والأكاديميَّة بخاصَّةٍ بدورها في صناعة إعلامٍ ناجحٍ يلبِّي الطموحاتِ، ويحقِّق ما يصبو إليه الوطن. 

-      القيام بدورات وورشِ عملٍ مستمرَّة للرفع من قدرات الكوادر الإعلاميَّة، إداريَّة وفنَّيَّةٍ.

-      تخصيص الميزانيَّات اللازمة لقطاع الإعلامِ.

-      تحديث وسائل الإعلامِ في جوانبها التقنيِّ، والفنِّي والإداريِّ.

-      أن يتولَّى قيادة إدارات الإعلام الأكفياء من الأكاديميِّين والمتخصِّصين به، وإسقاط مؤهل (الولاءة قبل الكفاءة) المفسدِ لكلِّ شيءٍ.


أخيرا.. ما رسالتك للمؤسسات الإعلامية الليبية والقائمين عليها والعاملين بها؟

-      أن يراعوا اللهَ في هذا الوطنِ العزيزِ، وأن يسعوا إلى ترسيخِ ثقافة التسامح والتصالحِ، ونشر المحبَّة بين أبناء الشعب الواحدِ، وأن يدعوا إلى الخير والوئامِ. فلن يُبنى وطنٌ بحروبٍ وعداواتٍ، ولن يسعدَ مجتمعٌ بفرقةٍ وتشتُّتٍ وخلافاتٍ.