مازالت عمليات دفن الضحايا سقوط الطائرة العسكرية الجزائرية بمحافظة "أم البواقي" تتوالى بعدد من محافظات البلاد مع تحديد هوية كل ضحية بينما أعلن بيان رسمي أنه تم تحديد 52 هوية من بين الـضحايا الـ 77 للسقوط المفاجئ الذي ترجح فيه فرضية سوء الأحوال الجوية قبل التقرير الختامي الرسمي للتحقيق والذي قد يحمل أسباب أخرى متوقعة كفرضية الخطأ البشري.

مع انتظار نتائج التحقيق و قبل أن تعلن السلطات الجزائرية عن مضمون العلبة السوداء للطائرة التي سقطت قبل نصف ساعة من وصولها إلى محافظة "قسنطينة"، غصت وسائط التفاعل الافتراضي بمختلف مواقعها على الشبكة العنكبوتية بصور للضحايا وقصص عن حياتهم البسيطة أو أخر اتصال عائلي بهم وسط حالة من الحزن والأسى التي عمت الجزائريين الذين صدموا وتأثروا بعدد الضحايا الكبير.

و في قصة مؤثرة جدا ، كتبها متفاعل على موقع التواصل الاجتماعي "الفايسبوك" وتحاكي واقع بعض ركاب الطائرة التي سقطت في جبل "فرطاس" بمحافظة ام البواقي". وعنونت القصة بـ "العلبة السوداء تحكي".

 

"العلبة السوداء تحكي"

الطائرة تحلق فوق أجواء الصحراء الجزائرية وتبدو جبال "الأوراس" (سلسلة جبال شمال شرق الجزائر ) شامخة، من بعيد بعض السحب تضفي جمالا على المنظر. من النافذة شابان يتكلمان ويضحكان ربما من نكتة جديدة أو ذكرى طريفة قديمة جمعتهما معا...أم تهدهد طفلتها الصغيرة حتى تنام بهدوء. شابة تتصفح هاتفها الذكي وتنتقل بين تطبيقاته حتى لا تشعر بالملل. رجل يضع رأسه على وسادة الكرسي ويغمض عينيه ليغفو قليلا بعد يوم شاق ومتعب، وهناك رجل آخر يفتح محفظة جيبه ويتفقد صورة ابنه وابنته وهو يبتسم مستعدا للقائهما ومشتاق لضمهما بعد غياب شهر كامل...

في مقصورة القيادة يلتفت الطيار لمساعده وهو يبتسم قائلا : هل رأيت مباراة الأمس كانت النتيجة مخيبة رغم الأداء الجيد، فيرد عليه المساعد بابتسامة وهو يتفقد أزرار الملاحة: نعم كان لقاء شيقا ولكن سنفوز في المرة القادمة. فجأة تدخل الطائرة في مطب هوائي وتتعرض لشحنة كهربائية قوية من البرق
تهتز الطائرة ويهتز معها الركاب والأمتعة، يمسك الطيار بالمقود بكلتا يديه بقوة بينما يضع مساعده السماعة ويتصل ببرج القيادة: نحن نتعرض لعاصفة ثلجية والطائرة أصيبت بصدمة كهربائية هل انتم في الاستماع
ويلتفت إلى الطيار محركا رأسه.. انهم يسمعوننا ولكننا لا نسمعهم، فليس هناك اتصال قوي..

في قاعة الركاب استيقظ الرجل النائم مذعورا وتمسك بالكرسي و اختفت البسمة من وجه الشابين الصديقين. انطلقت صرخات البكاء من الطفلة الصغيرة وأمها تحاول تهدئتها، أما الشابة فأغلقت هاتفها ووضعته في جيبها وهي مذهولة من الوضع. وبدأت التمتمة والغمغمة بين - ربي يستر(سترانك ربنا) - يا لطيف الطف (لطفك ربنا)- واش كاين يا جماعة (ماذا يحدث ياجماعة) - لابأس إن شاء الله خير-

في قمرة القيادة يحاول الطيار ومساعده جهدهما في السيطرة على الطائرة والتحكم في الوضع. يزداد الاهتزاز قوة وتبدأ الطائرة في فقدان الارتفاع،
تتعالى صيحات الركاب من كل مكان: الله أكبر- لا إله إلا الله - يا ربي احفظنا يا ربي احفظنا.

الطيار لا يعرف ماذا يفعله ينظر إلى مساعده يائسا وهو يقول - بسم الله بسم الله -
يسمع مساعده وهو يكرر - يا رب استر يا رب استر.

يمسك الرجل بصورة ولديه يضمهما إلى صدره و تضم الأم ابنتها الباكية إلى صدرها و يتعانق الصديقان بشدة وبقوة، تغلق الشابة عينيها وتضع يديها على اذنيها و يقرأ الرجل الذي كان نائما ما تيسر له من آيات القرآن.

وفي برج المراقبة مسؤول الاتصال يتكلم
نحن نسمعكم فهل تسمعوننا أجب أجيبوا، هل تسمعوننا
ماهو وضعكم الآن كيف هي حالة الطائرة. توقف مسؤول الاتصال عن الحديث وركز سمعه ليلتقط همسا قادما من قمرة القيادة: كان صوت الطيار وهو يقول ويكرر: اشهد أن لا اله إلا الله واشهد أن محمدا رسول الله - اشهد أن لا اله إلا الله واشهد ....؟؟؟