خصص الصحفي والسياسي الليبي الدكتور مصطفى الفيتوري، مقاله الأسبوعي للحديث عن الأخطاء الفادحة للولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وكيف أن سياسة واشنطن تجاه هذه المنطقة الحيوية مقدر لها الفشل نتيجة لهذه الأخطاء.

وبدأ الفيتوري مقاله -الذي تابعته وترجمته بوابة إفريقيا الإخبارية-متسائلا هل تنسحب الولايات المتحدة من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أم أنها تفتقد إلى السياسة المحورية السحرية التي كانت تنتهجها من حين لآخر خلال سنوات؟ وبغض النظر عن الاستنتاج الذي ستصل إليه، فسياسة أمريكا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في السنوات الأخيرة ليست سوى سلسلة من الأخطاء التي تلحق الضرر بالولايات المتحدة نفسها أكثر من أي دولة أخرى.

وفي شمال إفريقيا تبرز ليبيا كمثال على فشل الولايات المتحدة. فقد جرى التخلي عن سنوات من التفاهم والتواصل بالنظام السابق للرئيس الراحل معمر القذافي وساعدت واشطن في الإطاحة به في أكتوبر 2011. وقد ساعد هذا التدخل العسكري من قبل حلف الشمال الأطلسي –الناتو-وشركائه بشكل حاسم من قبل القوة الأمريكية وسلمت ليبيا حرفيا إلى الفوضى والإرهاب. ودفعت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك للحرب دون أي فكرة عما سيحدث لليبيا. كانت ليبيا منتجة مهمة للنفط، وكانت حتى عام 2011 شريكًا نشطًا للغاية في الحرب على الإرهاب، وكانت أول دولة تصدر مذكرة اعتقال دولية لأسامة بن لادن عندما كان يتحرك بين السودان وأفغانستان في التسعينيات. وبعد إطاحة القذافي فشلت الولايات المتحدة في تقديم القيادة، بدلاً من ذلك انحازت إلى النزاع الداخلي الليبي. ومنذ عام 2011 كان تعامل أمريكا مع الوضع سلبيًا ومخزيًا. ولحل الصراع الليبي اقترح سيباستيان غوركا مستشار السياسة الخارجية السابق للرئيس دونالد ترامب أنه يجب تقسيم البلاد. لشرح فكرته لأحد الدبلوماسيين الأوروبيين رسم خريطة ليبيا مقسمة إلى ثلاثة على قطعة منديل في مطعم. هل هذا كيف يعمل المستشارون المحترفون؟

وجارة ليبيا الشرقية مصر هي ثاني محطة ساخنة لما يسمى "الربيع العربي" ومثال آخر على انهيار سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. بعد المساعدة في الإطاحة بحليفها السابق الرئيس محمد حسني مبارك في فبراير 2011، بدا أن واشنطن تدعم العملية الديمقراطية في البلاد. ومع ذلك تم عكس هذه السياسة عندما استخدم عبد الفتاح السيسي في عام 2013 الجيش لدعم انتفاضة أسفرت عن انقلاب والإطاحة بالرئيس المنتخب ديمقراطياً وإعادة كتابة دستور البلاد. وصف ترامب مرة واحدة السيسي بأنه "رئيس عظيم" على الرغم من انتهاكات حقوق الإنسان التي تحدث في مصر بذريعة مكافحة الإرهاب.

وإلى الشرق نجد سوريا حيث لم ينجح الدور الأمريكي. وبصرف النظر عن قيادة التحالف ضد داعش وهزيمة المجموعة الإرهابية في النهاية فإن واشنطن لا تمانع فيما تفعله تركيا في شمال شرقي سوريا. ودعم الأكراد لإقامة جيبهم في المنطقة هو خطأ استراتيجي طويل الأجل لا بد أن يزعزع استقرار سوريا. وخاضعة لابتزاز تركيا تعتقد إدارة ترامب أن وجود منطقة عازلة عسكرية تركية داخل سوريا هو في مصلحة جميع الأطراف، لكنه ليس كذلك. وستنظر تركيا دائمًا إلى الأكراد السوريين كعدو رئيسي لها وسيكون وجود الجنود الأتراك على الأراضي السورية دائمًا سببًا للصراع. وأي كان من يتولى السلطة في دمشق فإن أي وجود عسكري قسري غير قانوني ومن غير المرجح أن يخلق الاستقرار. في الواقع فإن الوضع في الوقت الحالي -خاصة في ظل مشاكل العراق العديدة-يمكن أن يعيد بسهولة تهيئة البيئة التي ساعدت على ظهور داعش.

وفي العراق يظهر فشل سياسة أمريكا الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وهو مستمر منذ عقد من الزمان. بعد الغزو غير القانوني عام 2003 استفادت الجميع من السياسة الأمريكية هناك باستثناء الولايات المتحدة والعراق نفسه. قبل الغزو لم يكن العراق ثقلًا موازنًا لإيران -عدو أمريكا اللدود-فحسب، بل كان أيضًا صديقًا وحليفًا ممكنًا في وقت واحد على الأقل في الحرب ضد الإرهاب. بعد غزو بغداد سلمت الولايات المتحدة العراق حرفيا إلى إيران. أدى الغزو إلى إطلاق العنان للصراعات القبلية والطائفية مما يسهل على طهران إعادة تأسيس نفسها كوسيط قوي في العراق المجاور.

اليوم -وحتى دون إيران= من الصعب الوصول إلى تحالف حكومي بسيط في بغداد. إن الدعم الإيراني لمختلف الجماعات شبه العسكرية -معظمها من الشيعة-يجعلها جزءًا لا يتجزأ من أي سياسة حكومية. وقاتلت قوات الحشد الشعبي   -تحالف شبه عسكري من الجماعات المقاتلة-بلا هوادة في كل معركة كبرى ضد داعش في العراق وسوريا. عندما انتهى القتال اضطر رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي للاعتراف بقوات الحشد الشعبي كجزء من قوات الأمن في البلاد، وحتى أعاد تسميتها "الحرس الجمهوري العراقي" بمبلغ 2.16 مليار دولار من ميزانية الدفاع. ومع ذلك، ما زال قوات الحشد الشعبي قوة مستقلة -اسمياً على الأقل-وهي متحالفة مع الحكومة المركزية في بغداد. في هذه الأثناء تتمتع إيران بنفوذ خطير للغاية على قوات الحشد الشعبي سياسيًا وعسكريًا على حساب الولايات المتحدة وبغداد نفسها. يتهم بعض كبار ضباط المجموعة شبه العسكرية الولايات المتحدة وربما إسرائيل بالوقوف وراء سلسلة الهجمات الأخيرة على منشآتها العسكرية في جميع أنحاء شرق وجنوبي العراق. ولن يكون مفاجئًا في مرحلة ما أن ترى الولايات المتحدة متورطة في مواجهة مفتوحة مع قوات الحشد الشعبي.

وفي جنوبي شبه الجزيرة العربية هناك لمملكة العربية السعودية المتورطة في اليمن على مدى السنوات الأربع الماضية بمساعدة سياسية وعسكرية ومخابراتية من الولايات المتحدة. لقد قُتل الآلاف من اليمنيين الفقراء بينما يواجه الملايين المجاعة، لكن دعم واشنطن للسعوديين لم يتراجع. وهذا دفع إيران إلى الصراع المرير مما أعطى طهران مزيدًا من التأثير في المنطقة...."، إن مثل هذا الدعم الأمريكي القاتل للسعوديين يعود لعقود من الزمن، عندما شجعت أمريكا الحكومة السعودية على تجنيد وتمويل وتسليح الجهاديين لمحاربة السوفييت في أفغانستان طوال الثمانينيات مما أدى إلى ولادة القاعدة التي بدأت واشنطن في القتال ضدها في التسعينات.

وبالطبع تظل القضية الفلسطينية أساسية لأي سياسة عظمى عاقلة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لكن إدارة ترامب تفتقر إلى مقاربة موضوعية لهذه المشكلة. ويفضّل ترامب علنًا إسرائيل بينما يحاصر الفلسطينيين تاركًا لهم خيارًا بسيطًا سوى رفض أي نوع من الارتباط مع الولايات المتحدة على أي مستوى. ويعتمد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بلا شك على دعم الولايات المتحدة لضمه المقترح لضم غور الأردن وأجزاء أخرى من الأراضي الفلسطينية المحتلة، تماماً كما حصل على دعم ترامب لضم القدس المحتلة ومرتفعات الجولان السورية. على نتنياهو أن يفوز في الانتخابات العامة الإسرائيلية الأسبوع المقبل أولاً.

من الصعب أن تجد نجاحًا في السياسة الخارجية للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مما يجعلني أتساءل عما إذا كانت سياستها هي في الواقع خلق فوضى من أجل بيع المزيد من الأسلحة للديكتاتوريين والطغاة وأمراء الحرب. أم أن مستشاري السياسة الخارجية الأمريكية يفشلون ببساطة في مصالح بلادهم من خلال مساعدة أعدائها؟ في كلتا الحالتين أو المزج بينهما فالفشل هو دائما النتيجة النهائية.